الهجوم البري: سلاح المعركة الأخيرة عامر نعيم الياس
قلب التدخل العسكري الروسي المعادلتين الدولية والإقليمية في سورية. الاستراتيجيات الغربية والأميركية تحديداً قلبت رأساً على عقب، فالأهداف باتت واضحة والتدخل أبعد فرضية إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد إلى الأبد. رسالةٌ توجّه بالدرجة الأولى، وقبل واشنطن المترددة، إلى الحلفاء من الرياض إلى أنقرة الجالسين عن يمين الإدارة الأميركية مستغلين «انكفاءها» المبرمج عن ساحة الفعل في المنطقة عموماً، وفي سورية خصوصاً، استناداً إلى الحرب بالوكالة.
الجبهة التركية كان لها النصيب الأوفر في الضربات الجوية الروسية التي استهدفت المناطق الحدودية الواقعة شمال غرب سورية، وتنظيم جيش الفتح وجبهة النصرة تحديداً، فضلاً عن وسط البلاد وتحديداً ريفي حمص وحماة الشمالي والشرقي على التوالي وامتداد الريف الحموي إلى ريف إدلب، حيث تقع مدينة خان شيخون في بداية الطريق الدولية بين محافظتي حماة وإدلب.
لا يمكن للتدخل من الجو أن يكسب المعركة، هو ما ندركه والروس جيّداً، لكن التدخل الجوي الفعال والحازم والموجّه لضرب البنى التحتية للإرهاب يمهد الطريق فعلياً أمام القوات البرية لوضع الخطط والاستفادة من الإسناد الناري الذي تؤمنه القوات الروسية من البحر والجو، هذا ما حصل بالأمس وأدى مباشرةً بالتزامن مع إعلان وزارة الدفاع الروسية إطلاق صواريخ كروز من بحر قزوين باتجاه مناطق تواجد تنظيم داعش في سورية، إلى إطلاق عملية برية واسعة للجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة انطلاقاً من ريف حماة الشمالي وصولاً إلى ريف إدلب الجنوبي، وفي تفاصيل العملية فقد بدأت من محاور عدة في الريفين الشمالي الغربي والشمالي الشرقي لحماة. واحد شرقاً، باتجاه قرية عطشان ومعان وثانٍ غرباً باتجاه كفرنبودة والمغير والهبيط في ريف إدلب الجنوبي، ومحور ثالث غرب وجنوب غرب مدينة مورك التي يسيطر عليها الجيش السوري باتجاه لحايا ومعركبة ولطمين. وبحسب معلومات عسكرية رسمية، فإن إنجاز أمس بلغت مساحته 70 كيلومتراً خسرها «جيش الفتح عندما سيطرت قوات الجيش على مساحة تبلغ نحو خمسين كيلومتراً على محور مورك، وعشرين كيلومتراً على محور قلعة المضيق في المنطقة ذاتها بعد اشتباكات عنيفة مع المجموعات المسلحة استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة، إضافة إلى سلاح الطيران.
إن الإنجاز الذي حققه الجيش السوري خطوة أولى في عملية برية طويلة تهدف في نهايتها إلى السيطرة على جبل الزاوية المعقل الأساس للمسلحين المرتبطين بتركيا، والمنطقة الاستراتيجية التي تشكّل الخزان البشري لرفد عمليات المسلّحين كافة في ريف إدلب.
ويبدو من التقارير المصوّرة التي بثت على وسائل الإعلام المرتبطة بالميليشيات المسلّحة إخراج هذه الفصائل أسلحة نوعية مضادة للدروع تستخدم للمرة الأولى بكثافة، وقد تمت عرقلة الهجوم على بعض المحاور باستخدام صواريخ «تاو» أميركية الصنع والتي كانت من نصيب حركة حزم وجبهة ثوار سورية، التي يقودها جمال معروف، المحسوبتين على ما تسميه واشنطن «المعارضة المعتدلة»، قبل أن تنهي جبهة النصرة «الاعتدال» القطري الأميركي قبل نحو عامين من الآن، والسؤال الذي يُطرح هنا لماذا بدأ الهجوم البري بهذه السرعة؟
لا يُخفى على المخطط الروسي هذا الأمر، والقوات السورية تدرك منذ البداية صعوبة الدخول في مواجهة برية مع الميليشيات المسلحة في ريف إدلب تحديداً نظراً لامتلاكها أسلحة متطورة خارقة للدروع، ونظراً للدعم الاستخباري واللوجيستي التركي غير المحدود والذي بات يملك هامشاً أضيق للمناورة بعد التدخل العسكري الروسي في سماء سورية. هذا ما ظهر فوراً عند إطلاق العملية البرية للجيش السوري بإسناد من القوات الجوية الروسية. وفي ضوء ذلك فإن المرجح أن غرفة العمليات الروسية السورية اتخذت قراراً بالهجوم لدفع الميليشيات المسلّحة إلى كشف ما لديها من خطط للمواجهة وسلاح مخصص للمعركة الأخيرة التي ما كان للتركي أن يقدّر أنها من الممكن أن تحصل بهذه السرعة، وبهذا المعنى فإن العملية البرية للجيش السوري والقوات الرديفة والتي بدأت بعد أقل من أسبوع على القصف الروسي الجوي المركز على مواقع التنظيمات الإرهابية في سورية وعلى رأسها داعش وجيش الفتح، جاءت لكشف ما تمتلكه الميليشيات تحت ستار هجوم بري يريد في مرحلته الأولى اختبار مدى استعداد هذه الميليشيات بشرياً ومادياً للمعركة، وتحديد الخطط الكفيلة باستمرارها وحسمها بأقلّ الخسائر الممكنة استناداً إلى الاختبار الروسي السوري بالنار لساحة المعركة الأكثر شراسةً في مواجهة آخر وأهم أوراق النفوذ التركي الأطلسي في سورية المتمثلة بجيش الفتح.
نجح الروس والسوريون مرتين، الأولى بسيطرتهم على 70 كيلومتراً مربعاً كانت تحت سيطرة النصرة وأحرار الشام والكتائب الإيغورية والتركستانية. والثاني، بدفع المجموعات المسلّحة إلى إخراج سلاحها النوعي للمعركة الأخيرة التي بدأت، حسب توقيت موسكو ودمشق.
(البناء)