موجة تغذي نفسها: عاموس هرئيل
تضيف سلسلة عمليات الطعن أمس إلى ضعضعة احساس الأمن لدى الإسرائيليين، هذه المرة في نطاق الخط الاخضر ايضا. ففي الوقت الذي يبدو فيه في الضفة الغربية، لليوم التالي على التوالي، انخفاض في حجم مظاهرات العنف، يصل المخربون الافراد إلى قلب البلاد ايضا. لا يمكن الاستخفاف بالتأثير النفسي لإرهابي يتراكض في داخل مبنى من الشقق بحثا عن ضحايا، او لمخرب آخر يهاجم المستجمين في المجمع التجاري. في المساء، وكأنه كي يعزز الانطباع عن هجوم لا يتوقف، اصيب إسرائيليان بجراح واطلقت النار على فلسطيني، حسب الاشتباه حاول أن يدهس افرادا من الشرطة على الحاجز قرب معاليه ادوميم.
عرف الجيش والمخابرات الإسرائيلية حتى الان كيف يعتقلوا في الموعد المناسب معظم خلايا اطلاق النار من حماس في الضفة. ومن تمكن رغم ذلك من العمل، اعتقل بعد زمن قليل نسبيا. فأجهزة الأمن الفلسطينية، تحت التعليمات المتشددة الجديدة من الرئيس، محمود عباس (ابو مازن) تعمل الان كي تقلص الاحتكاك العنيف للمتظاهرين مع الجيش والمستوطنين. ولكن ضد شاب ابن 17 او 18 يخرج إلى دربه من قرية في الضفة ويترك، في افضل الاحوال، بيان تلميح في صفحة الفيسبوك، لا يوجد اليوم أي حل احباطي ناجع. تدعي القيادة الأمنية في هذه الاثناء بان المظاهرات في الضفة لا تعكس تدهورا واسعا وتشير إلى أن حماس تمتنع حتى الان من فتح جبهة جديدة في قطاع غزة (رغم أن لها مصلحة في اشعال الميدان في الضفة، والتي ليست تحت سيطرتها). حاليا فان المشكلة الاولى في درجتها هي التصدي للمخربين الافراد. ومع أن منظمات الإرهاب تفرض على الداهسين والطاعنين الملكية بعد موتهم، فان معظمهم يخرجون إلى العمليات وحدهم، دون أي شبكة تنظيمية خلفهم.
مع أن معظم الجمهور الفلسطيني في الضفة، باستثناء الشبيبة، لا تشارك في المواجهات (خلافا لبداية الانتفاضتين) ومع انه لم تسجل حتى الان محاولات لعمليات انتحارية، نشأ احساس ما بمثابة طوفان من العمليات، بسبب اعمال الطعن والدهس الاخيرة. فالمس بالامن الشخصي للإسرائيليين، والذي يبدو ملموسا في الضفة وفي شرقي القدس منذ زمن بعيد، ينتقل إلى ما وراء الخط الاخضر. وفي ظل التغطية الإعلامية المكثفة ومطالبات الجناح اليميني في الائتلاف بعملية عسكرية حازمة، يمكن أن تنشأ لاحقا مواجهة مع السلطة ايضا، رغم أن الجيش مقتنع بان عباس يعمل الان بكل قوته كي يوقف التصعيد. وتغذي موجة العمليات ذاتها: نجاح عملية طعن يجلب محاولات تقليد لها اخرى فأخرى.
هذه المرة يدخل إلى الصورة عنصر لم يلعب دورا على هذا القدر من الاهمية في فترات عنف سابقة ـ رد فعل المستوطنين. ففي مداولات الكابنت والقيادة الأمنية في الاسبوع الماضي بحثت باستطراد اعمال الشغب العنيفة للمستوطنين في اعقاب مقتل الزوجين هينكن قبل اسبوع، والتي تضمنت رشق الحجارة على السيارات الفلسطينية، احراق سيارة فلسطينية وشتائم وسباب على الجنود. وهذه مشكلة صغيرة اخرى. الخوف هو أنه رغم الملاحقة الثابتة لنشطاء اليمين المتطرف المشبوهين بالمشاركة في قتل عائلة دوابشة في قرية دوما، ستأتي الان عملية دوما ثانية، كثأر على اعمال القتل الفلسطينية الاخيرة. وهذه النار سيكون من الصعب جدا اخمادها.
في كل تحقيقات المخربين الذين اعتقلوا بعد تنفيذهم العمليات الاخيرة (كان هناك آخرون قتلتهم قوات الأمن بعد أن هاجموا)، تكرر مبرران: الرغبة في الثأر على القتل في دوما والاعتقاد المغلوط في ان إسرائيل بدأت بالعمل للسيطرة على الحرم. وفي الايام الاخيرة توجه مكتب رئيس الوزراء لشخصيات عامة من اليمين، بينهم الوزير اوري ارئيل ونواب آخرون، بطلب عدم العودة للحجيج في الحرم. وقد جاء هذا الطلب بتوصية من جهاز الأمن وبالتوازي مع اشارات التهدئة التي نقلت إلى السلطة الفلسطينية، مصر، الاردن والسعودية وبموجبها ستحرص إسرائيل على الحفاظ على الوضع الراهن.
سحابة دوما اصعب على الازالة. حتى الان لم يجمع ما يكفي من الادلة للتقدم بلوائح اتهام والجمود في التحقيق يعزز فقط ايمان الفلسطينيين بان القتلة اليهود يتمتعون بحصانة الدولة. والمشادة الدينية بين المتزمتين في الحرم، مثل دائرة الثأر في الضفة، تواصل تغذية النار.
في مثل هذه الاجواء، مشكوك أن يكون المواطن الإسرائيلي العادي منصتا أو متسامحا مع المداولات على مدى تصميم السلطة الفلسطينية في كفاحها ضد الإرهاب او على عدد المشاركين في المظاهرات امام حواجز الجيش الإسرائيلي. من ناحيته، او من ناحيتها، فان الاولوية الاولى هي ان يتمكن من العودة للاحساس بالامان في المجمع التجاري في بيتح تكفا، في المبنى السكني في كريات جات وكذا ـ ايضا على الطريق قرب نابلس.
هآرتس