أوهام غربية حول روسيا
غالب قنديل
توعدت بعض التصريحات الأميركية والغربية الاتحاد الروسي بفشل الحملة لمكافحة الإرهاب في سورية والعراق وانطلقت موجة من الترويج الدعائي الهادف لمحاصرة مبادرة الرئيس بوتين الجريئة والشجاعة بشبح الورطة السوفياتية في أفغانستان فهل فعلا وبكل موضوعية تصح المقارنة بين التدخل الروسي لدعم سورية والتدخل السوفيتي في أفغانستان ؟
أولا الفتوة الروسية والشيخوخة السوفياتية
– في ثمانينيات القرن الماضي كان الاتحاد السوفياتي غارقا في أعراض التكلس البيرقراطي وكان نظام حكم النخبة البيرقراطية ( النومونكلاتورا وفق الأدبيات الغربية ) في حالة من الشيخوخة والعجز عن تلبية حاجات التطور الاقتصادي الاجتماعي وعن بلورة ديناميات سياسية داخلية تواكب التحولات والاحتياجات وهو ما ضاعف من حجم الهوة السحيقة بين شعوب الاتحاد وقيادة الحزب الشيوعي التي خنقت وبقوة جميع اتجاهات التحديث الفعلية للاشتراكية السوفيتية منذ اغتيال أندروبوف.
– في حالة الخمول والتكلس والعجز القيادي انهزمت البيرقراطية داخليا امام غزو النموذج الاستهلاكي الغربي الذي حاصر ثقافيا وإعلاميا شعوب الاتحاد السوفياتي وحقق اختراقات خطيرة في الرأي العام بينما تكشفت لاحقا عن تلك المرحلة اختراقات أميركية وغربية واسعة وكبيرة في صفوف النخبة البيرقراطية الحاكمة آنذاك وفي هذا المناخ كان الاستنزاف الأفغاني عاملا محركا لتداعيات أودت للإنهيار الكبير الذي لم يكن عفويا بمجمله لمن يدقق التفاصيل ويسترجع برامج العمل الأميركية لنخر الاتحاد السوفياتي التي ادرت قسما منها كونداليسا رايس كما بات معلوما.
– روسيا الاتحادية بقيادة فلاديمير بوتين هي اليوم قوة رأسمالية فتية صاعدة وهجومية عالميا بقوة المصالح الاقتصادية والاستراتيجية ( من يدقق يكتشف وجودية التناقض الروسي الأميركي عالميا من خلال تماثل البنيان التكويني للاقتصاديات وشبكة المصالح القائمة على مجمعي السلاح والنفط والغاز ) وبعيدا عن أي قالب إيديولوجي على الطريقة السوفيتية فنسيج الشخصية الروسية اليوم يستند إلى المكونين السلافي والأرثوذكسي في تأكيد الحضور والجدارة امام العالم وتحظى استراتيجية بوتين بمساندة شعبية داخلية واسعة لدوافع وأفكار كشفت استطلاعات الرأي اقتناع غالبية روسية ساحقة بها ومحورها ضرورة استرجاع مكانة روسيا العالمية والتصدي للغطرسة الأميركية دفاعا عن مصالح روسيا.
ثانيا الأمن القومي الروسي
مساندة المواطنين الروس لدولتهم في حركتها نحو سورية لا ترتبط فقط بحيوية المطل البحري المتوسطي في منظومة المصالح الروسية العليا وهو أمر حاضر تراكميا في وعي الروس منذ العهد القيصري بل أيضا هي نتيجة لحقيقة واقعية قائمة ومحسوسة فالإرهاب التكفيري في سورية يضم في بنيته مجموعات متحدرة من مناطق وأقاليم روسية يجري التخطيط لردها لاستهداف روسيا وللشعب الروسي خبرة في جرائم الإرهاب الشيشاني الذي استهدف البلاد واستنزفها لسنوات ويدرك الرأي العام الروسي بشدة ان الانخراط في مكافحة الإرهاب إلى جانب الحليف السوري الموثوق هو واجب استباقي دفاعا عن امن روسيا نفسها ولذلك فالرهان على تأليب الراي العام الروسي ضد قرار الرئيس بوتين يصطدم بفكرة الدفاع المشروع التي نجحت روسيا في بلورتها لدى مواطنيها خلال السنوات الماضية في تعاملها مع الحدث السوري.
ثالثا استنفاذ البدائل السياسية
نجحت القيادة الروسية خلال السنوات الخمس التي مرت على انطلاق الأحداث السورية بالظهور في موقع الوسيط الباحث عن حلول سياسية والراعي لمفاوضات ومباحثات طويلة وممتدة مع الولايات المتحدة والغرب عموما وعبر رعاية فصول من الحوار السوري وبشكل تبدت معه خطة التدخل العسكري كطريق لا بد منه في تسريع الحل السياسي الذي فضحت القيادة الروسية عزم الغرب على منعه وتخريبه كما نجحت خلال سنة كاملة في تعرية التحالف الغربي لمحاربة داعش وفضح أهدافه وخطته الساعية لإعادة تدوير الإرهاب وإخضاعه للسيطرة الأميركية بدلا من القضاء عليه.
روج الرئيس بوتين في سياق تعاملة مع الأحداث السورية والأوكرانية لبرنامجه لتصحيح العلاقات الدولية وجعل منه بندا رئيسيا في خطابه الداخلي والتعبئة حوله منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة وتعاظمت شعبيته في الداخل بالتوازي مع سيره بحزم في طريق التصدي لقوى الهيمنة الغربية التي تعاملت بصلف مع روسيا الاتحادية وشكلت خطواتها العدائية استفزازا شاملا للشعور القومي الروسي .
اما عن الاختلاف النوعي بين سورية وأفغانستان الثمانينات فهو ما نتناوله غدا .