مقالات مختارة

هل ينجح «شراء» الاستقرار بـ«الترقيات»؟ ملاك عقيل

 

غادر الرئيس تمام سلام الاراضي اللبنانية «على أمل» أن تزيل التسوية الموعودة الألغام المزروعة أمام استئناف حكومته عملها و «لو بالقطارة»، ثم عاد الى مكتبه في السرايا محاولا ليس فقط المشاركة في إنعاش «الترقيات» قبل ان تلفظ أنفاسها الاخيرة، بل إيجاد المخارج الممكنة لإنقاذ حكومته من «شلل تام» كان قد حذّر منه خلال وجوده في نيويورك.

مع «البند الملغوم» الذي أضيف «بالسرّ» الى ورقة التسوية التي نوقشت في خلوة عين التينة، أو من دونه، ثمّة مواقف رافضة لمشروع الترقيات والتعيينات لم تعد قابلة لأي نقاش. وحده التوافق «من فوق» يمكن ان يفرض «وهرته» على جلسة وزارية يتحوّل «البلوك» الممانع فيها الى ممانعين «بالمفرّق» لا يفسدون في ودّ التسوية قضية.

الرئيس ميشال سليمان، المعاند الأول لميشال عون ولكل تسوية يمكن أن يستفيد منها خصمه المسيحي «المنادي بالحقوق»، يتصرّف على أساس ان هناك طرفا قيّما على الجيش و «مصالحه»، ويصدف ان هذا الطرف هو وزير الدفاع وهو أحد الوزراء الثلاثة المنضوين ضمن كتلته الوزارية في الحكومة. وهو الممرّ الإلزامي، بعد قائد الجيش، لطرح الترقيات والتعيينات في مجلس الوزراء.

وفيما تبقى مبادرة سمير مقبل في اقتراح الترقية والتعيين هي الإجراء التقني الضروري بعد تخطّي حاجز التوافق على بنود التسوية، فإن «ثلث» سليمان في الحكومة (وزراء «اللقاء التشاوري» الثمانية إضافة الى الوزير أشرف ريفي) يبقى افتراضيا مع تأكيد مطّلعين ان مواقف وزراء «حزب الكتائب» والوزير بطرس حرب والوزير ميشال فرعون قد يكون بعضها قابلا للتعديل في ربع الساعة الاخير انسجاما مع توجّهات عليا تنادي بـ «شراء» الاستقرار بـ «الترقيات».

أكثر من ذلك، فإن مصادر اللقاء التشاوري تفيد بأن رئيس الحكومة قد يطلب من الوزير مقبل طرح التعيينات والترقيات على مجلس الوزراء فيتجاوب، وحين يأتي وقت التصويت أو التوافق على المرسوم يلتزم بموقف «التشاوري» برفض التصويت له!

أوساط سليمان تؤكّد في هذا السياق أن «الترقية الثلاثية مستحيلة حتّى لو كان الثمن سقوط الحكومة»، وهي تروّج في المقابل لحصول استقالات حتمية في السلك العسكري من جانب عمداء متضرّرين في حال إقرارها والذهاب نحو دعاوى أمام مجلس شورى الدولة.

أما الحلّ المقترح من جانب الوزير عبد المطلب حناوي بتأجيل تسريح كل العمداء في الجيش لعام واحد فجرى التأكيد من جانب «اللقاء التشاوري» أنه اقتراح شخصي من جانب وزير الشباب والرياضة ولم يتمّ تبنّيه رسميا من قبل «اللقاء التشاوري» أو كتلة سليمان الوزارية.

وجاء هذا الحلّ، وفق مقربين من حناوي، من ضمن مروحة من ثلاثة خيارات: إحالة روكز الى التقاعد مع نهاية خدمته العسكرية، استدعاؤه من الاحتياط وهو الامر الذي رفضه عون كونه يقطع الطريق أمام روكز الى قيادة الجيش، وتأجيل التسريح للعمداء الذي من شأنه ان يؤمّن شرطَي العدالة والشمولية، وهو مفتوح على صيغ متعددة (العمداء الموارنة المحتملون لتولي قيادة الجيش أو جميع العمداء ممن يسبقون روكز بالأقدمية، أو العمداء الذين سيحالون تباعا الى التقاعد… على ان يترك لقيادة الجيش الاختيار بما يؤمّن تكافؤ الفرص).

مصادر عون أكّدت أن الحلّ المقترح من جانب الوزير حناوي «لا يعنينا، ولا مجال للبحث فيه. وإذا كانوا يتحدّثون عن معيار العدالة كونه يطبّق على العمداء في الجيش، فقد كان الأجدى بهم الالتزام باقتراح اللواء عباس ابراهيم الشامل والعادل والكفيل بإيجاد حلول لكل الإشكاليات المطروحة ضمن المؤسسة العسكرية». مع ذلك، فإن هذا الاقتراح أخذ حيّزا من التداول السياسي أمس وصولا الى حدّ الإيحاء بإمكانية السير به كمشروع حلّ عام لا خاص «وما على الممانعين سوى رفضه!».

هنا لا بد من الإشارة، إلى أن تأجيل التسريح، في حال حصوله، لن يؤدي إلى إعادة العجلة الحكومية إلى الدوران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس النواب.

ويمكن القول إنه من اللحظة التي أوحى فيها ميشال عون بقلب الطاولة على الجميع في معرض ردّه على دسّ بند تعيين مدير عام لقوى الامن الداخلي ضمن الوثيقة التي تمّ التوافق عليها في عين التينة، فإن أي تطوّر ملموس لم يحصل على خط إزالة العوائق المستجدّة باستثناء إيصال الرئيس نبيه بري، عبر نواب «تكتل التغيير والاصلاح»، كما الوزير وائل ابو فاعور شخصيا، رسائل الى عون مفادها «لا علاقة لنا ببند المدير العام والتسوية التي نوقشت سابقا لم تتضمّن أي بند مرتبط بمؤسسة قوى الامن بما في ذلك تعيينات مجلس القيادة».

الآراء الرافضة للتسوية على حالها، لكن الرابية المقتنعة بأن «التوافقات العليا» إذا حصلت كفيلة بجعل المعترضين، بمن فيهم سمير مقبل، يسيرون في النهاية بمشروع الحل كجسر إلزامي لإعادة تفعيل العمل الحكومي والنيابي، لا تجد تفسيرا لـ «العدائية» التي يظهرها النائب سامي الجميل في مواكبته لملف التعيينات والترقيات.

وتقدّر أوساط عون أن أداء رئيس «الكتائب» ليس سوى ردّة فعل واستياء من المسار الذي سلكته ورقة النيات مع «حزب القوات» وصولا الى النقاش حول قانون الانتخابات.

وتضيف الاوساط: «حَرصنا منذ البداية على الاتصال بالجميل ووضعه في أجواء ورقة النيات والتأكيد أنه جزء من هذا التفاهم، لكنه تنصّل وتهرّب. وفي ما يتعلّق بقانون الانتخابات أبرزنا الحرص نفسه على ان يكون الكتائب ضمن التفاهم المسيحي العام بشأن القانون، لكنّ ردّه تركّز على أن الكتائب يعمل ليكون حزبا وطنيا مفضّلا الخروج من زاوية الحسابات المسيحية. مع ذلك، اعتبرنا الامر مجرّد اختلاف سياسي في الآراء الى ان وصلت مواقفه لتكون هدّامة متساويا بالكامل مع مواقف ميشال سليمان. أما إذا كانت الخلوة التي انعقدت في عين التينة قد أفقدته أعصابه، فهذا يعني ان عنده مشكلة!».

أما التشدّد من جانب الرئيس سليمان فلا ترى فيه الاوساط سوى «جزء من توزيع الأدوار في محاولة لتدفيع ميشــال عون المزيــد من الأثمان».

وفيما لا يعتري العونيين أي قلق من «عنتريات» بعض الوزراء، فإنهم ينامون على حرير البيان الاخير لكتلة «المستقبل» النيابية الذي أعاد برأيهم تصويب البوصلة حول «هوية» الآمر الناهي داخل التيار الازرق. ولا بأس من تغريد أشرف ريفي خارج السرب ما دام قد صار حريصا في الفترة الماضية على التأكيد أنه يتحدّث باسمه الشخصي وليس كممثل عن «تيار المستقبل».

حتى 15 تشرين الاول، موعد تقاعد روكز، لا يزال الوقت متاحا للتفتيش عن بدائل ممكنة تُبعد عن الحكومة كأس التعطيل، خصوصا أن رعاة التسوية السابقة لم «يرفعوا العشرة»، حيث تحدّثت أوساط مطّلعة عن أن جلسات الحوار المقبلة، كما جلسات الكواليس، قد تشهد ولادة اقتراحات معدّلة «بدلاً من ضائع».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى