مقالات مختارة

بوتين وأردوغان وسوريا محمد نورالدين

 

تتسارع الأحداث المتصلة بالأزمة السورية وعنوانها الوحيد هو تعزيز روسيا تواجدها العسكري في سوريا وإعلانها رسمياً أنها ستخوض الحرب مباشرة ضد «داعش».

هناك ألف سبب لكي تمضي روسيا في اتجاه حماية وجودها في سوريا المنسجم مع قاعدة التعاون إلى درجة التحالف مع النظام في سوريا وإيران.

ولم يكن مفاجئاً الإعلان عن تشكيل غرفة عمليات عسكرية مشتركة بين كل من روسيا وإيران وسوريا والعراق في بغداد. فالحرب في سوريا باتت حرباً كونية بكل معنى الكلمة ولا تقتصر تأثيراتها في الجغرافيا السورية، بل تعدتها ومنذ وقت طويل لتشمل الدول المجاورة وأوروبا بأشكال مختلفة، ومنها مؤخراً قضية اللاجئين السوريين المتوجهين من تركيا عبر البحار والبر إلى الدول الأوروبية.

روسيا تعزز وجودها العسكري في سوريا وتعلن أن إسقاط النظام خط أحمر. هذا لم يكن ربما واضحاً لمن لا يجيد قراءة الموقف الروسي وأهمية سوريا لروسيا.

عندما تحارب روسيا في سوريا فلأنها شعرت بأن صفقة السلام ليست واردة عند الغرب وحلفائه الإقليميين، وأن هؤلاء يخططون ليس لإسقاط النظام في سوريا فقط، بل لدحر روسيا وإخراجها نهائياً من المنطقة. الأزمة الأوكرانية كانت مؤشراً قوياً على أن الصراع الدولي بين أمريكا وروسيا على أشده حيث تضيق واشنطن الخناق على روسيا تدريجياً.

وكما استخدمت القوى الغربية التنظيمات الإسلامية المتشددة لتخريب المنطقة من العراق وسوريا إلى ليبيا واليمن فلبنان، فإن هذا الدعم محصلته النهائية هو الانتقال إلى محاصرة روسيا في داخلها عبر الجمهوريات الإسلامية. والأرقام التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية عن المقاتلين من الجمهوريات الروسية مثل الشيشان وتتارستان فضلاً عن الأويغور في الصين كبيرة جداً إلى درجة أن انتهاء الحرب في سوريا يعني عودة هؤلاء إلى بلادهم الأصلية مدججين بأفكار متطرفة وخبرات قتالية وهو ما يقلق روسيا كثيراً.

الدفاع عن وجودها في سوريا يعني لروسيا أيضاً الدفاع عن وجودها الأخير في المياه الدافئة المتوسطية. الحرب الليبية كانت امتحاناً وجرس إنذار للسياسات الروسية التي وجدت نفسها مغدورة وضحية خداع حلف شمال الأطلسي. لذا فإن التمسك بسوريا وبالنظام في دمشق يعتبر مسألة حياة أو موت لموسكو وزعيمها فلاديمير بوتين.

من هنا، فإن للعلاقات الروسية التركية أهمية كبيرة في هذا المجال. إذ إن تركيا جارة مباشرة لروسيا ولسوريا في الوقت نفسه. وبما أن الدور التركي في دعم الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق وفي ليبيا دور مركزي، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى موسكو أن يقنعه بضرورة محاربة «داعش» من خلال القبول بدور للرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية ومن بعدها لكل حادث حديث.

في النتيجة المباشرة الأولى للمحادثات «صدر عن أردوغان موقف جديد مفاده أن تركيا يمكن أن ترى دوراً للأسد في مرحلة انتقالية. هذا الموقف كان يعكس تراجعاً في الموقف التركي الذي كان يرفع، بل أول من رفع شعار أن لا حل في ظل بقاء الأسد، وقد فعل أردوغان كل ما بوسعه مالياً وتسليحاً وتدريباً لدعم المعارضة ضد الأسد. لكن أردوغان عاد وقال إنه لا يمكن بقاء الأسد بعد كل هذا الموت في سوريا.

التراجع التركي الأول عن ضرورة رحيل الأسد ربما يكون الأكثر واقعية ليس لأن تركيا تتراجع بل لأن اردوغان يريد التخلص من الأسد ولو بعد سنوات وحتى لا يبقى خارج أي تسوية من دون ثمن ما يقبضه. وبالتالي فإن الموقف الحقيقي لأنقرة كان ولا يزال وسيبقى عرقلة أي حل يضمن بقاء الأسد في المستقبل. والمماطلة التركية والإصرار على مواقفها كان واضحاً في مسألة إعلان محاربة “داعش” من دون الدخول العملي في هذه المواقف. ومن الآن إلى أن تنضج التسوية في سوريا ستبقى تركيا تدفع ثمن عزلتها عن العالم الغربي والروسي والعربي بعدما انتهجت «أجندة» خاصة بها تصطدم مع الجميع.

(الخليج)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى