فاجعة الحرم والمسؤولية السعودية
غالب قنديل
تعطي التصرفات السعودية الرافضة لتحقيقات مشتركة مع الدول التي قتل رعاياها في ظروف غامضة خلال مراسم الحج مبررا كافيا لترجيح الشكوك عن وقوع قتل مخطط مع سبق الإصرار عملا بقاعدة” يكاد المريب أن يقول خذوني ” والسؤال البديهي إذا كان ما جرى بفعل القضاء والقدر وليس ناتجا عن تقصير ولا هو حصيلة فعل بوليسي مخطط بالشراكة مع الكيان الصهيوني كما يوحي حجم الضحايا ومواقع بعض الشخصيات الفاعلة في عداد البعثة الإيرانية.
تنصلت المملكة السعودية من جميع دعوات التحقيق المشترك وقابلتها بجلافة مع أن ذلك هو المسار الطبيعي فكيف في ظل توترات سياسية لا توحي بالثقة أصلا ومع التكرار المتواصل لحوادث ناتجة في أبسط الأحوال عن ترهل إداري وتخبط قيادي تغذيه انقسامات ومشاكل مستعصية تخص نظام الحكم السعودي الذي سبق وظهر فشله في احتواء مشكلات ناتجة عن ظواهر طبيعية كالسيول وتعثرت إدارته لمواسم الحج ولجأ إلى تقليص عديد الحجاج بسبب العجز عن الاستيعاب وتلك الشواهد تدعو بعقلانية إلى سلوك لين مع الدول المفجوعة بخسارة مئات المواطنين والقلقة على مصير الآلاف .
في الأصول والأعراف الدولية تعتبر السلطات السعودية هي الجهة المسؤولة ماديا ومعنويا عن سلامة الحجاج القادمين من جميع أنحاء العالم والتصريحات السطحية والعجولة التي حملت الضحايا مسؤولية ماجرى تعتبر تهربا سخيفا وقاصرا من المسؤولية وهي لاتقنع أحدا لأنه من المفترض وجود هيئات حكومية وجهات رسمية تتولى التنظيم والإشراف وهي قادرة نظريا على تدارك أي حدث طاريء.
التعتيم السعودي عزز الشك بوجود حقائق يتم طمسها ومنعها من التسرب وهي تشكل إدانة للجهات السعودية المسؤولة والتي جاءت إقالة بعض قادتها بداية اعتراف صريح بالمسؤولية لكن المكابرة ورفض مشاركة التحقيقات مع أي من الدول التي ينتمي إليها معظم الحجاج الذين استشهدوا وأصيبوا تنطوي على عنجهية وخفة يصعب قبولها على كل دولة تعتد بكرامتها الوطنية وتحترم مواطنيها وكوادر مؤسساتها وإذا كان بعض قادة المملكة وأمرائها يعدون الناس أرقاما تافهة يمكن شطبها بأقلام الأمراء فالأمر معاكس كليا في الدول التي تقيم وزنا لكرامة الانسان .
كان الصبر الإيراني طويلا ومثيرا في الأيام الماضية والأكيد أنه لن يستمر ولا يمكن أن يستمر وقد جاء كلام القائد الخامنئي حاسما وقاطعا ففرض تحولا في النبرة السعودية ولكن القضية لم تنته فإيران ومصر وباكستان وغيرها من دول منظمة التعاون الإسلامي الكبرى مطالبة من شعوبها بتفسير واضح لما جرى وبضمان عدم تكرار الحوادث في مواسم الحج وتحديد المسؤوليات مع تأكد عدم أهلية السلطات السعودية للتحكم بإدارة منفردة للمراسم والمناسك وحيث يمكن لموكب أحد أفراد العائلة المالكة التسبب بمذبحة تطمس تفاصيلها ويطلب من الدول والحكومات التزام الصمت والرضوخ للقدر السعودي الأعمى .
تلح الفاجعة باستعجال التحرك لإعادة النظر بصيغة إدارة الحج والأماكن المقدسة عند المسلمين في العالم بين حد أدنى هو الإدارة المشتركة لموسم الحج بتشكيل جهاز من منظمة التعاون الإسلامي يعمل على مراقبة وترشيد الأجهزة والجهات الحكومية السعودية المعنية وحد أعلى هو الإدارة المشتركة والمستقلة للأماكن المقدسة في شبه الجزيرة العربية وحيث يصل بعض المقترحات إلى وضعية مدولة تشبه حالة الفاتيكان التي تم استحداثها في ظروف نزاع خطيرة عاشتها أوروبا واقتضت قيام دولة القداسة البابوية بصورة منفصلة عن جمهورية إيطاليا .
الماء البارد على رؤوس الأبواق السعودية ومداحي بلاط الأمراء ومجموعات الشتيمة والردح بأمر أولياء النعم بات ضرورة لمناقشة واقعية في مشكلات كثيرة تنعقد مسؤولياتها ومرجعياتها في حقل مشبع بمظاهر المرض والاعتلال هو نطاق الحكم والقرار في مملكة تائهة في مرحلة انعدام وزن بين عنجهية حكامها وعواصف التغيير الداهمة من حولها وحيث تشهد التطورات بفشل خيارات الرياض طيلة نصف قرن من العمل لخدمة الولايات المتحدة بعيدا عن مصالح شبه الجزيرة العربية وسكانها ومع تكرار الفشل تلو الفشل وصولا إلى المهمة (إدارة موسم الحج ) التي اعتمدت عقائديا لاكتساب شيء من الشرعية الدينية التي هتكتها لعبة الحكام السعوديين برعاية مدارس التكفير لعيون بريجنسكي ووهم محاربة خصوم السيد الأميركي بالإرهاب وبالتطرف الذي بات يجوف المؤسسة الوهابية بأسرها في حين تتدهور سوية مراكز القرار السعودي نحو نمط من الرعونة والمغامرة والدليل حاضر في أخطر حربين تشهدهما البلاد العربية في تورط المملكة بالعدوان المجرم على كل من سورية واليمن بينما ينادي بعض صبيان البلاط بإشهار التحالف مع الكيان الصهيوني علانية .