قضية النفايات تقترب من مواعيد الحسم حبيب معلوف
لا تزال قضية النفايات بين أخذ ورد، وقد برز فيها أمس مواقف ومؤشرات عدة، تؤكد اقتراب موعد الحسم بكل الاتجاهات بعدما استنفد من هم مع الخطة وضدها كل إمكانياتهم وحججهم وبات الموضوع أمام الرأي العام. كان البارز أمس اجتماع رئيس اللجنة أكرم شهيب مع العماد ميشال عون معلناً عن تمنياته بأن يبدأ تنفيذ الخطة بعد أيام لا أسابيع، وموقف داعم من النائب طلال ارسلان الذي وفّق بين عدم ممانعته لفتح مطمر الناعمة لفترة 7 أيام ووصفه المعترضين بأنهم أصحاب ضمير صادق. ولفت شهيب بعد لقائه رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون إلى انه «حاضر لمناقشة الطروحات والمتطلبات والبدائل العلمية والبيئية»، معتبرا في الوقت عينه ان «جزءا من الحراك المدني يريد التمترس خلف النفايات من أجل أهداف سياسية». وأكد شهيب أن «الحل لن يكون إلا بيئيا علميا بامتياز وليس له أي بعد سياسي أو مناطقي أو طائفي». كما أعاد التأكيد انه «في المرحلة الأولى علينا أن نعالج المشكلة قبل أن تمتد، وان هناك 90 ألف طن منها مطمور لن نستطيع إزالته، و10 آلاف طن حرقاً والباقي موجود بين مخازن الشركة المشغلة في الكرنتينا والعمروسية وعلى الطرق. اذاً عملية النقل ستكون إلى موقعين جديدين هما اليوم مكبان، ونحن نريد أن نجعل منهما مطامر صحية حتى ولو لم تسر الخطة أي في سرار في عكار، حيث بدأ العمل في تحويل المكب الى مطمر صحي ستستفيد منه المنطقة في المستقبل».
وقال «أما في موضوع المنطقة الحدودية بيننا وبين سوريا، فهو بعيد عن المصادر المائية والدراسات أثبتت ذلك، إنما اذا كان الرفض من أجل الرفض فلا يستطيع البلد ان يتحمل كل ذلك». وأكد في النهاية ان «على الدولة ان تحسم أمرها وعلي أن أستكمل كل الاتصالات لأذلل كل العقبات أكانت علمية أو بيئية».
كما تقدم الحراك أمس باقتراحات للمعالجة، بالرغم من نصائح بيئيين مخضرمين بعدم التورط في تقديم خطط جديدة تقوم على الاستعانة بشركات (تدور منذ بداية الأزمة لتسويق 40000 طن من الانزيمات لرش النفايات وتعلن استعدادها استيراد المزيد اذا ما تم تبني خيارها! وتسويق صاحب ارض في منطقة عميق لاستعداده عن استقبال نفايات وفلشها…) والاكتفاء بالمطالبة بضرورة تطبيق مبادئ محددة والضغط لتبنيها وترجمتها في استراتيجيات وخطط وقوانين وقرارات.
فماذا في اقتراحات الحراك، مع العلم ان وزير الزراعة فضّل في اتصال مساء امس مع «السفير» ان لا يصدر أي رد على الخطة، حتى يتم درسها (ليلة امس) على ان يُعقد اجتماع اليوم مع ممثلين عن أصحاب المقترحات لمناقشتهم في المواد التقنية التي تضمنتها وإمكانية تطبيقها؟
طرح الحراك الشعبي أمس رؤيته للخروج من أزمة النفايات التي تغطي شوارع العاصمة وأحياءها والعديد من المدن والقرى اللبنانية، بالإضافة إلى تثمين دور الحراك نفسه الذي «نفع»، ليقول ممثلوه إن «المزيد من الضغط ينفع وهو مطلوب ليس فقط لوقف فضيحة النفايات، بل لاستعادة شرعية الدولة، دولة مدنية، ديموقراطية، عادلة».
وقدم ممثلو عدد من مجموعات الحراك أمس خطة بديلة لخطة اللجنة الفنية التي شكلها وزير الزراعة أكرم شهيب من خبراء بيئيين. وعرض بول ابي راشد من الحركة البيئية اللبنانية، الخطة بشقيها على المدى الطويل كحل متكامل للتعاطي مع إدارة الفنايات في لبنان، وآخر مؤقت لمعالجة النفايات المتراكمة منذ أكثر من شهرين.
وقدم أبي راشد قراءة في الخلفية السياسية التي مهدت لما حدث منذ إغلاق مطمر الناعمة في 17 تموز الماضي، واندلاع الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتقاعس وزارة البيئة والسلطة السياسية عن إيجاد حل للنفايات المتراكمة والقمع الأمني الذي قلّ نظيره في السنوات العشر الأخيرة. ومع تطور الحراك الشعبي الذي تمكن من «دفع الحكومة إلى التخلي عن اقتراحها بإجراء مناقصات فاحت منها رائحة الفساد، والمحسوبيّة، والمحاصصة الطائفيّة». وفق أبي راشد، «أدّت الاحتجاجات إلى عزل وزير البيئة محمد المشنوق لنفسه عن متابعة ملف النفايات، وتسليم وزير الزراعة الحالي أكرم شهيّب خلافا للمادة 66 من الدستور، الملف. وبعدما وصف أبي راشد شهيب بـ «عراب صفقات مطمر الناعمة»، ذكّر برفض الحراك الشعبي للخطة مع تعليل الأسباب وانتداب ممثلين من الحركة البيئية وحملة إقفال مطمر الناعمة لتقديم ملاحظاتهم للوزير شهيب ولجنته الفنيّة، حيث «أعلن كلا الفريقين أنّ الملاحظات لم تؤخذ في عين الاعتبار». وبالإضافة إلى رفض الحراك لخطة اللجنة الفنية، لفت أبي راشد إلى «رفض مناطق لبنانية عدة (المصنع، عكار، الناعمة..) مقررات مجلس الوزراء وخرج المواطنون رافضين إقامة مطامر في أقضيتهم».
الحراك كعسرة
وخص ممثلو الحراك الشعبي في خطتهم المواطنين اللبنانيين الذين «يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم في تنفيذ الخطة البديلة التي ترتكز على الفرز والتدوير بالدرجة الأولى»، رافضين ما أشاعته السلطة عن «أنّ الحراك الشعبي هو الذي يقف عثرة أمام إيجاد حل للنفايات المتراكمة في الشوارع، متناسين أنّهم كسلطة سياسية المسؤولون الأولون عن الأزمة، وعن رفع النفايات ورميها في الأحراج، والأنهار، ومواقف الباصات، وضفاف الشواطئ وغيرها مبتزين المواطن اللبناني بصحته وسلامة البيئة».
وفي الخلفية السياسية تمسك الحراك الشعبي بمطالب «لا عودة عنها تثبت صدق السلطة السياسية في نيتها للإصلاح». وتتصدر «استقالة وزير البيئة محمد المشنوق لتقاعسه عن أداء مهامه» رأس اللائحة، بالإضافة إلى «تحرير أموال البلديات في الصندوق البلدي المستقل بعد فتح الحساب الخاص به فورا، ومن وزارة الاتصالات بعد إصدار مرسوم توزيعها، على ألا تكلف أية بلدية بأي قرش لمصلحة أية شركة إلا بقدر طلبها الصريح بالاستفادة من خدماتها، ودونما حاجة لأي قانون مشبوه يرمي إلى التغطية المؤخرة على السطو على المال العام، وإلغاء القرار الوزاري السابق الرقم 1 تاريخ 12/1/2015 مع جميع القرارات المتعلّقة به وبخطّة الحكومة (بما فيه جميع النتائج اللاحقة لها كالتي لها علاقة بعقد «رامبول» مثلاً…)، واستكمال تحقيق المدعي العام المالي حتى صدور النتائج في الفساد في ملف النفايات».
الخلفية التقنية
ومن السياسة إلى الخلفية التقنية، فند الحراك الشعبي ما أسماه «اداعاءت السلطة» ومنها «ادعاء الوزير شهيب أن فرز النفايات لا ينتج سوى 9% من المواد القابلة للتدوير وأن رفع هذه النسبة لا يمكن أن يتم إلا متى اعتمد الفرز من المصدر، وهو غير صحيح ومردود جملة وتفصيلا». وفي حال صحة هذا الكلام، علل الحراك السبب بـ «استخدام الشاحنات الضاغطة التي تحطم الزجاج وتمزق المواد البلاستيكية، ما يجعل فرزها متعذّرا عبر الغربال المعتمد في المعامل ويدويا، كما يحول دون إنتاج المواد الآيلة للتسبيخ بنوعية رديئة». ولفت أبي راشد، استنادا إلى المعايير العالمية المتبعة إلى أنه «من الممكن إعادة تدوير ما لا يقل عن 35% من النفايات وإعادة استعمالها لحاجات الصناعة، وكذلك ارتفاع نسبة المواد القابلة للتسبيخ من المواد العضوية الى ما لا يقل عن 55% من النفايات».
ويبقى 10 في المئة «مواد متفرقة تعتبر من العوادم (أحذية، أقمشة، جلديات…). وهي نفايات من الممكن أن تستخدم لإعادة تأهيل الأماكن المشوهة كالكسارات، وعلى نفقة أصحاب الأخيرة».
ولفت أبي راشد أيضاً على أهمية تفعيل معامل الفرز الموجودة في لبنان (1500 طن يومياً) وتشغيلها بطاقتها القصوى مع معملي العمروسية والكرنتينا (طاقتهما 3000 طن يومياً) وهو ما يسمح بإعادة تدوير النفايات وتسبيخها بنسبة 90 في المئة.
ووعد ممثلو الحراك بتقديم تقدير للأكلاف، خصوصاً في ما يتعلق بمعالجة النفايات المتراكمة حالياً، رافضين إهمال معالجة أي كميات من تلك التي طمرت أو خزنت خلال الأزمة.
فرز من المصدر وتدوير
خصصت خطة الحراك جزءا للإنتاج اليومي من النفايات كمدخل لتكريس مبدأ «الفرز من المصدر واتخاذ التدابير القانونية اللازمة بهذا الخصوص مع فرض روزنامة للمّ النفايات وفق نوعها». ويكون الفرز من المصدر عبر «تحمل الدولة مسؤولياتها في توجيه البلديات والاتحادات وفي وضع إطار توجيهي مراع للبيئة، واتخاذ قرار بمنع استخدام شاحنات كابسة لنقل النفايات غير المفروزة».
وبعدما حمل ممثلو الحراك السلطة السياسية و «تعمدها ابتزاز المواطنين والضغط لتبرير استمرار عقد سوكلين»، وفق أبي راشد، رأوا أن الكميات المتراكمة باتت «بأوضاع من التخمر يصعب معه الفرز اليدوي المباشر، مع التأكيد على عدم طمرها، وإنما معالجتها وفق إحدى طريقتين اثنتين: التخمر الهوائي والتخمر غير الهوائي».
وتتبع بالتخمر الهوائي آلية «جمع النفايات وفلشها على أرض صلصالية منبسطة وفق مراحل متعددة ، فيما يعتمد التخمر غير الهوائي على تجميع النفايات ضمن ظروف بلاستيكية مقفلة (wrapped membrane method)، يتسع كل ظرف منها لكمية تصل إلى حوالي 500 متر مكعب من النفايات وتترك لفترة ستة أشهر، معزولة عن الماء والهواء. وعند نهاية الفترة، تكون المواد العضوية قد تحولت الى سباخ تشوبه مختلف المواد القابلة للتدوير (زجاج، بلاستيك، معادن…). وعندها، يعاد فرز هذه المواد التي تكون قد خلت من البكتيريا والفطريات، وتطبق آليات الفرز ذاتها المذكورة أعلاه في معرض التخمر الهوائي».
وحول الإجراءات التنفيذية، أشار ممثلو الحراك المدني إلى أن الحاجة تقتصر على إيجاد مواقع ملائمة للقيام بعمليات التخمير الهوائـــية واللاهــوائية ومن ثم الفرز، وبناء على تقديــر كميــتها بما يقارب 60 ألف طن (نظرا لما تــم حرقه وللتبخر الذي حصل)، أي حوالي 120 ألف متر مكعب، فهي تســتدعي إيجاد مساحة إجمالية تضم منطقة التخــمير ثم منطــقة الفــرز على البسـط الميكانيــكية.
وهكذا تكون المساحة الإجمالية اللازم تأمينها للتخمير ولمجموعة بسط الفرز وللغربلة النهائية بحدود 200 ألف متر مربع. وهي تتطلب، على أساس أن الفرز اليدوي ممكن بمعيار طنــين للعامل الواحد، 300 عامل وفني على فترة أربعة شهور.
ورفض ممثلو الحراك ومن ضمن الخطة إعادة فتح مطمر الناعمة ولو ليوم واحد، بعدما أثبت أن لجوء الدولة إلى هذا الحل، هو لكسر إرادات المواطنين أكثر منه لفائدته وجدواه، خصوصا بعد إثبات ذلك بالأرقام والمعطيات العلمية.
(السفير)