مقالات مختارة

استحقاقات كبرى … فيما وراء النووي – الإيراني حسن شقير

 

منذ أكثر من عشر سنوات – تاريخ بدء ما سمي بأزمة البرنامج النووي الإيراني – ، بدأت تظهر للعيان حقيقة وخفايا أهداف أمريكا ومعها الكيان الصهيوني ، في حربهم المفتوحة على الجمهورية الإسلامية ، والتي تمظهرت صورتها، بصورة ظاهرها نووي تقني ، وباطنها سياسي محض ، تتصل بالسياسة والتوجهات الإيرانية من جهة ، وكذا الحال بالعقلية الأمريكوصهيونية المتسلطة والمتعجرفة من جهة ثانية ، والتي ترفض المنافسة الدولية معها ، ولو بحدودها الدنيا ، ناهيك عن اعتبار الجمهورية الإسلامية حجر عثرة حقيقية ، لما يبدو أنهما – أي أمريكا والكيان الصهيوني – قد رسماها للمنطقة وللعالم ، على حد سواء

منذ سنوات التفاوض النووي الأولى ، والتي لم يكتب لها النجاح في حينه ، سعت أمريكا ، وبكل ما أوتيت من قوة وعزم ، أن تجعل من النفاوض على ذاك البرنامج النووي ( الجامع والموحد لكل أطياف وأجنحة السياسة في إيران ) ، نافذةً تبغي من خلالها التسلل إلى النسيج الوطني والسياسي الإيراني ، وذلك من خلال تفعيل الدعاية الإعلامية الأمريكية ومعها الصهيونية ، وكذا توابعهما في العالم … وذلك بربط ذاك التفاوض مع غيره من الملفات العالقة الأخرى مع الجمهورية الإسلامية ، وتحديداً فيما خص دور إيران الإقليمي ،إضافة إلى ما سمي بعملية السلام الصهيونية – العربية ، وموقف الجمهورية المبدئي والثابت منها ، ومن النظرة الكلية تجاه وجود الكيان الصهيوني في المنطقة بشكل خاص

منذ سنوات خلت ، اعتقدنا وجزمنا من أن دور إيران الإقليمي ، ليس بمعضلة المشاكل فيما بين أمريكا وإيران ، وأن الأولى كانت وما زالت جاهزة للإعتراف بذلك ، ولكن شريطة ربط ذاك الدور ، بضمانات إيرانية حول مستقبل النظرة الإيرانية للكيان الصهيوني ، وما يستتبع ذلك من ملحقات ، تجعل من التوافق الأمريكوإيراني رزمة متكاملة للحل

هذه الأخيرة كانت لغاية اليوم ، محط رفض إيراني مطلق ، و سارت المفاوضات على أساس تجزئة الملفات ، وحصرها بالملف النووي تحديدا ً ، والذي رافقته عقوبات قاسية فُرضت على الجمهورية الإسلامية ، وذلك بغية إجبارها على تقديم تنازلات نووية جوهرية ، أو حتى الفرض عليها للعودة إلى بحث الرزمة المتكاملة للملفات … الأمر الذي لم تخضع له إيران لغاية اليوم ..

لن نكرر ما ذكرناه مسبقاً في مقالة ( نووي إيران يفضح الخلاف الصهيوأمريكي ) وذلك حول اختلاف النظرتين الصهيونية والأمريكية فيما خص العقوبات المفروضة ، وجدوى التعويل على نتائجها على السياسة والنظام في إيران على حد سواء … ولن نعيد أيضاً ما كتبناه في مقالة ( معركة الرأي العام .. والتفاوض الأمريكي – الإيراني ) حول علاقة الإتفاق المرحلي النووي ، و الذي تم منذ عام ، ومدى ارتباطه بالرأي العام في كل من البلدين ، وكيفية انعكاس ذلك عليهما ، وكيف يمكن أن يكون التعويل الأمريكي في اللعب على الوتر الداخلي الإيراني من خلال ذاك الإتفاق المذكور

اليوم ، ونحن على ابواب الاحتمالات الثلاث للمفاوضات الحالية في فيينا ، سواء بالتوصل لإتفاق نهائي ، أو إتفاق إطار نهائي ، أو تمديد للإتفاق الجزئي … فإننا ، وفي انتظار جلاء الغبرة النووية من فيينا ، فلا بد لنا أن نستشرف مجموعة من الإستحقاقات الكبرى ، والتي تجعل من أي احتمال من الإحتمالات أعلاها ، محط متابعة حثيثة في المرحلة القادمة .

الإستحقاق الإقليمي

لا يبدو أن أمريكا العائدة إلى المنطقة ، تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي أصبح يشكل – بحسب ما تدعيه – تهديدا مباشراً عليها وعلى مصالحها الحيوية في المنطقة ، فضلا ً عن حلفائها … بأنها – أي أمريكا – لا تزال ترضى بالدور الإقليمي الذي لا تنفك إيران تطالبها بالإعتراف به في المنطقة ، وخصوصاً أن ذاك الرضى المسبق الأمريكي ، كان وما زال حتى هذه اللحظة مرتبطاً بالقبول الإيراني بالرزمة المتكاملة للحل ، والتي ذكرنا أن أمن الكيان الصهيوني يقبع في جنباتها … لذلك فمع الرفض الإيراني المستمر لذلك ، وفي ظلال تشكيل ما سمي بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ، فإن ما عرضته أمريكا لغاية اليوم في كنف النقاش النووي الحصري ، لا يتجاوز التحاق إيران بذاك التحالف ، وذلك من باب تسمية منمقة بعنوان ” التعاون ” ، الأمر الذي رفضته وترفضه إيران ، وذلك لأسباب استفضنا سابقاً في تبيان أسبابها … هذا فضلا ً عن أن ذلك سيحرمها الدور الإقليمي الذي ترتأيه … مما سيجعل من إمكانية قيام نظام دولي جديد قائم على التعددية بدلا ً من الأحادية الأمريكية ، أكثر صعوبة ، وتحديدا أن افتراض الرضى الإيراني ستصيب شظاياه بكل تأكيد عرى المحور الممانع ، وعلاقاته الاستراتيجية مع الراعيين الدوليين روسيا والصين على حد سواء .

إذا ، وبغض النظر عن مألات التفاوض التي تجري حالياً في فيينا ، فإن الإشتباك الأمريكي – الإيراني ، حول مدى سعة الدور الإقليمي الذي تبغي إيران من أمريكا الاعتراف به ، ومدى التجاوب الأمريكي معه ، سيبقى عنواناً لمرحلة من المد والجزر في القادم من الأيام .

الإستحقاق الإقتصادي

لا يخفى على المتابعين لكل ما جرى و يجري في المنطقة من حروب وأحداث ، بأن العنوان الإقتصادي لهذه الحروب جميعاً ، ربما يكون في صدارة الإهتمامات الدولية ، سواء في محور روسيا وإيران ، ومعهما محور الممانعة ، وكذلك لدى دول التحالف الجديد ومعها تركيا والكيان الصهيوني ، وذلك تحديداً فيما يتعلق بمصدري الطاقة الرئيسيين الغاز والنفط

قد يقول البعض أن أمريكا قد شارفت أن تصبح قاب قوسين أو أدنى من مرحلة الإكتفاء الذاتي من مصادر الطاقة سواء النفط أو الغاز ، لا بل أنها ستبدأ بالمنافسة على صعيد التصدير …. وهذا كلام وجيه ، إلا أن ذلك لا يمنع من وقوف أمريكا بوجه إيران وباقي الدول التي تدور في فلكها ، من إمكانية استخراج واستثمار الغاز والنفط الواعد في منطقة الشرق الأوسط ، سواء بتنمية وتقوية هذه الدول ، أو حتى أنها ستشكل الجناح الأخر للغاز الروسي الذي يتدفق نحو أوروبا ، وذلك على الرغم من رغبة هذه القارة العجوز بالتخلص من ذاك النير الروسي ، والذي كانت تتوخاه خليجياً ، أو حتى تركياً وشرق أوسطياً ، وذلك بعد تغيير الوجه السياسي لبلدان الدول الحاضنة له … وهذا ما يفسر الإصطفاف الدولي الحاصل اليوم في الحرب على سوريا تحديداً ، كونها قطب الرحى في المنطقة

بناءً على ما تقدم فإن الإستحقاق الإقتصادي ، ممثلا ً تحديداً بالغاز الذي تحتضنه إيران وباقي دول المنطقة ، سيجعل من هذا الملف عقبة حقيقية في اقتسام الكعكة المالية التي تعول عليها كل هذه الدول التي تقف اليوم على طرفي نقيض من أزمات المنطقة .

الإستحقاق الصهيوني

لعل تصريح أوباما لشبكة ” إيه بي سي ” الإخبارية ، منذ يومين – وفي خضم اسبوع الحسم في التفاوض النووي – ، والذي نُشر بالأمس تحديداً ، وذلك لدى سؤاله حول إمكانية تطبيع العلاقات مع إيران ، بعد حصول تفاهم نهائي معها حول الملف النووي .. فأجاب ” بأن السؤال يجب أن يكون هل بإمكاننا تخطي الإتفاق المرحلي إلى النهائي ” !!! مردفاً أنه ” هناك مشاكل لا تزال عالقة ، كالدعم الإيراني للأنشطة الإرهابية في المنطقة ، وموقف إيران حيال إسرائيل

هذه الجملة الأخيرة تؤكد ما ذكرناه سابقاً عما هو المطلوب أمريكياً من إيران حيال الكيان الصهيوني … وكذا الأمر حول ما أسماه أوباما بدعم إيران للأنشطة الإرهابية في العالم ، وهو بالتأكيد يقصد الدعم الإيراني لقوى المقاومة في المنطقة … وبالتالي فإن أوباما يتطلع إلى تحجيم القدرات الإيرانية ، وإعادتها إلى الداخل الإيراني ، وإفراغ الدور الإقليمي الذي تحظى به إيران حالياً في المنطقة من فعاليته ،والذي تريد إيران اعترافاً أمريكيا به ..

الأكيد أن المعضلة الصهيونية ستبقى العقدة الكأداء في جدول الأعمال الأمريكي – الإيراني ، والتي لن تجد لها مكاناً للتفاهم بينهما ، كونها تتعارض وتتعاكس مع المبادئ الشرعية والدينية التي تقوم عليها إيران – الثورة الإسلامية ..

خلاصة القول ، سواء تحقق اليوم أي من الإحتمالات المتوقعة ، والتي ذكرناها أعلاه ..فإن هذه الإستحقاقات الثلاث ستبقى عوائقاً حقيقية في درب ” الزمن الوردي ” الذي يؤمل البعض حلوله سريعاً في العلاقات الأمريكية – الإيرانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى