مقالات مختارة

المعادلة الغربية الجديدة في سورية: «لا معه… ولا من دونه» عامر نعيم الياس

 

هو المأزق الغربي في سورية. التعزيزات العسكرية الروسية غير المسبوقة كمّاً ونوعاً على أراضي سورية حشرت كافة المحور الغربي المناوئ لروسيا في الزاوية. فكيف يمكن التعامل مع المستجدات على الساحة السورية ووجود روسيا على أبواب الأطلسي وفلسطين المحتلة؟ وكيف يمكن الخروج من ورطة أزمة اللاجئين التي جيّرها التدخل الروسي لمصلحته، بمعنى أن موسكو التي أدركت وجود رابط غير مطمئن بين تطوير الموقفين الفرنسي والبريطاني من تحالف أوباما في سورية، وبين تركيز إعلامي عالمي على أزمة اللاجئين السوريين عبر المتوسط، مع أن نسبتهم لا تتعدى 15 في المئة من نسب اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي، دفع تدخلها المباشر على خط الأزمة السورية إلى قلب معادلة اللاجئين لكي تتحوّل إلى أداة ضغط على الساسة الأوروبيين لدفعهم إلى النزول عن شجرة خلع الأسد القائمة منذ عام 2011.

«على الأسد أن يتنحى»: العبارة المفتاحية في السياسة الأميركية الأوروبية في سورية منذ آذار عام 2011، وقد تبلورت نهائياً مع إغلاق السفارات الأوروبية وسحب كافة البعثات الدبلوماسية الغربية من دمشق في الربع الأول من عام 2012، وحجم الحملات الإعلامية والتغطية غير المسبوقة للتظاهرات الخارجة من الجوامع تحت مسمى «الثورة المدنية السلمية»، والتجييش الدولي حول مأساة اللاجئين والمعتقلين، والصدور العارية في مواجهة الرصاص، وتطوير الملف إلى فبركة استخدام الكيميائي في الغوطة الشرقية في آب عام 2013، أوجد كتلةً من الضغوط تكيّفت معها الدولة السورية، ومَنَع حلفاؤها سياسياً الأسوأ عنها وهو ما يشهد عليه استخدام الفيتو المزدوج من جانب روسيا والصين أربع مرات متتالية كان آخرها في حزيران 2014. في هذه المرحلة تحديداً كان السائد هو «تنحي الأسد كشرطٍ مسبق لأي عملية تفاوضية»، هذا ما شهدناه في جنيف، وهذا ما عكسته كلمات الدول المشاركة في الحرب على سورية في أروقة المؤتمر، حتى أن ملف تشكيل «هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة» كان أمراً يفسّر على أساس استبعاد الدولة السورية من الحل برمته والقبول فقط بتسليم مفاتيح دمشق إلى ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض في اسطنبول.

حرب أوباما على داعش وتغيّر الأولويات: منذ سنة، بدأت الضربات الجوية لتحالف الرئيس الأميركي باراك أوباما ضدّ «داعش» في سورية والعراق، بات الملف المحصّن بقرارات أممية أولوية سياسية رسمية بالنسبة إلى الغرب، لكن الحرب كرّست رسمياً وجود تيارين في قلب المعسكر الغربي المعادي لسورية، الأول يمثله الرئيس أوباما وبعض الدول الأطلسية يحاول حصر التدخل في سورية بملف الحرب على «داعش»، ويقبل بالتنسيق الضمني غير المباشر عبر الوسيط العراقي مع الدولة السورية، فالأولوية ليست لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، إنما احتواء الحلفاء ومحاولة تأجيل سقوط الدولة السورية لمصلحة استنزافها. المحور الثاني ضمن التحالف تمثله كل من فرنسا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر، فالانخراط في الحرب على «داعش» في سورية ولو بشكل رمزي يمكن أن يفسّر على أنه دعمٌ للرئيس السوري بشار الأسد و«نظامه» لذلك لا بدّ من فرض منطقة آمنة في شمال سورية بقرار أممي أو أطلسي تحضّر الأرضية للزج بقوات على الأرض أو تجميع للميليشيات المرتبطة بالغرب على غرار ما حصل في بنغازي في ليبيا تمهيداً لإسقاط الدولة السورية، لا التفاوض معها تحت الضغط وفقاً للرؤية الأميركية التي توظّف الاستنزاف والتطورات الميدانية لجلب الدولة السورية وحلفاءها في توقيت ما إلى التفاوض للتنازل عن الدور السياسي العام للدولة السورية في معادلات المنطقة.

التكيّف مع الأسد ومعادلة «لا معه ولا من دونه»: تكيّف الغرب مع فكرة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الحالية فوزير الخارجية الأميركية جون كيري هو من بدأ الترويج لهذه الفكرة قبل سته أشهر عبر قوله «بالنهاية سنضطر للتفاوض مع الأسد»، وبيانات البيت الأبيض الرسمية قبل هذا التصريح كانت تقول بعدم «وجود دور للأسد في مستقبل سورية» وهو ما بقي حتى الآن من المعادلة الغربية السياسية لإدارة الأزمة السورية، لكن الدخول الروسي المباشر على خط الحرب في سورية، والتهافت الغربي للقبول بالأسد أمراً واقعاً في البلاد وفي المرحلة الانتقالية، دفع إلى تظهير معادلةٍ جديدة تعكس أزمة ومأزقاً جيوسياسياً للغرب في سورية وهي معادلة «لا معه، ولا من دونه». تبدأ المعادلة من الشق الأميركي المتعلق «بدور الأسد في مستقبل سورية» وهنا يطرح التساؤل ماذا عن حاضر سورية؟ مروراً بالموقف الفرنسي حول «حكومة وحدة وطنية تضم أطرافاً للنظام السوري مع المعارضة التي تعارض الإرهاب لكن دون وجود الأسد» وهي صيغة مثيرةٌ للشفقة والضحك. أما الرئيس التركي وهو العدو الأكثر وضاعةً وشراسةً للرئيس الأسد اعترف أخيراً بدور له في المرحلة الانتقالية، التي تجاوزتها فرنسا قليلاً بالحديث عن حكومة وحدة وطنية في سورية، لكن الانعطافة الأكثر وضوحاً في الموقف الأوروبي وقبيل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة كان موقف المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل التي مهّدت في تصريحها لنقض الموقف الأوروبي والانتقال به من التكيّف مع بقاء الأسد وإسقاط شرط تنحيه، إلى قبول التعامل مع الأسد على قاعدة حل الأزمة السورية باعتباره طرفاً على الأرض لا يمكن تجاوزه. وهنا يحضر التعارض في الموقفين الفرنسي والألماني من الأسد، إذ قالت ميركل حرفياً: «علينا التحاور مع عدد من اللاعبين ومن ضمنهم الأسد».

تبدو الإرادة للخروج من الأزمة السورية بأي وسيلة بما فيها إعادة تأهيل الأسد في الداخل الأوروبي وعلى المستوى الرسمي حاضرةً بقوة في قلب الموقف الغربي من سورية، لكن المأزق لا يزال ماثلاً أمامنا في معادلة «لا معه ولا من دونه» والتي وإن اعتبرت تطوراً وتراجعاً في اساسيات الموقف الغربي المتطرّف من الدولة السورية، إلا أنها لا يمكن أن تستمر حالياً وهو ما أشارت له برلين، وما ستدفع إليه موسكو وفقاً لأجندتها السورية وفي المدى المنظور.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى