غرفة عمليات روسية ـ أميركية بشأن سوريا محمد بلوط
ثلاثة أيام قبل إنهاء الجسر الجوي الروسي إلى سوريا، تكتمل الاستعدادات لحرب روسية ـ سورية ـ إيرانية.. وأميركية مشتركة ضد تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة».
وبحسب مصادر أمنية غربية، أنهى الروس والأميركيون مشاورات خلال عملية الجسر الجوي، أدت إلى التوافق على غرفة عمليات مشتركة في سوريا، تضم ضباطاً من هيئات الأركان لدى الطرفين. وكانت ست طائرات روسية، من طراز «سوخوي 30»، قد تمركزت في مطار حميميم قرب مدينة جبلة على الساحل السوري، فيما تتوقع مصادر سورية أن تنضم إلى السرب الأول ست طائرات من طراز «سوخوي 34». ويعمل الروس على حشد أسراب إضافية من طوافات «مي 23» و «مي 25»، فيما تنتظر دمشق استلام 8 طوافات من طراز «مي 28»، المعروفة باسم «الصياد الليلي»، لمواجهة الدبابات وتطوير العمليات الليلية.
وليس مستبعداً أن ينضم إلى الغرفة بريطانيون وفرنسيون، خصوصاً بعد القرار الرئاسي باللحاق بالروس والأميركيين، وتوجيه ضربات إلى «داعش»، علماً أن مجمل المساهمة الفرنسية في الغارات الجوية لم يتعدّ 200 غارة من أصل 9500 غارة شنها التحالف الأميركي ضد «داعش» في سوريا والعراق، منذ أيلول العام 2014.
وتبدو المهمة الأولى لغرفة العمليات تبادل المعلومات حول بنك الأهداف، خصوصاً أن السوريين والإيرانيين يملكون معطيات «أرضية» أوسع بكثير مما تملكه عمليات الاستطلاع الجوي الأميركية المستمرة، فيما لا يملك الفرنسيون معلومات كافية عن انتشار «داعش» في سوريا، بعد رفض الأميركيين تقاسم المعلومات معهم، طيلة مدة رفضهم المشاركة في عمليات ضرب التنظيم في سوريا، كي لا يستفيد منها النظام في سوريا، على ما كان يقوله الرئيس فرانسوا هولاند.
كذلك تسعى الغرفة المشتركة إلى تنظيم «الازدحام» في الأجواء السورية، خصوصاً في الشمال، التي تجوبها مقاتلات سورية وأميركية وروسية قريباً. وكان وزيرا الدفاع الروسي سيرغي شويغو والأميركي أشتون كارتر، قد أجريا الجمعة الماضي محادثات هاتفية، للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية قبل 18 شهراً، تؤكد الذهاب نحو التنسيق في العمليات الجوية. إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركي (البنتاغون) مارك تونر إننا «نبذل جهداً من أجل الحصول على مزيد من المعلومات حول نيات روسيا في سوريا، وهو أمر ضروري من أجل إقامة آليات احترازية لمنع حدوث نزاعات في المكان ومن أجل تجنيب حوادث» بين موسكو وواشنطن.
ومن الواضح أن الأولوية، أميركياً وروسياً، أصبحت للعمل الميداني، واختبار الميزة الروسية، التي يفتقدها الأميركيون في الحرب على «داعش»، بحيازتهم حلفاء على الأرض، وفي الإقليم، وقوة برية تساند العمليات الجوية، وتستكمل أهدافها، وهي ميزة استراتيجية يفتقدها الأميركيون، فضلاً عن انعدام الجدية الأميركية في الحرب على التنظيم وهو ما يظهر في خرافة القوة «المعتدلة» التي أنفقت عليها واشنطن ملايين الدولارات من دون أن ترى النور، بالإضافة إلى غياب أي استراتيجية أميركية واضحة في سوريا، سياسياً وعسكرياً، وتعرجات المواقف، والصراعات داخل الإدارة الأميركية حول الموقف من الخطوة الروسية. وأكثر ما يعكس غياب تلك الاستراتيجية مسارعة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى طي صفحة المطالبة بمغادرة الرئيس بشار الأسد قصر الشعب، كمقدمة لأي حل سياسي. ويبدو أن أولى نتائج الخطوة الروسية، وقبل شن أي غارة وضرب أي هدف، هو اعتبار بقاء الأسد في موقعه أمراً مقبولاً أميركياً، ولو إلى حين. وقال كيري، خلال لقاء مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير في برلين أمس، «نحن متوافقان على أن دعم روسيا أو أي بلد آخر المستمر للنظام يهدد باجتذاب مزيد من المتطرفين وبتعزيز موقع الأسد وبقطع الطريق على حل النزاع».
وينبغي الاعتراف بأن الأميركيين لا يمكنهم مواجهة روسيا في مجالها الحيوي السوري، لحماية دمشق، أو معارضة رغبتها قتال «داعش» انطلاقاً من الأرض السورية. ويبدو أن الميدان تحوّل إلى أولوية غير مسبوقة لدى الطرفين، مع تراجع الخلاف حول شروط الحل السياسي، خصوصاً بالنسبة لمستقبل الأسد. والأرجح أن تضيق شقة الخلاف في الرؤية إلى المسار السياسي، إذا ما نجح الروس والإيرانيون بتحقيق الأهداف التي جاؤوا من أجلها.
ويبدو أن نشر الطائرات الروسية المقاتلة يستجيب لخطط قصف جوي واسع وثقيل، والاستفادة من قدرة الـ «سوخوي 34» على العمل كقاذفة، حيث إنها تحمل ثمانية أطنان من القنابل، ومن مداها الواسع الذي يبلغ 1500 كيلومتر، لتغطية الأراضي السورية كافة، انطلاقاً من مطار حميميم الذي يتوسط منطقة حصينة وآمنة. كما أن الـ «سوخوي 30» تستجيب أيضاً لحاجات العمليات الروسية، بسبب تعدد ميزاتها، وقدرتها على الاشتباك الجوي وإسناد العمليات البرية التي سيتولاها الجيش السوري، وحلفاؤه الإيرانيون، ومقاتلو «حزب الله».
وبحسب مصادر أمنية غربية، لن تتوقف العمليات الروسية، بالتنسيق مع السوريين والإيرانيين، على الدفاع عن «سوريا المفيدة» فحسب، إذ تشير طبيعة المعدات المنشورة إلى أهداف أبعد، أولها يتعلق بالأمن القومي الروسي، بضرب التجمعات «الجهادية» الشيشانية والقوقازية في الشمال السوري، وعلى مقربة من قواعدها الخلفية في تركيا، كما يشمل ضرب أهداف أوسع في الجنوب السوري، حيث تنتشر على مشارفه مجموعات «داعش»، وفي الشرق حول مدينتي الميادين ودير الزور.
ولأن الروس يشعرون بأنهم قد استعادوا المبادرة في سوريا، بعدما أعادوا التركيز على الوضع الميداني، وتعديل ميزان القوى لمصلحة حليفهم السوري، فإنه من المنتظر أن تتضح معالم الاستراتيجية الروسية في سوريا، خلال الخطاب الذي سيلقيه، للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام، الرئيس فلاديمير بوتين الجمعة المقبل، في نيويورك، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتقول مصادر غربية إن الرئيس الروسي سيحدد خريطة الطريق التي سيعمل عليها في سوريا ضد «داعش». والأرجح أن يعمد بوتين إلى دعوة الدول الإقليمية المنخرطة في الحرب على سوريا إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 2170 و2173، وخاصة تركيا والأردن، إلى منع المسلحين من عبور حدودها إلى سوريا، وتجفيف منابع الإرهاب وتمويله.
وحول هذه النقطة، يبدو أن ثمة تفاهماً أردنياً – روسياً، عبر ما قاله الملك الأردني عبدالله الثاني، بعد زيارته موسكو مطلع الشهر ولقائه بوتين، «بمحورية الدور الروسي»، وتبعه تعطيل غرفة عمليات عمان، التي كانت تنسق الهجمات ضد الجيش السوري على الجبهة الجنوبية، خصوصاً الهزيمة المدوّية لـ «عاصفة الجنوب»، وفشل خمس موجات هجوم خلال الصيف، من دون أن تتمكن المجموعات المسلحة، التي يدعمها الأردن، من التقدم نحو درعا.
وعلى المقلب الآخر، وفي إطار تمهيد الطريق أمام العمليات الروسية، من المنتظر أن يطرح بوتين على زائره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء في موسكو، خريطة الطريق، والمطالب الروسية من تركيا، التي تدعم عمليات الجماعات «الجهادية» و «جبهة النصرة»، خصوصاً في الشمال السوري. وتتوقع مصادر غربية أن يدعو بوتين مجدداً إلى تحالف ضد الإرهاب، والى مسار سياسي في سوريا، يرتكز على ما أعلنه سابقاً: ائتلاف حكومي مع معارضة وطنية داخلية، وانتخابات تشريعية مبكرة تسمح للمعارضين بدخول مجلس الشعب، والمشاركة في السلطة.
(السفير)