بقلم ناصر قنديل

لو كنت مكان تيار المستقبل!

nasser

ناصر قنديل

– في خطاب العماد ميشال عون وفي مطالبات الحراك الذي يشغل الساحات ما لا يمكن رؤيته واقعياً، مثل دعوة العماد عون إلى اعتماد استطلاع الرأي أساساً في انتخاب مجلس النواب لرئيس الجمهورية، أو دعوة الحراك إلى إسقاط النظام، وهي دعوة لا مضمون ولا تحديد لها ولا تعدو كونها غوغاء، ويكفي أن تسأل ثلاثة من النشطاء القادة وليس من المشاركين العاديين عن كيفية ترجمة هذا الشعار لتحصل على مجموعة أجوبة لا تشبه بعضها ولا تشبه الشعار، وكذلك في خطاب العماد عون ومطالبات الحراك ما يستعصي تطبيقه، مثل دعوة العماد عون إلى انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة ودعوة الحراك إلى استقالة الحكومة ومجلس النواب، والمعلوم أنّ إجراء انتخابات نيابية جديدة بديلاً للمجلس المستقيل يستدعي بقاء الحكومة، كما أنّ تشكيل حكومة بديلة للحكومة المستقيلة يستدعي وجود رئيس للجمهورية، لكن في خطاب عون ومطالب الحراك نقطة تقاطع لم يعد ممكناً تجاهلها، وهي عاجلاً أم آجلاً استحقاق لا مفرّ منه، وهي وضع قانون انتخابات على أساس النسبية والسير بانتخاب مجلس نيابي جديد على أساسه.

– استحقاق قانون النسبية والانتخابات، يمكن تأجيله ولكن لا يمكن التهرّب منه، وأبعد فرصة للتأجيل هي الشهر الذي يلي انتخاب رئيس للجمهورية من قبل المجلس النيابي القائم، وكلّ ما سيحصده الذين يستأخرونه هو تأجيل مواجهة حقيقة آتية، فإنْ كانوا واثقين من أنهم سيخسرون حجم الشراكة التي يمثلونها من خلال المجلس النيابي الحالي، والمقصود هنا تيار المستقبل وحلفاؤه وهذا هو سبب رفضهم لدعوة عون التي تستبق الانتخابات الرئاسية بحملة على شرعية وقانونية المجلس الحالي، ويدعو بنتيجتها إلى انتخابات على أساس النسبية تفرز مجلساً جديداً ينتخب الرئيس العتيد، وينطلق من ثقته بتحقيق غالبية مع حلفائه تمكنه من الفوز بالرئاسة، وهم يشاركونه هذه الثقة، فما هو السيناريو الذي يسلكونه عملياً وإلى أين سيؤدّي بهم؟

– وجود حتمية لقانون النسبية ولمجلس على أساسها ويقين بفوز العماد عون وحلفائه بالغالبية على هذا الأساس يعني بالنسبة إلى تيار المستقبل الرهان على ضغط الفراغ لثني العماد عون عن تمسكه بالترشيح ومن ورائها قيامه وحلفائه بتعطيل النصاب للوصول إلى رئيس توافقي، وهو أمر غير مؤكد الحصول وفقاً لما يجري حتى الآن، أو القبول بتسوية تقضي بالسير بالعماد عون رئيساً من هذا المجلس القائم، والذهاب إلى حكومة تعيش شهوراً ينتج معها قانون انتخابات لن يستطيع التهرّب من استحقاق النسبية، وبعدها مجلس جديد وحكومة جديدة، إنْ كانت حصيلة الرئاسة توافقاً يكسر العماد عون سيكون للغالبية التي يحوزها العماد عون وحلفاؤه الدور في تسمية رئيس الحكومة الجديد والحكومة الجديدة، وسيكون فعلياً ما تسبّب به تيار المستقبل هو إقصاء نفسه عن رئاسة الحكومة وعن الحكومة في دولة يحكمها دستور تشكل فيه الحكومة السلطة التنفيذية وليس رئاسة الجمهورية، وإنْ كان الخيار الرئاسي توافقياً على اسم العماد عون سيكون ضمناً من خلال صفقة تضمن لتيار المستقبل رئاسة الحكومة وحصة وازنة في الحكومة الجديدة.

– إذا كان تيار المستقبل لا يخشى نظاماً انتخابياً يقوم على النسبية، وواثق من أنّ الأوزان الراهنة لن يلحقها تغيير جذري في دور الكتل في انتخاب الرئيس الجديد وتسمية رئيس الحكومة الجديد وتشكيل توازنات الحكومة الجديدة، فالأفضل له السير بالأمر فوراً، ووضع الحراك والعماد عون أمام التحدّي لسؤال ماذا بعد، ويستحصل سلفاً من العماد عون على التعهّد بوقف استخدام سلاح تعطيل النصاب بعد انتخاب مجلس جديد على أساس النسبية، وهو أمر لن يستغرق أكثر من نهاية العام إذا أخلصت النوايا، وهي أقلّ من المدة التي يتوقع المتفائلون أن يستغرقها الفراغ الرئاسي وفقاً للاستعصاء القائم، وبعد انتخابات وفقاً للنسبية ينتج منها مجلس لا يسمح لفريقي الاستعصاء الرئاسي بنيل الغالبية ولا يتمكن أي منهما من تعطيل النصاب سيكون الرئيس التوافق ملزماً للعماد عون، وسيكون لتيار المستقبل فرصته بتوافق أقلّ قسوة، لأنّ تسمية رئيس الحكومة ونيل الحكومة للثقة لا يحتاجان لأكثر من الغالبية البسيطة بينما النصاب للجلسة الرئاسية لا يمكن تحقيقه من دون الحاجة لتوافق الثلثين من النواب، والتوافق هنا سيجلب رئيساً غير العماد عون لكنه سيضمن لتيار المستقبل كما هي الحال مع المجلس الحالي تسمية رئيس الحكومة والتحكم بأغلب حقائبها ونيل غالبيتها حكماً.

– إذا كان تيار المستقبل واثقاً من فوز العماد عون وحلفائه بالغالبية وفقاً لنظام النسبية، وسار بإقرار القانون الآن وإجراء الانتخابات الرئاسية من المجلس الجديد، من ضمن معادلة إيجابية، سيكون فوز العماد عون بالرئاسة مدخلاً لنيل الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة ولو لم ينل مع حلفائه الغالبية، وسيكون توازن الرئاستين مطلب حلفاء العماد عون وبضمانتهم، وستكون الحكومة الجديدة متوازنة أيضاً بقوة الحرص على الوحدة الوطنية، التي لا يمكن الشكّ في حرص حلفاء العماد عون عليها ولا الشك بالتزام عون بها على الأقلّ بعد وصوله للرئاسة.

– بمستطاع تيار المستقبل أن يحمل في وجه العماد عون خطاباً مضمونه الدعوة المتواصلة للتوافق وانتخاب الرئيس من المجلس الحالي، حتى لو فقد هذا المجلس بعضاً من قوته التمثيلية بسبب تمديد ولايته لمرتين، والحجة القانونية قوية لمن يقول، كيف يكون المجلس شرعياً لإقرار قانون انتخابات ولا يكون شرعياً لانتخاب رئيس؟ وفي هذه الحالة على تيار المستقبل أن ينتظر طويلاً ما سيجري إقليمياً ودولياً، حتى يتحقق رهانه بضغط الخارج على القوى المحلية لإنهاء الاستعصاء الرئاسي، وذلك قد يكون وفقاً لرهان المستقبل بانتقال العماد عون من مرشح رئاسي تتعطل الانتخابات بسبب عدم انتخابه إلى ناخب رئيسي يملك حق التسمية أو حق الفيتو، لكنه قد يكون عكس هذا الرهان ووفقاً لرهان العماد عون بتثبيت العماد عون رئيساً، والضغط على تيار المستقبل لتسهيل ذلك وفقاً لمقولة عون، كيف يمكن أن ينتصر حلفنا دولياً وإقليمياً ونُهزم محلياً، وكيف سيكون لحزب الله فائض قوة هائل من دوره في الحرب على الإرهاب وانتصاراته فيها، ولا يكون له حق صرف هذا الفائض للمجيء برئيس يحمي ظهره في هذه الحرب. وفي هذه الحالة قد تتضمّن المعادلة تثبيت رئاسة الحكومة لرئيس تيار المستقبل لكن ضمن معادلة تشبه حكومات الرئيس رفيق الحريري في عهد الرئيس إميل لحود.

– لو كنت مكان صنّاع السياسة في تيار المستقبل لأقمت كلّ هذه الحسابات وبادرت إلى أحد اثنين، التفاهم مع العماد عون على مجيئه رئيساً مقابل مجيء الرئيس سعد الحريري رئيساً لحكومة توافقية وبقاء هذه المعادلة طيلة العهد الجديد مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية التي ستجرى وفقاً لنظام النسبية، أو بادرت للسير في الإصرار على إقرار سريع لقانون انتخابات وفقاً للنسبية، والتحضير للانتخابات على أساسه، وإنْ كنت واثقاً من الفوز سلكت طريق التحدّي وإنْ كنت واثقاً من الخسارة سلكت طريق التوافق. وفي كلّ حال سيكون لهذا السير مفعول كبير في تلبية المطلب الرئيسي الذي تلتقي عليه القوى الواقفة وراء الحراك، سواء ذات النوايا الحسنة التي تؤمن بالنسبية وتعتبرها مفتاحاً للحلّ والإصلاح، أو القوى ذات النوايا السيئة التي ترفع شعار النسبية شكلاً وبهدف الإحراج. وسيكون البلد عندها مدعواً إلى ورشة انتخابية على ناشطي الحراك خوض غمارها في الصناديق وليس في الساحات لإنتاج مشروعيتهم قبل أن يصيبهم بعد الانتخابات الرذاذ الذي يصوّبونه على المجلس النيابي الحالي. ويكفي تخيّل إعلان التوافق على قانون للنسبية من طاولة الحوار والمفعول السحري الذي سيحدثه في البلد، سواء أقرّ القانون وأجريت الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى