مقالات مختارة

كلمة أبو مازن: عميره هاس

 

هذا الاسبوع أمسكت الصحافة الإسرائيلية محمود عباس بكلمة. ففي مؤتمر صحافي، ولدى تناوله الاحداث في الاقصى، قال عباس: «لن نسمح لهم بتدنيس اماكننا المقدسة باقدامهم النجسة». ويعتقد تفسير بيت شماي انه قصد اقدام اليهود وهكذا يكون كشف ظاهرا عن وجهه الحقيقي. اما التفسيرات الاخرى، التي من المشكوك أن تكون التقطت فكانت للنائب احمد الطيبي: فقد شرح بان عباس اغضبه اقتحام الشرطة الإسرائيليين المسلحين للمسجد وهم ينتعلون الاحذية ـ وهو تدنيس للقدسية واستخفاف بالمسلمين.

بعد يومين ـ ثلاثة ايام من ذلك امسكت الشبكات الاجتماعية الفلسطينية الشرطة الفلسطينية وجهاز الأمن الوطني التابعة لعباس متلبسة بفعلتها: فظهر يوم الجمعة منع رجالها المتظاهرين الذين شقوا طريقهم نحو موقع عسكري إسرائيلي في بيت لحم للاحتجاج على السياسة الإسرائيلية في الاقصى. كاميرا (خفية) التقطت ايضا بعضا من رجال الأمن ممن بالغوا في ضربهم لاثنين على الاقل من المتظاهرين. وبعد ذلك تبين بان احد المضروبين، محمد حمامرة ابن الـ 17، هو ابن ضابط في الشرطة الفلسطينية يعمل في وزارة الداخلية في رام الله.

ولم يكن امام الصحف اليومية الفلسطينية الثلاثة ـ «الايام»، «القدس» و»الحياة الجديدة» ـ مفر من التطرق للحادثة، بشكل غير مباشر: فقد بلغت أمس عن تشكيل لجنة تحقيق، بأمر من رئيس الوزراء ووزير الداخلية رامي الحمدالله. كما أن جهاز الأمن الوطني شكل لجنة تحقيق هو الاخر، تمكن اعضاؤها حتى الان من زيارة حمامرة الجريح. وصرح الناطق بلسان أجهزة الامن، عدنان الضميري بان هذا سلوك مرفوض لافراد يتعارض والقانون الفلسطيني. وهذا بالمناسبة هو الرد المعتاد كلما ووجه الناطقون الفلسطينيون بالتقارير عن تنكيل رجال الأمن بالمواطنين.

صحف السبت الثلاث، المليئة بصور المواجهات بين قوات الأمن الإسرائيلية والشبان الفلسطينيين، لم تنشر صور اكثر من دزينة من الشرطة الفلسطينيين ينكلون بالعصي وبالركلات بشابين في الشارع المؤدي إلى سور الفصل. واشارت صحيفتان إلى ان المتظاهرين في بيت لحم رشقوا بالحجارة والزجاجات الفارغة رجال الأمن الفلسطينيين.

حتى دون أن يعتدي «افراد» من بين رجال الشرطة والامن الوطني على المتظاهرين فانهم ارسلوا ليفصلوا بين حجارة المتظاهرين وبين سور الفصل في جنوب بيت لحم وبرج الرقابة والنار للجيش الإسرائيلي. وهذه ليست المرة الاولى التي تمنع فيها الشرطة الفلسطينية المتظاهرين، وحتى الموقف الجماهيري من السلطة كمقاول فرعي للاحتلال او خائنة ليس جديدا.

الناطق الضميري، مثلما في ظروف مشابهة في الماضي، شرح لوسائل الإعلام بان التعليمات لضباط الأمن الفلسطينيين هو منع الشباب من المنطقة أ من الاقتراب من مواقع الجيش الإسرائيلية في نقاط التماس من أجل حمايتهم، خوفا على حياتهم إذا ما وعندما يطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم. وعندما يتحدث الضميري عن «التعليمات» فانه يقصد بالطبع اوامر عباس.

وتتناقض التعليمات مع اقوال عباس في ذاك المؤتمر الصحافي، في أن كل شهيد يصل إلى الجنة وكل جريح يتلقى ثوابا من الله. ويفيد التناقض بان عباس احتجاج إلى التصريحات الحادة بالذات كي يشوش على عجزه وسعيه إلى التهدئة. ولهذا الغرض فقد ارسل إلى القدس يوم الجمعة رئيس الوزراء الحمدالله ومسؤولي جهاز المخابرات والامن الوقائي، ولكن الجنود لم يسمحوا لهم بعبور حاجز حزما والدخول إلى القدس.

وبالنظر إلى التحذيرات الإسرائيلية عن تخفيف حدة تعليمات فتح النار فثمة منطق كبير في جواب الضميري. فقد بلغ الهلال الاحمر الفلسطيني عن نحو 170 مصابا في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي في يوم الجمعة؛ وما كان للقتلى ان يهدئوا الوضع بل العكس. ومع ذلك يبدو أن اقواله تستقبل باستخفاف. فصعب على كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية اقناع الجمهور بانه تهمهم بالفعل حياة المواطن البسيط.

وتنبع التعليمات من رغبة عباس المصممة ـ اليوم، مثلما في كل فترة سابقة من التوتر الاستثنائي ـ منع الاشتعال والتصعيد وعمليا تأخير تحطيم الوضع الراهن. هذه الرغبة هي الاخرى لا تفسر ايجابا، وتعتبر وكأنها تحركها اعتبارات مصلحة لجهات ذات امتيازات نمتها السلطة.

يخاف عباس ان يشوش التصعيد على خطواته الدبلوماسية. ففي 30 ايلول يفترض به أن «يلقي قنبلة» (في السنوات الاخيرة كان هذا وعدا المعتاد قبل الخطاب في الأمم المتحدة). وتتراوح التقارير الاولية بين الاعلان عن نهاية اتفاقات اوسلو وبين الاعلان عن ان دولة فلسطين توجد تحت الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فان إسرائيل هي المسؤولة عنها. وهو يأمل ان تتخذ اوروبا (اما عن الولايات المتحدة فقد سبق أن تنازل) تجاه إسرائيل خطوات حازمة تبرر دبلوماسيته ووجود السلطة.

ولكن قبل قنبلته، تتكتك قنابل اخرى ـ اضافة إلى قنبلة القدس. محمد علان وان كان اوقف الاضراب عن الطعام الذي بدأه مرة اخرى، احتجاجا على استئناف اعتقاله الاداري، إلا ان سبعة معتقلين اداريين آخرين مضربون عن الطعام منذ ثلاثين يوما مطالبين بتحريرهم أو تقديمهم إلى المحاكمة. ومع قرب عيد الاضحى، يشكو الناس بقدر أكبر من الوضع الاقتصادي الصعب. ثمة تقارير عن تصاعد الجريمة في الضفة والقطاع. وفي غزة يتحدثون بهمس عن تصاعد دراماتيكي في عدد محاولات الانتحار.

منع المتظاهرين هو أمر سهل؛ كما يمكن اقناع المضربين عن الطعام بوقف اضرابهم. أما القنابل المتكتكة الاخرى ـ المرتبطة مباشرة بسياسة إسرائيل، فبوسع عباس ان يؤخرها، ولكن ليس ان يعطلها.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى