بوتين والأسد : مفاتيح لمرحلة جديدة
غالب قنديل
انشغل العالم والغرب خصوصا بدراسة وتحليل الرسائل والمؤشرات في خطاب الرئيس فلاديمير بوتين في عاصمة طاجكستان دوشانبي خلال مؤتمر قمة معاهدة الأمن الجماعي الذي يضم إلى روسيا كلا منبيلاروسيا وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان وقيرغيزيستان وأرمينيا ووجد مخططو السياسات انفسهم امام مهمة عاجلة لا تقل اهمية ودقة بعد أيام قليلة مع نشر حديث الرئيس بشار الأسد إلى وسائل الإعلام الروسية التي زاره وفد منها في دمشق ودار كلام كثير عن تزامن تلك الزيارة مع خطاب بوتين في دوشانبي والأشد اهمية في الأمر هو التناغم الظاهر بين الزعيمين إلى درجة تجعل من خطاب الرئيس الروسي وحديث الرئيس السوري نصين متكاملين في وثيقة واحدة موضوعها الإعلان عن مرحلة جديدة في ملحمة الصمود السوري بدعم روسي صريح لأجندة كرسها الأسد ومن خلال الإعلام الروسي ولخصتها وكالات الأنباء العالمية بعبارة : يمكننا أن نصل إلى إجماع (في الحوار السياسي الداخلي ) ولكن لن يمكننا القيام بشيء ما لم نهزم الإرهاب في سورية او كما لخصتها بعض وسائل الإعلام الغربية : لاحل سياسيا في سورية قبل القضاء على الإرهاب.
الرئيس فلاديمير بوتين دعا المشاركين في قمة دوشنبي إلى ” الانضمام لجهود موسكو في دعم الحكومة الشرعية السورية لمواجهة الإرهاب”. وقال بوتين : إن الوضع مقلق للغاية بسبب سيطرة «داعش» على اجزاء واسعة من سورية والعراق و «تمدد نفوذه إلى مناطق أخرى». وتابع أن خطر «داعش وصل إلى أفغانستان حيث يُهدد الفراغ الحاصل بعد مغادرة الجزء الأعظم من القوات الدولية بتمدد نشاط الإرهابيين وعودة كثيرين منهم إلى روسيا وبلدان رابطة الدول المستقلة وأضاف : إن حشد الجهود لمواجهة الإرهاب بالتعاون مع الحكومة السورية يُعد أساس التسوية السياسية وحل أزمة اللاجئين وكرر بوتين القول : إن الرئيس بشار الأسد مستعد للتعاون مع معارضة سليمة يتقاسم معها إدارة السلطة.
وهذا الأمر هو ما اكده الرئيس الأسد في حديثه بكل صراحة وأشار إلى خطوات مبكرة اتخذها في مجال التعاون مع المعارضة السلمية التي تشترك مع الدولة الوطنية في اولوية مواجهة الإرهاب وقال أيضا إن الدولة الوطنية السورية فتحت أبوابها للحوار حتى مع مجموعات كانت تشارك في القتال ضدها وهي اليوم انتقلت إلى خندق الجيش العربي السوري في التصدي للعصابات الإرهابية التي تمثل التهديد الرئيسي للسوريين .
تطابق الأسد وبوتين وتناغمهما في التعابير والمضمون حول قضية النزوح الناتج عن تعاظم خطر الإرهاب وفي تاكيد ان الخطر الإرهابي مجسد بداعش وسواها من الجماعات التكفيرية والإرهابية كجبهة النصرة و التشكيلات المتطرفة بمسمياتها المتعددة التي تقاتل ضد الجيش العربي السوري وتعتدي على امن المواطنين السوريين وتهدد حياتهم وأرزاقهم وتجبرهم على النزوح من مناطق سيطرتها وهذه نقطة جوهرية في رؤية بوتين وتشخيصه للإرهاب في المنطقة والعالم والذي حذر من خطر ارتداده إلى روسيا والدول المشاركة في معاهدة الأمن الجماعي وهو مركز النظرة الروسية إلى ما يجري في سورية على انه يمس الأمن القومي لروسيا وأمن دول الجوار الشريكة التي التقت في طاجيكستان وقد اعتبر خطاب بوتين بمثابة نفير لتعبئة وحشد طاقات روسيا وجوارها في دعم الدولة السورية بقيادة الرئيس الأسد الذي يخوض معركة الدفاع عن بلاده وعن أمن العالم ومستقبله.
حذر الرئيس الأسد منذ بداية العدوان على سورية من خطر ارتداد الإرهاب وشرح في حواره مع وسائل الإعلام الروسية تاريخ الشبكات الإرهابية التي انطلقت من أفغانستان بقرار اميركي سعودي في ثمانينات القرن الماضي وأشار بصورة علمية إلى ان العالم يواجه اليوم الجيل الثالث من التشكيلات الإرهابية التي رعاها الغرب الاستعماري ودعمها وبات يخشى خروجها عن السيطرة .
الرئيس بوتين يؤكد على اقتناعه بفشل الحملة التي قادها نظيره الأميركي قبل سنة تحت عنوان محاربة داعش وقد استخدم والرئيس الأسد تعابير متماثلة في حينه ويجد بوتين اليوم ان التجربة برهنت على صحة الموقف الروسي الذي أعلن من الأيام الأولى لحملة اوباما حول ضرورة انطلاق التحالف الدولي والإقليمي لمحاربة الإرهاب من الأمم المتحدة وليس بقرار اميركي منفرد وحتمية مشاركة الدولة الوطنية السورية التي يحارب جيشها بجدارة ضد الإرهاب كما الجيش العراقي وكذلك مشاركة إيران التي نوه الرئيس الأسد بأهمية دعمها للدولة السورية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وقد بذلت موسكو جهودا مهمة لإقناع دول المنطقة والعالم بهذا التصور.
طبعا المفارقة بين المواقف واضحة فالولايات المتحدة تريد احتواء داعش وردها إلى السيطرة بينما الرئيسان الروسي والسوري ملتزمان بالقضاء على الإرهاب لتخليص المنطقة والعالم من وحش رعته واشنطن وراهنت على ضبطه وترويضه لإعادة استعماله وبين اهدافها استنزاف منافسيها في العالم وفي المقدمة روسيا والصين وإيران وفي هذا المجال لم يفت الرئيس بشار الأسد المميز بمنهجيته العلمية ان يقرن العمل العسكري ضد الإرهاب ببرنامج العمل الوقائي المتضمن محاور اقتصادية واجتماعية وثقافية تحول دون توافر بيئة مناسبة لانتشار دعوات التكفير والإرهاب كما حدد محور التناقض مع الغرب الاستعماري بقضية الاستقلال الوطني .
أما في مستقبل العملية السياسية في سورية التي ترتبط بالقضاء على الإرهاب وتقود إلى انتخابات يحسم فيها الشعب خياراته عبر صناديق الاقتراع فالرئيس الأسد أكد ان موسكو 3 هو الطريق الأسلم لمواصلة هذه العملية برعاية الشريك الروسي النزيه والحريص وانطلاقا من مبدأ اتحاد الجهود السورية في محاربة الإرهاب كبداية لا بد منها للتقدم في بناء التفاهمات السياسية التي تظهر القيادة السورية انفتاحها على مناقشتها والسير بها منذ سنوات.
من مزايا التوقيت في هذا التناغم بين الأسد وبوتين ان تحولات كثيرة تجري في العالم وفي الغرب خصوصا تحت تأثير التحول الإيراني بحيث خرجت بصورة متلاحقة من المانيا وبريطانيا وأسبانيا وغيرها العديد من دول الناتو مواقف جديدة تؤكد على دور الرئيس بشار الأسد وحتمية التعاون معه في مجابهة الإرهاب والمسؤولون الذين أصدروا مثل تلك المواقف ادلوا بها في طهران او مع حزم حقائبهم إليها وثمة الكثير سيظهر على ساحة المنطقة فما أدلى به الرئيسان ليس سوى إشارة انطلاق لمرحلة جديدة .