مؤتمر «العدالة والتنمية».. الفرصة الضائعة محمد نورالدين
انعقد المؤتمر العام الخامس لحزب العدالة والتنمية وجدد انتخاب أحمد داود أوغلو رئيساً له وبالتالي لرئاسة الحكومة. وقد أتى المؤتمر في مرحلة حساسة من تاريخ الحزب وتاريخ تركيا. حزبياً نجح حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002 في أن يكسب جميع الانتخابات التي تلت من بلدية ونيابية ورئاسية. وسجل ثاني رقم قياسي في السلطة لحزب بصورة متوالية وهي 13 عاماً بعدما استمر حكم حزب الشعب الجمهوري العلماني من العام 1923 إلى العام 1950.
ولقد أنهى وصول العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002 عشر سنوات ونيف من عدم استقرار سياسي نتيجة عدم قدرة أي حزب على الحكم منفرداً، كما سجل تنمية اقتصادية جيدة للغاية.
غير أن المنحى الذي اتخذه مسار الحزب في السنوات الخمس الأخيرة شكل بداية لتراجع كبير في نفوذ الحزب وفي أرقام التنمية الاقتصادية وفي الاستقرار السياسي.
فقد أخفق الحزب في انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي في الاحتفاظ منفرداً بالسلطة للمرة الأولى منذ العام 2002. بل تراجعت نسبة التأييد له تسعة في المئة من خمسين في المئة عام 2011 إلى 41 في المئة في العام الحالي.
ومع ذلك فإن الحزب لم يقم بمراجعة ذاتية ونقد موضوعي لأسباب تراجعه. إذ رفض رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان النتائج النيابية رغم أن لا علاقة له بالأمر ولا صفة حزبية له كونه رئيساً مستقلاً وفق الدستور. غير أن أردوغان استمر بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية في العام الماضي واستقالته من رئاسة الحزب يتصرف كما لو أنه لا يزال هو الرئيس الفعلي وشكل حكومة ظل في قصره الرئاسي. أما رئيس الحزب الجديد والحكومة أحمد داود أوغلو فقد ظل وفياً لولي النعمة والتزم بالتعليمات التي كان يمليها عليه أردوغان وبما يخالف الدستور تماماً.
بعد فشل الحزب في الانتخابات الماضية دفنت أحلام أردوغان في تعديل الدستور وجعل النظام السياسي رئاسياً بحيث يصبح الحاكم الفعلي والدستوري المطلق. لكنه اندفع إلى إفشال تشكيل الحكومة الجديدة وإقحام البلاد في انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
مؤتمر حزب العدالة والتنمية الخامس الذي انعقد نهاية الأسبوع المنصرم كان يفترض أن يشكل محطة لمحاسبة النفس ووضع اليد على الأخطاء وردم السلبيات في أداء الحزب والحكومة.
غير أن مجريات الأمور في المؤتمر أكدت على مرشح واحد وقائمة واحدة للجنة التنفيذية خارج أي منافسة ديموقراطية.
وإذا تجاوزنا ذلك فإن الأكثر سخرية أن القائمة التي وضعها رئيس الحزب داود أوغلو للجنة التنفيذية قد اعترض عليها أردوغان وأعاد اللائحة وفقاً لما اختاره هو بحذف معظم الأسماء المقربة من داود أوغلو ووضع أسماء موالية بالكامل لأردوغان.
ومن أبرز علامات استمرار النهج السابق في التخلص من الخصوم الداخليين هو إبعاد من تبقى من موالين لرئيس الجمهورية السابق عبدالله غول وأحد أهم المؤسسين لحزب العدالة والتنمية.
كما إن رموز الاقتصاد التركي السابقين مثل علي باباجان قد استبعدوا عن الواجهة. بدا واضحاً من تعابير داود أوغلو أنه غير مرتاح لما جرى. إذ ينظر إلى نفسه وحيداً ومكسر الجوانح من مؤيدين فاعلين له في اللجنة التنفيذية. ومع أنه يتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك عندما ارتضى ان يكون دمية بيد أردوغان تجاوزت حتى نموذج العلاقة بين الرئيس الراحل طورغوت اوزال مع يلديريم آقبولوت الذي عينه اوزال خليفة له في رئاسة حزب الوطن الأم عام 1989 ورئاسة الحكومة، غير أن داود أوغلو لم يقاوم بجدية أي خطوة من أردوغان تجاه الحزب فيما كان آقبولوت يسجل أكثر من اعتراض على أوزال.
إذا لم تطرأ مستجدات أو يلجأ الحزب الحاكم إلى التلاعب فإن حزب العدالة والتنمية بهذا الطاقم الجديد له لن يستطيع الفوز في الانتخابات المقبلة وسيكون الرأس- الضحية داود أوغلو نفسه. وفي المحصلة فإن حزب العدالة والتنمية ضيع فرصة لتجديد نفسه على أساس الكفاءة والموضوعية وضخ دم جديد خارج أية تصفية حسابات داخلية وتقدمت الاعتبارات الشخصية لأردوغان على ما عداها من مصلحة وطنية وحتى حزبية في مرحلة من الاشتباك الأمني والعسكري الداخلي.
(الخليج)