شَذَرات من حديثٍ في السياسة ! ثريا عاصي
النفايات في شوارع المدينة شاهد على فساد وعفن السلطة في لبنان . إذن لم يتغير شيء. «لا يُبدّل الله ما بقومٍ حتى يُبدّلوا ما بأنفسهم». تبخّر برنامج الإصلاح الذي طرحته الحركة الوطنية أثناء حرب 1975ـ 1976. مهّدت المنازعة الطائفية 1976 ـ 1982 للغزو الإسرائيلي في 4 حزيران 1982. دخل المستعمرون إلإسرائيليّون إلى بيروت، التي كانت الفصائل الفلسطينة قد خرجت منها نحو المنفى. انتخبوا بموافقة آل سعود رئيساً للجمهورية في 23 آب 1982، أي بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على بدء الاحتلال، ثمّ أشرفوا في 16 أيلول 1982، أي قبل أن يمضي شهر واحد على انتخاب الرئيس، على مجزرة في مخيّمي صبرا وشاتيلا. انسحب الإسرائيليّون في إثر هذه الفاجعة من بيروت، مُفسحين المجال للمباحثات بينهم وبين الحكومة اللبنانية، التي أسفرت عن اتفاقية 17 أيار 1983، سيراً على نسق السابق واللاحق من اتفاقيات التطبيع بين حكام عرب وبين المستعمرين الإسرائيليين. تراجعت الحكومة اللبنانية عن الاتفاقية المذكورة، ولكنّ الأخذ والردّ بين زعماء الطوائف استمرّ إلى أن نضجت في أيلول 1989 تحت رعاية آل سعود، اتفاقية الطائف، وهي في جوهرها اعتراف بدور أمراء الطوائف في الحكم، بالإضافة إلى إقرار نوع من المُحاصصة في العائدات التي تدرّها السلطة، كمثل أيّة سلطة متخلّفة! بمعنى آخر كانت اتفاقية الطائف بمثابة وثيقة وفاة للدولة اللبنانية.
يحسن التذكير هنا بأنّ السيرورة التي انطلقت يوم خرجت شرارة الحرب الأهلية في 1975 لم تنته فعلياً في الطائف سنة 1989، لأنّ المستعمرين الإسرائيليّين كانوا لا يزالون يحتلّون الأرض في جنوب البلاد. كما يجب أن نأخذ بالحسبان أنّ كلفتها منذ بداياتها وإلى تاريخ اليوم كانت باهظة إلى أبعد الحدود، قتلى ودمار وتهجير. هجرة، وحرمان، وإفقار. في المقابل ظهرت في اوساط الوزراء والنواب والموظفين، من أدنى إلى أعلى درجة في سلّم التصنيف الإداري، مظاهر الثراء، وأحياناً مظاهر الثّراء الفاحش . طائرات خاصة، قصور في لبنان ودور فخمة في باريس ولندن. صار في لبنان إمارات، على رأس كل إمارة أمير يقود جيشاً، يُدير تجارة، يربّي الأجيال في مدارسه بحسب مناهجه ويعلمهم في جامعاته. الإمارات اللبنانية!
خلاصة القول وقصاراه إنّ المسألة الجوهرية في لبنان ليست مسألة نفايات، فمن المرجّح أنّ النفايات استُخدمت كوسيلة للتعمية والبلبلة. إنّ ما يعاني منه لبنان هو أزمة الشرعية، بمعنى أنّ الذين يمارسون الحكم هم فاقدو الشرعية. الانتخابات في لبنان هي خدعة، فالترشيح ليس حرّاً والاقتراع ليس حرّاً، فضلاً عن أنّ الانتخابات ليست سياسية، بمعنى أنه لا توجد برامج سياسية. جميع الحكومات في لبنان تُطبّق نفس السياسة، لا تختلف حكومة عن غيرها إلا لجهة العرّاب الأجنبي الذي يتبنّاها.
لا غلوّ في القول، إنّ اللبنانيين ليسوا بحاجة إلى حكومة، أو بتعبيرٍ أدق، هم بأمسِّ الحاجة إلى حكومة، ولكنهم مُجبرون على العيش دون حكومة. بل إنّ الحكام كمثل الطفيليات، يحتاجون إلى اللبنانيين . من الدلالات على ذلك أنّ منصب رئيس الجمهورية شاغر منذ عدة أشهر، مجلس النواب انتهت مدّة تفويضه، فمدّد لنفسه، مجلس الوزراء لا يجتمع إلا في المناسبات، وكلّ وزير يغنّي على ليلاه، وبعضهم يتنقّل على طائرته الخاصة، من بلدٍ إلى آخر، وآخرون يتصرّفون بأموال الدولة كما يتصرّفون بأموالهم الخاصة، خارج أصول المحاسبة. رئيس الجمهورية السابق سجّل رقماً قياسياً في عدد الزيارات إلى البلاد الأجنبية. هذا موضوع يطول الكلام فيه.
أنا لا أتّفق مع القائلين بأنّ الحل هو في قانون انتخابي على أساس النسبية، وفي اعتبار لبنان دائرة واحدة، إذ من المحتمل أن يسمح مثل هذا القانون للمافيات السياسية، بأن تلتفّ عليه بواسطة تشكيل لائحة مرشحين واحدة، لكلّ لبنان، تحت « عنوان الإئتلاف الوطني أو التفاهم الوطني « والمشاركة الطائفية النزيهة والعادلة.
إنّ الركيزة السليمة للدولة هي التمثيل الحقيقي للمواطنين . هذا يفترض :
– أولاً، أنّ كل لبناني هو مواطن في كل لبنان، أي يحقّ له الانتخاب في أيّة دائرة من الدوائر الانتخابية، التي يوجد فيها سكنه أو مكان عمله.
– يستتبع ذلك ثانياً، أنّ لكل لبناني الحق في أن يُعلِن ترشيحه في أيّة دائرة يختارها.
– ثالثاً، اعتماد تقسيم لبنان إلى دوائر صغيرة، قياساً بعدد السكان المحدَّد قانونياً، والذين يحقّ لهم أن يتمثّلوا بنائب واحد.
(الديار)