عد الترحيل هجرة أم تهجير ؟ ثريا عاصي
فجأة خرجت أبواق المستعمرين الغربيّين عن صمتها، لتنقل وصفاً عن حالة «أصدقاء الشعب السوري» في الغرب وقد تملّكهم الحزن إثْرَ العثور على جثة طفل سوري (إيلان) لفظتها أمواج البحر على شاطئٍ تركي . يُجمع خبراء الإعلام اليوم على أنّ صورة هذه الجثة التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، لم تؤخَذ في الوضع الطبيعي الذي وُجدت فيه، وإنما أُخذت بعد إخراج فني، مشهدي، بقصد استخدامها في حملة دعائية!
ترافق ذلك مع تصاعد ضوضاء في أوساط القادة السياسيّين، تلازم مع قرعٍ على طبول الحرب . «الروس في سوريا»، «السوريون يفرون من الجحيم»! الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية تعلن النفير!. قال أحد المثقفين في فرنسا عندما سُئل عن هذا الهياج العاطفي والعسكري في آن، الذي انتاب المسؤولين ومستشاريهم في بلاده، إنّ على هؤلاء أن يسكتوا، أن يحتجبوا، فهم ضالعون في الجريمة التي وقعت في ليبيا واليوم في سوريا.
يندر أن تجد في وسائل الإعلام الغربية، وفي تصريحات المسؤولين الحكوميين والناشطين في حقل اللوبي، تأييداً وتحريضاً على « صراع الحضارات «، يندر أن تجد إشارة إلى رابطٍ ما بين تدخّل الدول الاستعمارية في شؤون سوريا، وعلاقة هذه الدول بالحركات الإسلامية المسلحة من جهة، وبين القتل والدمار والتهجير في سوريا من جهة ثانية. يُخيّل إلى من يتابع أخبار النازحين والمهاجرين السوريين أنّ الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين والأتراك وآل سعود لم يرسلوا إلى سوريا السلاح والخبراء والمرتزقة والأموال، وأنّ طيرانهم الحربي لا يجوب سماء البلاد طولاً وعرضاً بحجّة محاربة « الإرهاب « !
من المعروف أنّ المخيمات أُعدّت مسبقاً في تركيا وفي الأردن بانتظار وصول النازحين من سوريا. من الثابت أيضاً أنّ وسائل وأساليب مختلفة استُخدمت، ترهيباً وترغيباً، حضاً على الرحيل . لا يخفى أنّ الأمم المتحدة ترصد شهرياً مِنَحاً مالية، وتقدّم سلالاً غذائية مشجعة، بالإضافة إلى أنّ بعض هذه المخيّمات هي مغلقة في لبنان، على سبيل المثال، لا تعلم السلطات الرسمية ماذا يجري في داخلها . بكلام أكثر وضوحاً وصراحة، تخضع هذه المخيّمات ومن فيها لسلطة المعارضات السورية باسم «حكومة سورية في المنفى». أغلب الظن أنّ الاعتراض على سياسات المعارضات ممنوع ومحظور فيها، ممّا يحمل على الاعتقاد بانّ هذه المعارضات كانت تفرض، على النازحين، التجنيد الإجباري في كتائبها وجيوشها، وتحيّة أعلامها وراياتها، وتعليم أولادهم في مدارسها وبحسب مناهج وضعتها هذه المعارضات بمساعدة عرّابيها . يحدث هذا كله في مخيمات اللاجئين السوريين، تحت إشراف الأمم المتحدة، والإمبريالية الأميركية ـ الاوروبية، وآل سعود . تجدر الملاحظة هنا إلى أنّه توجد معسكرات تدريب عسكري حيث توجد مخيمات اللاجئين، أي في لبنان والأردن وتركيا.
مجمل القول أنّ مخيمات اللاجئين السوريين تُعيد إلى الذاكرة مخيّمات الترحيل التي كان المستعمرون الفرنسيون يجبرون سكان القرى الجزائرية على المكوث فيها، وترك منازلهم وأرضهم، في محاولة للحد من الاتصال بينهم وبين جبهة التحرير . كان المستعمرون في مخيمات الترحيل او التجميع يتكلّفون طبعاً، بالإعالة والطبابة والتعليم، كأنّ المُرحّلين رغماً عنهم ذوو إعاقات، أو هكذا أراد المستعمر أن يكونوا.
يُحكى أنّ أربعة ملايين سوري توزّعوا على مخيّمات في تركيا والأردن ولبنان، علماً أنّ الطريق بين بيروت ودمشق مفتوحة وآمنة، وأنّ الكثيرين من سكان البلدين يتنقّلون يومياً بينهما. من البديهي أنّ لدى اللاجئين أسباباً تحول دون عودتهم إلى سوريا، وتضطرّهم إلى العيش في الخيم أو إلى الهجرة والإقامة في بلاد غير سورية كما لو كانوا، عملياً، مرحليّين!
ليس مستغرباً في سياق الحالة المترديّة في البلاد أن يقرّر السوريون الذين يأملون في إيجاد فرصة عمل في بلاد أوروبية أو أميركية، الهجرة إليها . لا سيّما أن سوريا كمثل لبنان، بلاد هجرة نظراً إلى أطماع القوى الإقليمية والدولية فيها . السؤال الذي لا مفرّ منه يتعلق بالذين لا حظّ لهم في بلاد الغرب في الحصول على وضع مهني مقبول، لكنّهم يتوهّمون أنّ الحكومات في ألمانيا وفرنسا وغيرهما من البلاد الأوروبية، تفتح أبواب بلادها لهم، رغم أنّ هذه الحكومات جميعها شريكة مع آل سعود في الحرب على سوريا، أي في إغراق السوريّين في الدم أو تحت الركام.
من نافلة القول أنّ الحكومتين الألمانية والفرنسية لن تستقبلا أربعة ملايين سوري، الدليل على ذلك أنّ كل منها أرسلت إلى تركيا، نعم، إلى تركيا تحديداً، بعثة توكّلت دراسة ملف طالب اللجوء السوري قبل منحه أو حرمانه الموافقة على دخول ألمانيا أو فرنسا. خلاصة القول انّه توجد مشكلة لاجئين ثانية في الشرق الأوسط . اللاجئون هذه المرة سوريون . لقد انفطر قلبا السيدة المستشارة الألمانية والسيد رئيس الجمهورية الفرنسية حزناً عليهم، فقرّرا التدخّل لحلّ هذه المشكلة الإنسانية، بدءاً باستقبال عددٍ منهم، تمهيداً لتدويل القضية السورية!
بمعنى آخر، تدخل الحرب على سوريا مرحلة جديدة تحت عنوان «التدخل الإنساني» على خلفية قضية اللاجئين، وإلقاء المسؤولية ضمنيّاً على «داعش» وعلى « الحكومة السورية». هنا تختلف الآراء بحسب الظاهر، بين الحرب ضدّ «داعش» أولاً، الحرب ضدّهما معاً، ومنهم من يذهب إلى حدّ الدعوة إلى إسقاط الدولة أولاً، حتى لا تستفيد هذه الأخيرة من إضعاف «داعش».
يتبرّأ هؤلاء المستعمرون، الضالعون في الجريمة، ضدّ السوريّين والعراقيّين والليبيّين واليمنيّين والفلسطينيّين، من أبوّتهم لـ «داعش» و«القاعدة». يدّعون أنهم على استعداد، كالعادة، لقتل اللقطاء الذين أنجبوهم . تقضي خطّتهم بإخراج الذين يدعمون الحكومة السورية في دفاعها عن شعبها وعن أرضها، أي يجب إخراج الرّوس والإيرانيين والمقاومين اللبنانيين الذين ينصرون الجيش العربي السوري والمقاومة الوطنية السورية. إنهم يريدون نزع سلاح سوريا قبل أن يغزوها!.
(الديار)