إمساك تركي بزعامة «أحرار الشام»؟ عبد الله سليمان علي
بغض النظر عن المبررات التي تسوقها «حركة أحرار الشام الإسلامية» لتبرير القرار الصادر عن «مجلس الشورى» القاضي بتعيين قائد جديد لها خلفاً لقائدها السابق أبو جابر الشيخ الذي لم يمر عليه سوى عام واحد، فإن هذا الاستبدال السريع للقيادة يطرح العديد من التساؤلات حول علاقته بمستجدات الساحة السورية، ولا سيما مشروع «المنطقة العازلة» الذي تلوِّح به الحكومة التركية، وعما إذا كان له علاقة بما بدأ يظهر على السطح من بوادر تشير إلى تدهور العلاقة بينها وبين «جبهة النصرة»، حليفها العسكري الأساسي، في الآونة الأخيرة.
وأعلنت «حركة أحرار الشام الإسلامية»، أمس الأول، تعيين قائد جديد لها وذلك بعد انتهاء ولاية قائدها السابق هاشم الشيخ، والملقب «أبو جابر». وجاء في البيان الصادر عن الحركة أنه «بعد انتهاء ولاية الشيخ هاشم الشيخ (أبو جابر) قائد حركة أحرار الشام الإسلامية، واعتذاره عن قبول التمديد، اجتمع مجلس شورى الحركة وتوافق على اختيار الأخ المهندس مهند المصري، الملقب أبو يحيى الحموي، قائدًا عامًّا لحركة أحرار الشام الإسلامية».
وقد حاول بعض المقربين من الحركة تفسير هذا القرار بأنه جاء «تعبيراً عن رغبة الحركة في تقديم نموذج غير مسبوق لتداول السلطة داخل الحركات الجهادية». لكن الغريب أن هؤلاء لم ينتبهوا، أو تعمدوا تجاهل أن مصطلح «تداول السلطة» هو أحد مفردات «الديموقراطية» التي تصر «أحرار الشام» في أدبياتها ومواثيقها (مثل ميثاق «الجبهة الإسلامية») على تكفيرها وتكفير كل من يعمل بها. ومع ذلك لا يمكن التغافل عن أن مثل هذا التبرير قد يكون مقدمة لخطوة جديدة تتخذها الحركة على صعيد المراجعات التي تقوم بها، والتي يمكن أن تجعلها تُعلن عن تغيير موقفها من «الديموقراطية» كما أعلن بعض قادتها سابقاً عن تغيير موقفهم من «السلفية الجهادية»، وذلك في سبيل كسب ودّ الدول الداعمة والممولة، وطالما أن الأمر لا يتعدى مجرد الإعلان (غير الرسمي) الذي يمكن التراجع عنه مع تبدل الظروف.
وجاء تعيين القائد الجديد بالتزامن مع مرور عام كامل على حادثة الاغتيال الغامضة والمريبة التي أودت بحياة العشرات من قادة «أحرار الشام»، وعلى رأسهم أبو عبدالله الحموي، في المقر صفر في رام حمدان بريف إدلب في أيلول الماضي. ولم تعلن الحركة عن نتائج التحقيقات التي أجرتها حول حادثة الاغتيال هذه، كما لم توجه اتهاماً رسمياً إلى أي جهة بارتكابها، مكتفية بالإشارة إلى ضلوع أجهزة استخبارات خارجية فيها. وهذا خلافاً لما كانت تقوم به عندما يكون المتهم هو النظام السوري، أو عدوها اللدود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، الأمر الذي يعزز من الشكوك حول الجهة التي تقف وراء هذا الاغتيال وسبب صمت الحركة عنها.
ونفى مصدر مطلع على كواليس «حركة أحرار الشام»، برغم أنه غير منتم تنظيمياً إليها، لـ «السفير» صحة ما قيل عن اعتذار أبي جابر الشيخ أو عن «تداول السلطة» لتبرير القرار الصادر عن «مجلس الشورى»، مؤكداً أن تعيين قائد جديد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمجمل الظروف التي تمر بها الساحة السورية، ووجوب أن يكون على رأس الحركة شخص قادر على تلبية متطلبات المرحلة الحالية. كما أشار إلى أن الخلافات داخل الحركة، ورغبة «الحمويين» في استعادة قيادة الحركة، لعبت دوراً بارزاً في تعيين القائد الجديد.
وأشار المصدر إلى أن المصري (أبو يحيى الحموي) الذي اختير لقيادة الحركة يتمتع بأربع صفات جعلت منه «رجل المرحلة»: الأولى أنه مقرب من الاستخبارات التركية، وذلك عبر علاقته القوية جداً مع «المسؤول الشرعي العام» السابق في «أحرار الشام» أبو العباس الشامي (محمد ايمن أبو التوت) وأحد مؤسسي الحركة الذي تربطه علاقات قديمة مع الاستخبارات التركية منذ تسعينيات القرن الماضي. ومن نافل القول أن تركيا، في ظل سعيها إلى إقامة «منطقة عازلة» في الشمال السوري بحاجة لأن يكون على رأس القوة الرئيسية التي تعتمد عليها لتحقيقها، زعيم تثق به، بينما كان أبو جابر الشيخ متردداً، وغير قادر على حسم الخلافات التي نشأت داخل الحركة، بسبب الموقف من مشروع «المنطقة العازلة»، ولا سيما بعد فصل «الأمير الشرعي» أبو شعيب المصري الذي عارض المشروع علناً، وبعد تسريب معلومات أن الشرعي العام أبو محمد الصادق، ذا العلاقات الاستخبارية مع السعودية، قد يكون هو المحرض الرئيسي ضد المشروع.
والصفة الثانية، هي أن القائد الجديد وقف موقفاً وسطاً من الجدال الذي ثار داخل الحركة بسبب مراجعاتها الأخيرة. فهو ليس مع المراجعات كما أنه ليس ضدها، لكنه يحاول التوفيق بين التيارين، عبر استحداث صيغة وسطية تجمع بينهما، و «الأحرار» بحاجة إلى ذلك لتوحيد صفوفها ولمنع الانشقاقات عنها بسبب المراجعات وما قد ينتج عنها من تغييرات في المنهج والسلوك.
والثالثة، تتمثل في أن المصري ينتمي إلى منطقة الغاب في حماه، وهذه المنطقة تعتبر مسقط رأس غالبية قادة «أحرار الشام» السابقين والحاليين. وإذا كانت حادثة مقتل القادة قد استلزمت تعيين قائد من خارج حماه، فإن أوساط الحمويين في الحركة رأت أن الوقت حان لاسترجاع هذا المنصب لأنفسهم، قبل أن يتحول الأمر إلى عُرف لا يمكن تغييره.
أما الصفة الرابعة والأخيرة، فهي أن المصري غير ميّال إلى تنظيم «القاعدة»، سواء بنسخته العالمية أو السورية ممثلة في «جبهة النصرة». وتشير المعلومات إلى أن مهند المصري ينظر بريبة إلى الشيخ السعودي عبدالله المحيسني المقرب من الأخيرة ولا يثق به. وفي ظل تصاعد الخلافات بين «أحرار الشام» و»جبهة النصرة» منذ الإعلان عن «المنطقة العازلة» التركية، وانتقاد الأخيرة له بشكل متدرج وصولاً إلى تكفير كل من يساهم فيه، وذلك عبر فرعها في جنوب دمشق، فإن «أحرار الشام» وجدت نفسها مضطرة إلى محاولة الاستعداد لإمكانية تدهور العلاقة بينهما وانفلاتها من الضوابط التي كانت تحكمها سابقاً.
وفي هذا السياق، كان لافتاً أن المتحدث السابق باسم «جبهة النصرة» أبو فراس السوري (رضوان نموس)، الذي تسرّب أنه عُزل من منصبه من دون إعلان منذ حوالي ستة أشهر، قد أصدر بياناً نارياً ضد «أحرار الشام»، اتهمهم فيه بأنهم عملاء الخارج و «رسل المرتدين»، مشيراً إلى تحالفها مع فصائل، مثل «جيش المجاهدين» وحركة «نور الدين الزنكي» اللتين يبدو أنه حسم موضوع كفرهما وعدم جواز التحالف معهما، بالإضافة إلى الكثير من الاتهامات التي لا يتسع المجال لذكرها.
ويأتي هذا البيان الناري بعد سلسلة من الانتقادات والاتهامات التي وجهها قادة أو مشايخ محسوبون على «جبهة النصرة» ضد «أحرار الشام» بسبب «المنطقة العازلة» التركية، وعلى رأس هؤلاء عضو «اللجنة الشرعية» أبو عبدالله الشامي، وأبو قتادة الفلسطيني، أحد أبرز مرجعيات «جبهة النصرة» شرعياً وفقهياً، الأمر الذي يشير إلى أن العلاقة بين الطرفين يمكن أن تتدهور وتصل إلى مستويات غير مسبوقة. وهو ما أشار إليه أبو فراس، في بيانه، حيث قال إنه ينبغي البحث شرعياً حول جواز أو عدم جواز التحالف العسكري مع «أحرار الشام»، سواء بقيت على موقفها أو رجعت عنه. وفي حال لم يصدر بيان توضيحي من «جبهة النصرة» حول بيان السوري، فإن ذلك سيكون مؤشراً قوياً إلى أن الأمور ذاهبة نحو تخلخل العلاقة بين الطرفين.
(السفير)