خرافات إعلامية حول سورية
غالب قنديل
منذ انطلاق العدوان الاستعماري على الجمهورية العربية السورية ظهر العديد من الإعلاميين ووسائل الإعلام في موقع المتلقي والمستهلك لمنتجات الدعاية الغربية ومن المشهد الراهن تظهر مجموعة من التعبيرات التي رماها الإعلام الغربي والصهيوني هجوميا وتلقفها العديد من الزملاء ووسائل الإعلام العربية بسذاجة فجاء اجترارها والسير في ركابها استكمالا وتحقيقا لمقاصد منتجيها .
أولا خرافة النازحين “هربا من النظام ” التي تساقطت امام حقائق انتماء وانتساب غالبية موصوفة من النزوح السوري إلى مناطق تسيطر عليها الجماعات الإرهابية بمختلف تلاوينها وبعد كلام والد الطفل إيلان الصريح عن هروب عائلته من جحيم داعش انكفأت حمى المتاجرة بصورة جثمانه الصغير على رمال تركيا لكن لم نشهد عملا إعلاميا منهجيا لتثبيت الوقائع والحقائق بصورة راسخة تنهي صخب التضليل والضجيج والعويل فالناس هاربون من جحيم العدوان الاستعماري وأداته المتوحشة عصابات التكفير والإرهاب بينما لا يسلط الضوء على ان الدولة السورية تحتضن في مناطق سيطرتها الملايين الذين آثروا النزوح داخل وطنهم وهم غالبية موصوفة من ضحايا العدوان الاستعماري والإرهاب في سورية.
الحقيقة القوية الساطعة تبدت من ثنايا الحملات وصخب التباكي فقد اظهرت محاولات تقصي موارد النزوح السوري أنه نتاج انتشار العصابات الإرهابية التي يدعمها الغرب ويسلحها حتى ان العديد من النازحين السوريين قالوها صراحة امام كاميرات القنوات الأوروبية فربطوا مأساتهم بدعم الغرب للإرهاب في بلادهم وبعضهم قالوا وبكل شجاعة إن ما يقدمه الغرب لهم كنازحين هو حق مكتسب للتعويض عن جريمة الحكومات الأطلسية ضد بلادهم وما ألحق بها من خراب ودمار وقد عرضت إحدى القنوات التلفزيونية صورة لنازح سوري في طابور انتظار طويل في اليونان للحصول على الفيزا وهو يصيح أمام المراسلين : “الدول الغربية خربت بلادنا وجاءتنا بالإرهابيين الذين هجرونا ودمروا بيوتنا ومن حقنا عليها ان تقدم لنا المأوى والمساعدة على العيش بأمان ” ولعل ما نقل عن تقارير ودراسات اوروبية بخصوص النزوح السوري ومصادره يطابق هذه الحقيقة وبه يفسر بعض المحللين استدارات حكومية أوروبية كثيرة نحو دمشق .
ثانيا خرافة التمييز بين السوريين من نتائج هذه الخرافة انحراف البعض نحو نظرة عنصرية إلى الشعب العربي السوري باعتبار نزيف الهجرة واللجوء سبيلا للتخفف من عبء كتلة اجتماعية مزعومة حاضنة للإرهاب من سكان الأرياف وهذا انحراف خطير ولدته عقلية مستعبدة وتابعة للخطاب الغربي الاستعماري الذي يتبنى التعامل منهجيا مع شعوب المنطقة كجماعات وكتل دينية وهي قاعدة لا تصح خصوصا في الوضع السوري وتناقض جذريا نظرة الدولة الوطنية السورية إلى شعبها بحيث تعتبر هذه الدولة أي خسارة كانت وفي جميع انحاء البلاد كلفة ونزيفا لطاقة سورية مهمة وهذا ما يفسر تصميم الرئيس بشار الأسد على رعاية استمرار التزامات وتقديمات الدولة الوطنية السورية لسائر مواطنيها في جميع المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين بما في ذلك انتظام وصول الرواتب والسلع المدعومة وغيرها إلى جميع أنحاء سورية وقد نقل عنه مرارا انه سيمنع بحزم أي معاقبة لأي مواطن بجريرة سكنه في منطقة تهيمن عليها عصابات الإرهاب او جماعات معادية للدولة وسلوك الدولة الوطنية السورية كما حدده الرئيس الأسد يقوم على رفض معاقبة المواطنين والسكان المتبقين في أي منطقة من سورية بذريعة هيمنة العصابات الإرهابية وهذا الرئيس ما زال يرعى بجهد عمليات تفكيك الجماعات المحلية المسلحة بالمصالحات لاسترداد المواطنين السوريين الذين تورطوا في حمل السلاح ولأن الدولة الوطنية مسؤولة عن كل مواطن كما ان تعليمات الرئيس الأسد هي مصدر التوجيه بالعمل على احتضان التمرد الشعبي والمسلح ضد الجماعات الإرهابية حيث امكن ذلك ومن ضمن نظرة وطنية شاملة إلى مهمة تحرير سورية من الإرهاب.
ثالثا خرافة سورية المفيدة هذه التسمية الخاطئة لمناطق الكثافة السكانية التي تسيطر عليها الدولة الوطنية السورية عممها الإعلام الغربي والصهيوني عن قصد وبغض النظر عن منشئها وجرت نسبتها لصحافيين سوريين ارتكبوا خطيئة بحق بلدهم سواء كانوا المصدر أم العاكس فهو مفهوم يسوق ليغذي خرافة اخرى هي فكرة الرضوخ لتقسيم سورية وانكفاء الدولة الوطنية إلى مناطق الثقل السكاني وترك بقية المناطق السورية وسكانها فريسة لعصابات التكفير والإرهاب حتى لو نزح معظمهم إلى مناطق سيطرة الدولة علما انه في رؤية وممارسة الدولة الوطنية السورية تحولت مراكز سيطرتها إلى مناطق لجوء للملايين الذي اضطروا للنزوح من المناطق التي اجتاحتها عصابات الإرهاب والتكفير وتتولى الدولة الوطنية تنظيم اوسع عملية إيواء ورعاية لمواطنيها الهاربين من جحيم الإرهاب والعدوان الاستعماري وتعبير سورية المفيدة يهدف إلى إشعار النازحين داخل سورية واللاجئين إلى الخارج هربا من الإجرام الإرهابي بأن دولتهم أسقطتهم من حسابها وتعتبر مناطقهم غير مفيدة وهذا تزوير فظ واجترار التعبير من قبل كتاب وطنيين ليس سوى وقوع في الفخ الاستعماري وخدمة لحلف العدوان ففي الأوطان التي تمثل نطاق حياة وتاريخ وحضارة إنسانية لا وجود لمناطق مفيدة واخرى غير مفيدة علما ان المناطق التي انحسرت فيها سلطة الدولة الوطنية وقواتها المسلحة هي غاية في الفائدة والأهمية بالمعنى الذي تحمله منظومة القيم الغربية حيث تتركز فيها موارد الثروة النفطية والزراعية ومراكز صناعية مهمة ناهيك عن مساهمات أبنائها الجليلة في تاريخ سورية وكفاحها لكن الغاية من ترسيخ هذا الفهم طمس تصميم الدولة الوطنية السورية وجيشها ورئيسها على استرجاع كل شبر من ترابها مهما كانت الكلفة ومهما بلغ الزمن المطلوب لصنع النصر لويج خرافة الخضوع للتقسيم ولتوريض الشعب العربي السوري على قبول فكرة اقتطاع اجزاء من ترابه الوطني تماما كما يحصل بالنسبة للجولان المحتل.
رابعا تصعيد الدعم الروسي والإيراني لسورية خلال الأسابيع الأخيرة انطلقت من الصحافة الصهيونية بصورة منظمة حملة تسريب المعلومات عن زيادة مستوى الدعم العسكري الروسي والإيراني للجيش العربي السوري وكان واضحا ان الغاية تصنيع مادة سياسية تتلقفها الدبلوماسية الأميركية لممارسة الضغوط والتهويل ولرسم الحدود الافتراضية التي يمكن إدخالها في مساومات سياسية خلال اجتماعات دولية وإقليمية قادمة ولكن السؤال البديهي وبعد خمس سنوات من الحرب العالمية على سورية هل قامت موسكو او طهران بإرسال رئيس أركان جيوشها القائد الفعلي لقواتها المسلحة لترؤس غرفة عمليات قيادة الحرب في دمشق كما فعل رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال ديفيد بيترايوس لقيادة العدوان على سورية من اسطنبول وقاعدة انجرليك في تركيا او من عمان ؟ وهل ترأس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ام نظيره الإيراني جواد ظريف اجتماعا لمئة دولة طالباها بحشد قدراتها السياسية والمالية والعسكرية لدعم الدولة الوطنية السورية التي تحارب الإرهاب نيابة عن العالم كما فعلت من قبل هيلاري كلينتون ومن بعدها جون كيري لبناء حلف عالمي متورط في العدوان على سورية تآكل وتهاوى نتيجة الصمود السوري وتصدي حلفاء سورية الصادقين الذين ظلوا يقيمون في دعمهم للجمهورية العربية السورية المقاومة وزنا للأعراف والقواعد الدولية رغم معرفتهم الوثيقة بدرجة الفجور ونسف الأعراف والقواعد في تصرفات حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة وحكومتي فرنسا وبريطانيا ومعها كل من حكومات إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا والأردن التي تصرفت بصلافة تخطت جميع الحسابات والحدود فجميع دول العدوان أرسلت وحدات خاصة من جيوشها وتورطت مباشرة في القتال إلى جانب الإرهابيين عدا عن تقديم الدعم المفتوح فماذا حتى لو دفع الحليفان الروسي والإيراني بوحدات للقتال إلى جانب الجيش العربي السوري بعد سنوات من التدخلات الأطلسية الصهيونية والرجعية العربية والعثمانية طالما أن الغرب الاستعماري وعملاؤه سيسعون إلى إعادة توجيه الإرهاب ضد روسيا والصين وإيران انطلاقا من المختبرين السوري والعراقي كما سبق أن فعلوا في أفغانستان وأرسلوه نحو البلاد العربية وجعلوا منه هدية ربيعهم الأخواني المسموم؟