تكامل للرهانين الروسي والإيراني في سوريا محمد بلوط
الروس والإيرانيون يداً بيد في الشمال السوري. التعاون الذي يتخذ شكل غرفة عمليات مشتركة، بدأ يتبلور على الأرض عبر تقاسم أحد المطارات في الشمال السوري.
الروس الذين أقاموا مدرجَين إضافيين في المنطقة أعادوا تأهيل القسم العسكري لمطار «حميميم» العسكري السوري، باتوا يملكون قاعدة عمليات جوية روسية مستقلة، ويجاورون خطوط إمداد جوية للحرس الثوري الإيراني، تبدو مع رفع وتيرة الإمداد الروسي لسوريا، غير كافية لمواجهة متطلبات العمليات العسكرية في المرحلة المقبلة.
التعاون يبدو حتى الآن مقتصراً على تنسيق عمليات الإمداد الجوي التي بدأت تسلك الأجواء الإيرانية، منذ أغلق البلغاريون أجواءهم أمام رحلات طائرات الشحن العسكرية الضخمة «أنطونوف 124» بطلب من واشنطن. بيد أن التعاون مرشح للتقدم الأسابيع المقبلة، عندما تنتهي حملة الجسر الجوي الروسي في 24 أيلول الحالي، وتتضح معالم وحدود الانخراط العسكري التي يعد لها الروس في سوريا، عبر القاعدة الجوية التي خرجت معالمها من الأرض، وما إذا كان الروس سيذهبون أبعد من إعادة تجهيز عاجل للجيش السوري، إلى إعداد جيش من الخبراء ووحدات النخبة الروسية في المنطقة.
ويغلب احتمال أن تشهد المنطقة تصعيداً في العمليات العسكرية، في ظل دخول الروس على خط النزاع بشكل أوسع، وتأجيل الحلول السياسية من كل نوع، بانتظار إعادة تشكيل ميزان القوى، وترجيح الوجهة الروسية ـ السورية لهذا الحل، وهي وجهة تستند إلى مصالحة وطنية وإشراك المعارضة الداخلية في حكومة وحدة وطنية، عندما يحين الوقت المناسب.
والغالب أن العملية الروسية، التي تتخذ طابع جسر إمداد استثنائي نحو سوريا، شهدت إعداداً بدأ في شهر تموز الماضي، بعد التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني ـ الأميركي، وقد يكون إحدى نتائجه المباشرة. فبعد إسقاط الحرم الدولي عنها، ودمجها بالأسرة الدولية، والإقرار بدورها في الإقليم وملفاته، أضحى ممكناً التعاون الديبلوماسي والعسكري مع طهران، على الجبهة السورية.
وكان الروس قد دعوا قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني إلى لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين، مطلع آب الماضي في موسكو. اللقاء الروسي مع المسؤول العسكري الإيراني، الذي يقود الحرس الثوري، يندرج أيضا في إطار الإعداد لتوسيع الانخراط الروسي في سوريا.
وتقول مصادر عربية وغربية إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اطلع على تقارير من خبراء روس ولجنة أمنية عسكرية كلفها في الأشهر الماضية تقديم تقييم للأوضاع الميدانية والسياسية في سوريا، قبل اتخاذ القرار بالذهاب نحو جسر إمداد جوي مع الشمال السوري. وتقول المصادر إن الخبراء قدموا دراسة تفصيلية لأوضاع الجيش السوري، بعد أربعة أعوام ونصف العام من القتال.
وتقول الدراسة إن الجيش السوري لا يزال ممسكاً بزمام المبادرة في المدن، فيما تتمتع المعارضة بميزة التوسع في مناطق لا كثافة سكانية فيها، وتستند إلى خطوط إمداد خارجية عبر تركيا والأردن، والعراق بالنسبة إلى «داعش». وتقول المصادر إن العملية الجارية ليست سوى جزء من إعادة هيكلة للجيش السوري، على المدى البعيد. ويبدو أن الروس اختاروا العمل بسرعة على إقامة قاعدة جوية بديلاً عن تطوير رصيفَي ميناء طرطوس، إلى قاعدة بحرية، كما عرض عليهم الرئيس بشار الأسد في آذار الماضي.
وفي إطار التجاذب مع الأميركيين حول حقيقة ما يقوم به الروس، لا يزال الروس يتمسكون بنفي أي خطة لتغيير سياستهم في سوريا، إذ قال وزير الخارجية سيرغي لافروف، أمس، إن «روسيا لم تتخذ أي إجراء إضافي لتعزيز وجودها في سوريا». وأضاف أنه «إذا قررت روسيا تعزيز تواجدها العسكري في سوريا فذلك سيكون فقط بشكل يتوافق مع قوانيننا والقانون الدولي، ونحن لم نُخْفِ أبدا وجودنا العسكري في سوريا. يعمل خبراء عسكريون روس في سوريا، إنهم يساعدون الجيش السوري على تعلم كيفية استخدام أسلحتنا».
ورغم ما يقوله لافروف، فقد يكون الخيار الوحيد الذي وجدت موسكو نفسها أمامه للبقاء والعمل في سوريا هو خيار النزول إلى الأرض السورية، سواء عبر تكثيف التسليح، أو زيادة المساعدات التقنية، والتمهيد لإنزال وحدات نخبة عسكرية محدودة. وتقول مصادر غربية في هذا الإطار إن وحدات نخبة روسية بدأت بالفعل بالوصول إلى المطار السوري، وإن عديد أفرادها يقارب الخمسمئة مهمتهم الأولى، حماية القاعدة الروسية الجوية الجديدة، مع احتمال أن يرتفع عددهم إلى ألف عنصر، والتمهيد لانخراط الروس بشكل أوسع، مواز للعمليات الإيرانية في سوريا. لكن مصدرا سوريا قال إن العديد من هؤلاء بدأوا تدريب مجموعات نخبة جديدة من الجيش السوري، وإنهم لا يخرجون عن كونهم خبراء عسكريين.
وقد يكون هذا الخيار هو الخيار الوحيد أمام موسكو إزاء الحضور الإيراني الكثيف، في القرار السياسي والعسكري في دمشق مقارنة بحضورها، وعدم ارتقاء هذا الحضور إلى مستوى المصالح الروسية في سوريا، كآخر موطئ قدم استراتيجي في المياه الدافئة، وكخط دفاع أول ضد البؤرة «الجهادية» التي تهدد القوقاز الروسي.
وبدا التهديد بالعزلة والتراجع في الملف السوري أكبر لموسكو خصوصا لإخفاقها مؤخراً مرتين في استعادة المبادرة في هذا الملف، ومنافسة طهران وواشنطن بشروطها: أولاً عبر التحالف الدولي ضد الإرهاب، الذي أقفلت أبوابه واشنطن بوجهها، أو عبر اقتراح بوتين، والمعجزة التي لم تتحقق بإنزال السعودية وتركيا وسوريا في خندق واحد ضد «داعش»، حيث لم يذهب الغزل مع موسكو أبعد من إرسال اللواء علي مملوك إلى الرياض، من دون أي إنجاز حتى الآن.
وبخلاف الإستراتيجية الإيرانية التي راهنت على حشد قوات رديفة، لبنانية وعراقية، للدفاع عن المدن السورية، مثيرة سجالاً حول عناوين سنية – شيعية للصراع، يعزز توسع الدور الروسي المحتمل خيار الدولة السورية، والجيش السوري ودوره المركزي في معادلة الصراع، كما يعزز الرهان على إبقاء النظام والجيش، بعد تقويته، ركيزة أي حرب ضد «داعش»، باعتباره، كما يقول لافروف، «القوة الأساسية الفاعلة في محاربة الإرهاب في سوريا».
وأعلن لافروف أنه بحث مع نظيره الأميركي جون كيري موضوع الوجود الروسي في سوريا. وقال: «لقد قال كيري شيئا غريبا جدا. لقد قال إن دعم الأسد في حربه ضد الإرهابيين سيقوي موقع تنظيم الدولة الإسلامية»، مضيفاً: «ذلك غير منطقي على الإطلاق». وأوضح أن «التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يرتكب خطأ جسيما عبر عدم طلب التعاون من سوريا»، مضيفاً أن «الجيش السوري هو القوة الأكثر فاعلية لمواجهة التهديد الإرهابي على الأرض».
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن «التهديد الذي يمثله الدولة الإسلامية واضح، والقوة الوحيدة القادرة على مقاومته هي القوات المسلحة السورية».
(السفير)