تركيا: أنا أو لا أحد محمد نورالدين
تتآكل مع كل يوم يمر صورة تركيا التي أرادها حزب العدالة والتنمية أن تكون على شاكلته لا على شاكلة كل تركيا. العنوان الأبرز منذ انتهاء الانتخابات النيابية في السابع من يونيو/حزيران الماضي أن حزب العدالة والتنمية ومن خلفه رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لن يهدأ لهم بال قبل أن تتكرر الانتخابات في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل على أمل أن يعود إلى السلطة منفرداً.
كل شيء من أجل الاستئثار بالسلطة مجدداً. وفي الواقع أن خطة الحزب وأردوغان هي عدم التخلي عن السلطة ولو لثانية واحدة. فالحكومة التي فشلت في الفوز بالانتخابات النيابية بقيت تصرّف الأعمال منذ صدور النتائج حتى الأسبوع الماضي في ظل إفشال أردوغان لمساعي تأليف حكومة مشتركة مع أحد أحزاب المعارضة. وإذ فرض الواقع الدستوري نفسه بتشكيل حكومة انتخابات لم تشارك أحزاب المعارضة ما عدا حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بوزيرين، فإن المفارقة أن الوزراء الذين اعتبروا مستقلّين في الحكومة لم يكونوا سوى وزراء ونواب وأعضاء سابقين في حزب العدالة والتنمية أضيفوا إلى 11 وزيراً من حزب العدالة والتنمية ليصبح عدد وزراء الحزب المنتمين مباشرة إليه أو غير مباشرة عشرين من أصل 24 وزيراً هم عدد أعضاء الحكومة.
هذه الحكومة سوف تبقى في السلطة إلى أن تتشكل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية المقبلة. وإذا لم تنجح محاولات تشكيل الحكومة الجديدة لسبب أو لآخر فإن حكومة الانتخابات الحالية ستبقى حتى إشعار آخر.أي أن حزب العدالة والتنمية أوصل الأمور إلى مرحلة لا تكون الحكومة في تركيا خارج التحكم المطلق لحزب العدالة والتنمية.
المسؤولية بالطبع تقع على المعارضة المنقسمة على نفسها بين قوميين أتراك وقوميين أكراد. ولكن كان يمكن أن تتشكل حكومة شراكة بين حزب العدالة والتنمية وواحد من حزبي الشعب الجمهوري أو الحركة القومية بعيداً عن مشاركة القوميين الأكراد. لكن المشكلة هنا في الذهنية الاستئثارية التي لا يريد حزب العدالة والتنمية أن يتخلى عنها رغم أن الانتخابات حرمته من أن يكون بصورة طبيعية ودستورية منفرداً بالسلطة.
لا شك أن مسؤولية حزب الشعوب الديمقراطي الكردي كبيرة في توفير غطاء شرعي لحكومات الانتخابات. حسابات الحزب الكردي هي كسر حالة الإنكار للهوية الكردية التي تمارسها حكومة العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. لكن كل الخطوات التي تقوم بها الحكومة تجد طريقها للتنفيذ رغم معارضة وزيري الشعوب الديمقراطي الكردي.
مثال فاقع على ذلك هو أن الحكومة تشن حرباً شعواء على الأكراد في ظل مشاركة الأكراد في الحكومة. والحكومة مررت مذكرة التدخل العسكري في سوريا والعراق في البرلمان رغم معارضة الأكراد. أي أن الأكراد يتحولون إلى شاهد زور في حكومة يمسك زمام المبادرة فيها حزب العدالة والتنمية.
هناك مقولة باتت شائعة في تركيا وهي أن الإسلاميين يأتون إلى السلطة بالانتخابات لكنهم يرفضون أن يغادروها بالانتخابات. هذا ما دلت عليه تجربة ما بعد الانتخابات النيابية الماضية في تركيا والتي ستستمر إلى الانتخابات النيابية المقبلة بعد شهرين.
تمسك الإسلاميين بالسلطة لم يقف فقط عند حدود انتهاك الدستور وتدخل رئيس الجمهورية أردوغان في كل شاردة وواردة بل إن السعي لتعميم نظام الترهيب مستمر على قدم وساق. من ذلك المداهمات والاعتقالات التي طالت مجموعة «إيبيك» الإعلامية المقربة من جماعة فتح الله غولين. ولم يكن بيان أكثر من 180 من كبار المثقفين الأتراك سوى إنذار متكرر وآخر من مغبة ذهاب البلاد نحو حكم دكتاتوري يشبه نظام هتلر في ألمانيا كما ورد في البيان.
من الآن وحتى انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني فإن تركيا مرشحة لتشهد المزيد من الانفجارات والتوترات والقمع والتضييق على الحريات والمكائد من أجل هدف واحد هو إعادة حزب العدالة والتنمية الإمساك منفرداً بالسلطة على طريقة: أنا أو لا أحد.
(الخليج)