«قطوع» 9 أيلول: بدء «الحرب الباردة» ملاك عقيل
مع الاخذ بالاعتبار بعض المحاولات لاختراق بقعة العزل الامنية من جانب عدد قليل من المتظاهرين خلال انعقاد جلسة الحوار، فإن يوم 9 أيلول، الذي شهد إحياء لطاولة أكلها صدأ الفشل في ايجاد الحلول لأزمات عمرها من عمر الطائف، كرّس مؤشرات «الحرب الباردة» بين الداخل والخارج والتي قد تمتد لفترة طويلة.
أما السلطات الامنية فتجاوزت قطوعا كبيرا تطلّب عشية الحوار والتظاهر اتّخاذ إجراءات أمنية استثنائية لم يشهدها وسط بيروت سابقا، وهي لم تعكس سوى مخاوف هذه السلطة من محاولات البعض جرّ الحراك الى فوضى ما قد يصعب حصر تداعياتها او توقّع نتائجها.
في يوم المواجهة المفترضة بين الشارع والسلطة السياسية من جهة، والشارع والقوى الامنية من جهة أخرى، بدأت تتبلور أكثر معالم مرحلة يشهر فيها الجميع أسلحته من دون استثناء: سلاح أولياء الحوار التحاور بين بعضهم البعض مع إدارة ظهر كاملة لصوت الشارع الغاضب. سلاح الحراك المدني والشعبي المزيد من الضغط النفسي والميداني على السلطة السياسية. سلاح «العسكر» فرض الاستقرار بإعلان ما يشبه التعبئة العامة.. لكن مع أكبر قدر ممكن من ضبط النفس و «الاعصاب»!
بالامس، وضمن أمر المهمة الذي أعطي للقوى الامنية، جرى التشديد على حماية مباني الوزارات والمؤسسات العامة، وعلى رأس اللائحة السرايا الحكومية ومجلس النواب ومنع اعمال الشغب والتعدّي على الاملاك العامة والخاصة وتركيز السياج الامني على كامل حدود بقعة العزل، وقد امتدّت من حدود ساحة رياض الصلح باتجاه شارع فوش واللنبي من كل الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية مرورا بشارع ويغان وتقاطع باب ادريس وصولا الى شارع احمد الداعوق…
بقع العزل قسّمت الى ستّة محاور:
الاول مبنى الـ «Dome» – شارع «الام جيلاس» امتدادا الى فندق «مونرو» بمحاذاة مواقف السيارات – شارع الامير بشير – «الاسكوا».
الثاني اللعازارية ـ مسجد محمد الامين ـ ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ـ مبنى النهار – محيط موقع الآثار ـ حتى تقاطع شارع فوش.
الثالث فوش ـ اللنبي ـ اسواق بيروت من جهة البحر ـ شارع البطريرك الحويك – تقاطع جادة فرنسوا الحاج.
الرابع كنيسة الكبوشية ـ الحمامات الرومانية ـ نزلة السرايا ـ تقاطع جامع زقاق البلاط.
الخامس وسط شارع الامير بشير (بين ساحتي الشهداء ورياض الصلح من جهة اللعازارية).
السادس قوات دعم بمحاذاة بقعة العزل.
وفق المعلومات، بيروت ستتحوّل الى بقعة معزولة في كل مرة تعقد فيها جلسة حوار لحماية منطقة ساحة النجمة، فيما اعتمد لتظاهرة الساعة السادسة مساء في ساحة الشهداء خريطة أخرى لتموضع القوى الامنية والعسكرية كسرت من حدّة الطوق الامني الذي فرضته جلسة الحوار في البرلمان بنسبة أكثر من 60% بحيث بقي هذا الطوق قائما حصرا حول السرايا الحكومية ومجلس النواب فقط، وتمّت لاحقا إزالة العوائق الحديدية والاسلاك الشائكة وفتح الطرقات.
وعشيّة التظاهر وانعقاد طاولة الحوار، رفعت نسبة الجهوزية الى حدودها القصوى في كل قطعات قوى الامن الداخلي، وصدرت أوامر صريحة بالمنع منعا باتا استخدام السلاح بالرصاص الحي والمطاطي واستخدام القنابل المسيلة للدموع او حتّى رشّ المياه.. إلا بناء لأمر مباشر من مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص.
وتمّ تفعيل غرف العمليات المشتركة بين الجيش وقوى الامن بفصل ضابط من المديرية الى غرفة عمليات الجيش، وفصل ضابط من اليرزة الى المديرية، بحيث كانت غرفة عمليات الجيش والمديرية وشرطة بيروت، واحدة. كما عزّزت في الوقت عينه الحراسة الامنية على الوزارات والمؤسسات العامة، بما في ذلك مؤسسة الكهرباء ومباني الضريبة على القيمة المضافة في المتحف (TVA)، تحسّبا لهجوم مباغت (اعتصامات او اقتحام) على هذه المواقع.
ومن ضمن المهام التي أسندت اليهما منذ بدء الحراك في الشارع، تمركزت السرية الخاصة «الفهود» في ساحة النجمة لحماية مجلس النواب (حُصر مسرح عمل حرس مجلس النواب ضمن البقعة الضيقة المحيطة بالبرلمان وبمكاتب النواب)، فيما تمركزت «القوة الضاربة» كقوة احتياط، تتدخل عند اللزوم، في محيط السرايا الحكومية.
وقد أمّنت اجهزة الاتصالات اللاسلكية بعدد أكبر بيد الضبّاط، لتأمين تواصل أفضل بين الارض وغرفة العمليات في المديرية العامة لقوى الامن وشرطة بيروت، بعد ان كشف وزير الداخلية نهاد المشنوق بنفسه بأن سوء التواصل كان من احد أسباب حصول تجاوزات خلال حراك 22 آب.
وعمّم على القطعات التي شاركت في حماية أمن التظاهرة والمتظاهرين والمسالك التي حدّدت لعبور الشخصيات المشاركة في الحوار (القوى السيارة وشرطة بيروت والشرطة القضائية)، التزوّد بكل أعتدة مكافحة الشغب من دون سلاح.
وفيما بدا لافتا ظهور أحد العسكريين على شاشات التلفزة وهو يحمل سلاحا ظاهرا إثر خلاف بينه وبين أحد المتظاهرين الذي كان يرشق المواكب بالبيض، فقد تبيّن لاحقا أنه من فريق أمن النائب سليمان فرنجية وقد كان متواجدا هناك من باب تدابير الحماية لوصول موكب فرنجية الى ساحة النجمة، وتكفّل الضابط المتواجد هناك بإرجاعه الى الخلف.
وقد قام الجيش بتعزيز نقاط انتشاره حول مسرح عمل القوى الامنية، فيما كرّرت القيادة توجّهاتها بالتدخل «حين تدعو الحاجة القصوى الى ذلك، وبشكل خاص لحماية المسالك التي عبرتها مواكب المشاركين في الحوار وحظر قطعها من جانب المتظاهرين».
المشنوق يحيي قوى الأمن والمتظاهرين
مع انتهاء التظاهرة التي دعا اليها الحراك الشبابي أمس في وسط بيروت وجَّه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق تحية الى ضباط وعناصر قوى الأمن الداخلي «على مناقبيتهم في مواكبة وحماية المتظاهرين سلمياً»، وأبدى ارتياحه الكبير لعدم تسجيل أي حادث يذكر. كما وجَّه وزير الداخلية تحية كبيرة الى المتظاهرين «الذين قدموا مشهداً حضارياً وأبدوا إرادة كبيرة بجعل تحركهم سقفه القانون وحدوده السلم الأهلي».
(السفير)