إنسانية اوروبية تجاه السوريين.. ولكن! د. ليلى نقولا الرحباني
يوماً بعد آخر تزداد الأزمة الإنسانية السورية صعوبة، ويتقاطر السوريون أفواجاً للقرع على أبواب الاتحاد الأوروبي؛ في مشهد كارثي إنساني لم يشهد التاريخ الحديث مثله.
ومع تكاثر قوارب الموت في المتوسط، ومع انتشار صور الذلّ على طرقات الهجرة إلى الأمان والاستقرار، وتصاعد الخطاب اليميني المتطرف في أنحاء أوروبا، مقابل تعاطف شعبي فجّرته صورة الطفل إيلان الكردي “النائم” على ضفاف المتوسط، يبدو مشهد اللجوء السوري بهذه الطريقة في أجزاء منه متوقَّع، وفي أجزاء أخرى مستغرَب، وذلك للأسباب الآتية:
1- من الطبيعي أن يفرّ السوريون من الموت والدمار في مناطقهم إلى مناطق أكثر أمناً، وإن كانوا اليوم بدأوا بتوسيع مروحة خياراتهم إلى البلدان الأبعد من جوارهم الإقليمي، فلأن دول الجوار قد استقبلت الملايين منهم، إلى حد جعلها تنوء تحت ضغط اللجوء السوري، ولم تعد تستطيع استيعاب عدد أكبر من اللاجئين.
2- حملة التضامن الإنسانية العالمية طبيعية، كما من المنطقي أن يتضامن المجتمع المدني العالمي مع مآسي السوريين، ويدعو دول أوروبا ودول العالم كافة إلى استقبال اللاجئين السوريين، بعد الصور التي هزّت ضمير العالم، وحرّكت أشياء ومواجع في أكثر القلوب تحجّراً.
ولكن!
أ- من المستغرَب أن تصدح أصوات بعض الرؤساء في الاتحاد الاوروبي – ومنهم ميركل – بالإنسانية والتعاطف وضرورة استقبال اللاجئين، وهي في وقت قريب جداً كانت قد ظهرت في فيلم فيديو وهي قاسية القلب متحجّرة، تقول لطفلة فلسطينية لاجئة: “عليكم بالرحيل، فإنْ قبلنا بكم، سيأتي كل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان، وسيأتينا لاجئون من أفريقيا”! فما الذي حوّل المرأة الحديدية ذات القلب المتحجّر، التي سلخت جلد اليونانيين وأذلّتهم ورمتهم في المجهول، إلى “ماما أنجيلا” التي يبتهل اللاجئون السوريون بالدعاء لها ليل نهار؟
ب- من المستغرَب أيضاً هذه المفاجأة الأوروبية بحشود اللاجئين السوريين، علماً أن بعض دول الاتحاد الأوروبي مساهمة بالحرب العسكرية والاقتصادية على الشعب السوري، وكان من الطبيعي التوقُّع أن موجات بشرية من الفارين من المجهول والموت ستقتحم أوروبا.. ثم، كيف هبطت الإنسانية فجأة على هؤلاء، وهم أنفسهم من دمّر العراق وليبيا ودفعها نحو أتون الحرب والإرهاب الذي أدمى البشر والحجر؟
ت- ومن المستغرَب كيف أن دول الاتحاد الأوروبي ودول العالم تبحث عن حلول لمشكلة اللاجئين المتفاقمة، من خلال تأمين مأوى لهم، أو مدّهم بالمساعدات الإنسانية، بينما الحلّ سهل جداً، وأمام أعين الجميع: المساهمة في إيقاف الحرب في سورية يسمح لهؤلاء بالبقاء في بيوتهم بكرامتهم.. والمساهمة الأوروبية تتجلى في توقُّف الأوروبيين أنفسهم عن دعم الخيار العسكري، والضغط من أجل توقّف الدول الإقليمية بمدّ الإرهابيين بالمال والرجال والعتاد، والسعي الحثيث إلى حل سياسي يجلس فيه الجميع إلى طاولة الحوار السوري، بدون شروط مسبقة معروف سلفاً أنها ستنسف أي دعوة للحل.
ث- ولعل أكثر وجوه الغرابة في الحرب السورية الدائرة منذ سنوات خمس، التشجيع على النزوح والهجرة، وعندما نقول تشجيع فإننا لا نبالغ، فالمنظمات الإنسانية كانت قد مارست وسائل الترغيب والتشجيع للسوريين للنزوح إلى لبنان، وذلك مثبت بالدلائل والأرقام، والمتقدّم خلال هذه السنوات بطلب فيزا إلى الدول الاوروبية يُدرك تماماً أن بعض سفارات الدول الأوروبية كانت تشجّع السوريين على التقدم بطلب لجوء، لا بل إن بعض تلك السفارات كانت تفضّل طالب اللجوء على طالب الفيزا السياحية، علماً أن التقارير المنشورة منذ صيف عام 2011، ومنذ الأشهر الأولى للقتال، تفيد أن السويد – على سبيل المثال لا الحصر – أعدّت مراكز إيواء ولجوء لستين ألف سوري، لكنهم تأخّروا في المجيء!
في المحصلة، تدفعنا الكارثة الإنسانية السورية، وهذه الصور المفجعة، سواء من الحرب الدائرة أو من قطع الرؤوس في مناطق “داعش”، أو من صور الموت والذلّ في الرحلة إلى أوروبا، إلى التفكير عميقاً في ما ينتظر هذه المنطقة بعد سنوات من الحرب، وما هي نتائج هذا التغيير الديمغرافي على كل من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا على حد سواء، وإن كانت الدهشة الأوروبية من جحافل اللاجئين صحيحة وليست مصطنعة، فماذا يُنتظر من شخص يقوم بالحفر تحت رجليه، ويتوقع أنه بمأمن عن السقوط؟