بقلم غالب قنديل

بواقعية حول فرص التغيير

F01 02 24 08 2015 469960 large

غالب قنديل

في النقاشات الدائرة عن الحراك الاحتجاجي خلطة كبيرة من المبالغات والأوهام الناتجة عن تعطش تيارات علمانية ويسارية إلى فرص الحضور والتعبير في صيغ للتحرك الجماهيري عابرة للطوائف بعد الاختناق المحكم الذي ولده تمادي التخندق الطائفي والتوترات المذهبية في البلاد منذ اتفاق الطائف وفي ظل قوانين الانتخاب الأكثرية وتفصيل الدوائر التي بنيت على منع تسرب اتجاهات راديكالية إلى المجلس النيابي الذي لم يحتمل فيه النظام الحريري وجود الرئيسين سليم الحص وعمر كرامي على رأس كتلتين نيابيتين تضمان وجوها وطنية ذات توجهات إصلاحية مثل الياس سابا وعصام نعمان ولا الخطاب النقدي لكل من زاهر الخطيب ونجاح واكيم اللذين وصفا بنجمي مجلس العام 1972 ولولا قرار سورية بمنع شطبهما من المعادلة لما حضرا في مجلسي 92 و96 بعد الطائف وكان تغييبهما بعد ذلك مؤشرا لبداية انقلاب المعادلات والتوازنات.

الابتهاج لخروج الناس الجامع تحت ضغط ازمة النفايات شعور مفهوم وطبيعي لكنه ليس مسوغا كافيا للكلام عن ثورة أسقطت النظام الطائفي بينما الحقيقة التي يعرفها الجميع وبعمق هي ان هذا النظام لا يزال راسخ الجذور على الصعيد الشعبي وان القوى والكتل السياسية الكبرى تحظى بولاء جمهور عريض من اللبنانيين رغم التصدعات التي لحقت بشعبية بعضها نتيجة الأزمات المتفاقمة وهو ما أبرزته تحولات في المزاج السياسي للجمهور في مناطق الشوف وعكار وصيدا وغيرها حيث أوقعت قضية النفايات خلخلة جدية في نفوذ زعامات كبيرة .

في حصيلة الحراك الشعبي برز تخبط السلطة السياسية وعجزها أمام الأزمات المتراكمة والمتزامنة التي دفعت الشرائح الوسطى إلى التحرك وهذه فرصة جدية لبلورة توازن جديد تكون فيه للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف مساحة حضور وتأثير مهمة لكتلة شعبية عابرة للطوائف تناضل من اجل العدالة الاجتماعية وتحمل فكرة الدولة المدنية اللاطائفية ومن غير اوهام سياسية ينبغي الاعتراف بان الكتل السياسية الوازنة في السلطة هي نفسها تهيمن على غالبية المجالس البلدية التي يدعو الحراك الاحتجاجي إلى وضع ملف النفايات بأيديها وصرف مخصصاتها لدى الخزينة العامة وقد أرغم هذا الحراك السلطة السياسية على السير في اتجاه مطالبه بدلا من نهج الخصخصة والتقاسم الذي حكم التعامل مع الملف منذ عقدين من الزمن .

الحلقة المركزية التي تلوح فيها فرصة جدية لدفع مسار التغيير السياسي هي مطلب قانون الانتخاب النسبي الذي تبناه الحراك وهي فرصة لتثبيت موقع التيار التغييري العابر للطوائف في معادلات التمثيل السياسي الجديدة ولفك الاستعصاء الذي تعيشه البلاد على صعيد الانتخابات الرئاسية ومن الوهم تخيل حصيلة للانتخابات النيابية المقبلة تتخطى هذه الحدود أي إعادة رسم الأحجام التمثيلية بالنسبية والإتيان ببرلمان يضم جميع التلاوين في كتله النيابية بعيدا عن احتكار التمثيل الطائفي الذي انتجته قوانين الانتخاب الأكثري وتقسيمات الدوائر المفبركة لحساب المرجعيات الشريكة في الحكم الذي قادته الحريرية وكانت الحريرية وما تزال أمه وأباه اقتصاديا واجتماعيا وماليا وسياسيا ولا يفيد السيد فؤاد السنيورة ناظر التركة الحريرية أي تنصل من تلك الصفات اليوم ولا افتعال سجال عن أصل الفساد مع حزب الله الذي حمى ويحمي رؤوس اللبنانيين جميعا من التغول الصهيوني والتكفيري بمن في ذلك من تآمروا على المقاومة منذ الطائف حتى اليوم وقد جمعتهم طاولة عوكر وضبطوا متلبسين يسنون سكاكين الغدر في تموز.

يتحاشى المحتجون التسمية ويهربون قصدا إلى التعميم بينما الحريرية هي مدرسة الخصخصة والتقاسم وهي مؤسسة الوظيفة الموازية وهي نهج المديونية الربوية المتضخمة وأصل خطة ربط لبنان بالاستراتيجيات الأميركية والغربية اقتصاديا وسياسيا والتواطؤ والتحريض على المقاومة والعبر كثيرة من التموزين عامي 1993 و2006 إلى يومنا هذا .

من الطبيعي ان تستنفر الحريرية جميع ادواتها اليوم لأنها تتلمس إدانة تاريخية بحقها كنهج مسيطر على الدولة بدأ التأسيس له بتمويل تدمير الوسط التجاري في جولات الحرب ومن ثم باغتصاب الحقوق في وسط بيروت وبتغطية التشريع بالرشاوى وبالإملاء السياسي وبالمضاربة على الليرة اللبنانية وبدحرجة الدواليب المحترقة وبتوزيع عصي الشغب في وجه حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي وهذا بذاته نزر قليل من عصارة الفساد والتآمر على البلد الذي قادت فيه الحريرية شركاءها السياسيين بدعم مباشر من ثلاثي خدام والشهابي وكنعان الذي ظل في خدمة هذا النهج حتى آخر انفاسه ولن يحدث تغيير جدي في لبنان ما لم يتم إسقاط النهج الحريري برمته لإعادة رسم الواقع الاقتصادي الاجتماعي واستطرادا السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى