بقلم غالب قنديل

استنزاف سورية أولوية أميركية

syr us

غالب قنديل

تتناول معاهد الدراسات والأبحاث الأميركية تطورات الوضع في المنطقة والسياسات العليا التي تتبعها الولايات المتحدة وهي باتت تلتقي على حقيقة رئيسية تتمثل بدوام الإرهاب والصراعات والحروب التي تجتاح البلاد العربية وتهددها لسنوات مقبلة بل ولعقود قادمة والأصح في المضمون الفعلي تعبير الإدامة بدلا من الدوام الذي تستخدمه تلك التقارير والدراسات لانتحال الصفة الموضوعية.

أولا سبق لمعهد ستراتفور وثيق الصلة بالمخابرات المركزية الأميركية ان قدم صياغة واضحة لهذا التوقع في دراسة عن الأحوال المستقبلية للوضع الدولي حتى العام 2025 لكن تقريرا استراتيجيا مهما عن اوضاع المنطقة وتوازناتها العسكرية نشر في منتصف حزيران الماضي على الموقع الإلكتروني لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي بقلم أرام نيرجويزيان تحت عنوان “التوازن العسكري في بلاد الشام المقسمة” يمثل وثيقة بالغة الأهمية ويمكن القول إنه يبين الكثير من القضايا الجوهرية التي تشغل المخططين الأميركيين في خلفيات التعامل مع الوضع في المنطقة وبالذات عن المحور السوري في الخطط الأميركية ويسجل التقرير الاعتراف بالعجز عن الإطاحة بالدولة الوطنية السورية والرئيس بشار الأسد رغم توظيف موارد ضخمة مالية وعسكرية بقيادة الولايات المتحدة ومن خلال التحالف الإقليمي للعدوان على سورية الذي ضم تركيا وقطر والسعودية وتنظيم الأخوان المسلمين ويسجل التقرير اعترافات عديدة بفشل الرهان على بناء واجهات سياسية وأدوات عسكرية مؤهلة لتحقيق هذه الغاية رغم ما قدمه التحالف الذي قاد الحرب على سورية منذ عام 2011 سرا وعلانية إلى جانب الإقرار الصريح بصمود الجيش العربي السوري وبشعبية الرئيس الأسد عند غالبية سورية مساندة للدولة والجيش مقللا من اهمية الجدل في نسبة المساحات الجغرافية التي سيطرت عليها الجماعات المسلحة وحيث يجد تأثيرها المركزي في حرمان الدولة من وارداتها النفطية ويتضح من التقرير ان الرهان الأميركي هو على إدامة الاستنزاف ضد الدولة السورية ومعها محور المقاومة والحليفان الروسي والإيراني لمدة زمنية ممتدة وطويلة.

ثانيا يعتبر التقرير ان الإنجاز الثمين المحقق بنتيجة الحرب على سورية هو شل القوة الإقليمية السورية التي كانت المنافس الرئيسي لإسرائيل قبل عام 2011 وإشغالها بأولويات التصدي للتهديد الداخلي الذي تمثله الجماعات المسلحة المتعددة وخصوصا تنظيما داعش والنصرة ويقدم التقرير صورة لخلاصة المشهد الإقليمي الذي يجعل من إسرائيل القوة التقليدية الأكبر في المنطقة بفعل إشغال الجيشين السوري والمصري بتحدي مواجهة التهديد الإرهابي في الداخل ومع تسجيل التقرير لاعترافين رئيسيين هما :

1-    استمرار القيادة السورية في العمل على تطوير قدرات الردع في مجابهة إسرائيل رغم انشغالها في الحرب ضد الجماعات الإرهابية في الداخل ونجاحها في الاحتفاظ بمعظم منظومات الدفاع الاستراتيجي التي تعمل على تطويرها إلى جانب التحولات المحققة في مهارات وقدرات وهيكلية الجيش العربي السوري في سياق الحرب نفسها ويسجل التقرير ظهور اجيال شابة وخبيرة من القادة العسكريين السوريين.

2-    التأثير النوعي المتصاعد لحزب الله في حساب التوازن الإقليمي وتطور التعاون العسكري السوري مع كل من إيران وروسيا وتأثيره على المعادلات الإقليمية وحيث تحتل مجابهة الإرهاب داخل سورية الأولوية في توجيه القدرات والإمكانات العسكرية مما يتيح لإسرائيل زمنا استراتيجيا كافيا لتعظيم قدراتها العسكرية.

ثالثا في سياق التقرير تأكيد صريح للهدف الأميركي المركزي الذي حرك الحرب على سورية وهو استبدال الدولة الوطنية بنظام تابع للهيمنة الأميركية يقبل بالتخلي عن الجولان المحتل ويبرم صلحا مع الكيان الصهيوني ويلتحق بمعكسر الرجعية العربية الذي تقوده المملكة السعودية ويحضر الرهان الأميركي المستمر على إضعاف الدولة الوطنية بإدامة الاستنزاف الإرهابي لسنوات وعقود مقبلة .

هذه الحقيقة التي تخلص إليها دراسة هذا التقرير الاستراتيجي الهام تفسر بكل وضوح السلوك الأميركي اتجاه ما يسمى بالأزمة السورية في المنتديات الدولية فرغم كل الضجيج السياسي والإعلامي حول محاربة الإرهاب فرغم الإقرار بخطر الارتداد الإرهابي إلى دول الجوار ونحو الغرب نفسه تمنع الولايات المتحدة والحكومات العميلة الشريكة في العدوان على سورية اتخاذ أي إجراءات وتدابير جدية لتجفيف موارد الإرهاب التسليحية والمالية والبشرية التي يستمر تدفقها إلى الداخل السوري عبر الحدود الأردنية والتركية وتمارس الولايات المتحدة في ذلك لعبة ابتزاز مفضوحة فهي تضع أي خطوات جدية لحنق موارد الإرهاب مقابل الحصول على تنازلات سياسية ( تحت يافطة الحل السياسي ) تتيح الاقتراب من الغاية المركزية المتمثلة في إقامة سلطة سياسية سورية تقبل الخضوع للهيمنة والتخلي عن الجولان وإراحة إسرائيل من تحدي الردع ومن كون سورية محورا مركزيا لمنظومة المقاومة التي تطورت إلى درجة كسر الهيبة الإسرائيلية في حرب تموز 2006 .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى