«المستقبل» يخفف «الخسائر» بلقاء «حزب الله» نبيل هيثم
كل شيء يؤشر الى ان التقاء «حزب الله» وتيار «المستقبل» على طاولة الحوار بات حتمياً. الرئيس نبيه بري ومعه النائب وليد جنبلاط يدفعان في هذا الاتجاه، تيار «المستقبل» متحمّس ولو انه لا يظهر ذلك. وعين التينة ما زالت تنتظر ان تتلقى من «بيت الوسط» جدولا بـ«البنود الزرقاء» لهذا الحوار، وأما «حزب الله» فأبلغ الحلفاء والوسطاء انفتاحه على كل ما يقرّب.
تبدو العدة الحوارية مكتملة، ولم يبق سوى تحديد الموعد. ويتوقع احد المراجع بروز إيجابيات مطلع الشهر المقبل. مستوى المتحاورين قد يكون على مستوى الحاج حسين خليل ونادر الحريري. عين التينة تبدو ملائمة كمكان للقاء، ربما في مرحلة أولى. وأما فرضية عقد لقاء بين الكتلتين النيابيتين فهي ضعيفة ومستبعدة، كونها لا تلبي محطة حوارية استثنائية وحساسة يمكن ان يتأسس عليها انقلاب جدي وإيجابي في العلاقة بين الطرفين اللدودين.
في معطيات المرجع المذكور، أن حوار الطرفين مبارك من قوى إقليمية ودولية فاعلة، وقد تلقى «المستقبل» إشارات مباشرة وصريحة تشجع وتحث على الوصول الى تفاهمات متينة مع «حزب الله»، وتشجيع كهذا لا يمكن ان يمر من دون موافقة اميركية.
موجبات الحوار بين الطرفين كثيرة وتمليها ضرورات داخلية وخارجية، لعل ابرزها تلهف اللبنانيين لأي اختراق إيجابي لإبعاد البلد عن حافة الهاوية، والخشية من ان عدم وجود قنوات تواصل قد يخل بالركائز الرخوة للحكومة القائمة، وقد يؤذي الاستقرار الذي هو حاجة للجميع.
«حزب الله» يبدو منسجماً مع دعواته الدائمة الى التلاقي والحوار مع كل الاطراف، فأولويته تثبيت الاستقرار، ومصلحته تتبدى في خروج الجميع من حقل الألغام الداخلي وإلغاء المناخات المذهبية التي تجد فيها المجموعات التكفيرية ملاذات آمنة، وذلك لا يتم الا عبر حوار وتفاهم على قاعدة ان الخطرعلى الجميع. وليس سراً ان الهدف الاساس هو الوصول الى حل نهائي، ولكن ما دام ذلك متعذراً حالياً، فلتنحَّ القضايا الكبرى جانبا وليجرِ تنظيم الخلاف حولها الى ان تحين التسويات العميقة.
وحاجة «المستقبل» الى الحوار تبدو اكبر، خاصة انه اشبه ما يكون بـ«حوار تخفيف الخسائر» استناداً الى ما يلي:
– اشتباك «المستقبل» مع «حزب الله» أفقده رئاسة الحكومة، وهو يعتبر ان حواراً من هذا النوع من شأنه ان يعيده اليها. صحيح ان تمام سلام مرشح «كتلة المستقبل»، الا انه من خارج التيار وله شخصيته ورُشِّح على مضض، فضلا عن انه اثبت انه احد رموز الاعتدال في لبنان ولم يصدر عنه ما يستفز أياً من الاطراف السياسية سواء «حزب الله» او غيره.
– الاشتباك مع «حزب الله» ضيّق الهامش السياسي لـ«المستقبل» وقلل من فعاليته. ومن هنا بات «المستقبل» يعتبر ان كثيرا من الملفات الموجودة في لبنان لا يستطيع ان يبت فيها من دون تفاهم مع الحزب.
– بعد إسقاط سعد الحريري من رئاسة الحكومة، تهاون «المستقبل» في التعاطي مع المجموعات التكفيرية، لا بل انه تعاطى معها على انها عنصر توازن في صراعه مع «حزب الله» وجعلها فزاعة في وجه الآخرين، من دون ان يأخذ في حسابه انها قد ترتد عليه فتأكله وتهدده. وبات «المستقبل» على يقين أن تلك المجموعات تشكل تهديداً لوجوده وتعمل على أكل بنيته وبيئته، وبالتالي بات يفتقد القدرة على ضبط توغل تلك المجموعات في الاوساط السنية، التي كانت محسوبة عليه. ولذلك وصل «المستقبل» الى مرحلة صار فيها مضطراً الى حوار وتفاهم في وجه تلك الجماعات للحد من تمددها وتفشيها وإعادة ضبط الامن والاستقرار.
– بعد احداث طرابلس الاخيرة، صار «المستقبل» في حاجة الى تغيير في خطابه السياسي حيال قاعدته، والتي كانت قائمة على التحريض والتعبئة، فتبيّن أنها أفادت المتطرفين الذين وظفوها في قاعدة شعبية على حساب المستقبل.
– يعتبر «المستقبل» انه ما يزال القوة السنية الاولى وأن دم رفيق الحريري ما يزال عنصر الجذب والاستقطاب، ومن الحوار مع «حزب الله» قد يستعيد ما افتقده من هيبة وحضور سياسي. وربما إعادة إحياء جلسات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري واستحضار شهادات لشخصيات لبنانية حول الظروف السياسية التي ادت الى الاغتيال هي محاولة واضحة لاستدرار العطف السياسي وإعادة زرع رفيق الحريري في الوجدان الشعبي، بدل تلك المجموعات ومنطقها التحريضي والتكفيري.
(السفير)