تدمير مزمّن ومقصود: عميره هاس
يوجد أكثر من 11 ألف أمر هدم ضد 13 ألف مبنى فلسطيني في المناطق ج. هذا ما يتبين من معطيات الادارة المدنية. وتكشف المعطيات أنه بدءً من منتصف التسعينيات (بموازاة المفاوضات السلمية) بدأ تزايد معتدل ومنهجي في عدد أوامر الهدم سنويا. لكن القفزة الحقيقية كانت في 2009 ـ 2010 بعد تشكيل حكومة نتنياهو الثانية حيث صدر 776 و 1.020 أمر هدم على التوالي، مقابل 409 أمر هدم في 1999 بمعدل سنوي بلغ 49 أمر هدم بين سنوات 1988 ـ 1995. في عام 2010 صدر 2.020 أمر هدم ضد مباني فلسطينية.
بدون فحص كل أمر وأمر، فانه معلوم أنها تسري على مجموعة متنوعة من المياني ـ منازل سكنية، اماكن عامة من الباطون، خيام من الصفيح وحتى حظائر الماشية، المراحيض المتحركة، أعمدة الكهرباء، الالواح الشمسية للطاقة وآبار تجميع مياه الامطار ـ بنيت بدون ترخيص من سلطات التخطيط في الادارة المدنية. الارقام تشمل أوامر صدرت قبل اتفاقات اوسلو في المناطق التي تحولت بعد ذلك إلى مناطق ج ـ تحت السيطرة المدنية والامنية الاسرائيلية الكاملة. هذا التصنيف الذي ينطبق على حوالي 60 بالمئة من اراضي الضفة الغربية (لا يشمل القدس الشرقية) كان يفترض أن يتقلص بالتدريج إلى أن ينتهي في 1999، إلا أنه تحول إلى معطى لا يتغير.
تعريف اوامر الهدم على أنها «عالقة» يلخص حالة التوتر السائدة في مئات التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية: عقبة كردلة في شمال الضفة، القرى البدوية الصغيرة في الخان الاحمر في الشرق عرب الرمادين في الغرب (منطقة قلقيلية)، وبالقرب منها عزبة الطبيب والقرى ذنابة ورفاعية الديرات وسوسيا وزنوتا في جنوب الضفة. وهناك قرى صدرت فيها اوامر هدم ضد اغلبية، أو جميع المباني مثل سوسيا وعقبة كردلة، وهناك تجمعات فيها اوامر هدم لعدد من المباني فقط مثل عرب الرمادين في غرب الضفة.
من جهة، فان بناء البيوت أو اضافة بناء إلى بيوت قائمة، هو امر منطقي مع مراعاة التكاثر الطبيعي والحاجة إلى الرزق والخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة.
ومن جهة اخرى فان تلك التجمعات تعرف جيدا امكانية ظهور مراقبي الادارة المدنية في أي لحظة مع جرافاتهم، والهدم وترك عشرات الاشخاص مصدومين ويشعرون بالخسارة والضياع، الاقتلاع والعنف.
«أوتشا» (مكتب الأمم المتحدة للشؤون الانسانية) حلل المعطيات التي نشرتها الادارة المدنية على أساس قانون حرية المعلومات إلى جمعية «بمكوم» ـ يخططون من اجل حقوق التخطيط، والباحث المستقبل درور ايتكس. التقرير المسمى «خطر محلق» سينشر اليوم.
حسب المعطيات، منذ 1998 وحتى نهاية 2014، اصدرت السلطات الاسرائيلية 14087 أمرا للهدم ضد مبان فلسطينية تخدم السكان الفلسطينيين الضعفاء والاكثر فقرا. حتى الآن نفذ منها 2802 (19.9 بالمئة). في المقابل اصدرت الادارة المدنية في تلك السنوات 6984 أمرا للهدم ضد المستوطنين، نفذ منها 854 (12 بالمئة). عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في مناطق ج، 300 ألف، وعدد الاسرائيليين المستوطنين في تلك المناطق، حسب مكتب الاحصاء المركزي، 356 ألف. فهل تقول المقارنة إن الفلسطينيين يتجاوزون القانون اكثر من الاسرائيليين؟.
كاتبو التقرير لا يطرحون هذا السؤال لكنهم يجيبون عليه بطريقتين. اولا، يذكرون أن البناء في المستوطنات ونقل السكان من الدولة المحتلة اليها يعارض القانون الدولي.
جاء في ذلك القانون الدولي (وثيقة جنيف الرابعة) أنه يمنع هدم مباني السكان الواقعين تحت الاحتلال دون أن يكون هناك مبرر عسكري واضح. ثانيا، يشدد التقرير على أن المقارنة غير منصفة لأن نقاط البداية مختلفة بشكل متطرف.
خطط البناء التي وافقت عليها الادارة المدنية حتى الآن للمستوطنين تشمل 282.174 دونم. لكن المناطق البلدية للمستوطنات التي ليست في عملية التخطيط أكبر كثيرا.
في المقابل فان مجموع خطط البناء المصادق عليها للفلسطينيين في المناطق ج هي 18.243 دونم ـ وهي أقل من 1 بالمئة من مساحة هذه المنطقة. في المتوسط فان المنطقة المخصصة لكل مستوطن أكبر بـ 13 ضعفا من المنطقة المخصصة لكل فلسطيني يعيش في نفس المنطقة: 0.79 دونم للمستوطن و0.06 دونم للفلسطيني، حسب «اوتشا».
وافقت اسرائيل بضغط من الأمم المتحدة على أن تقدم السلطة الفلسطينية، بالتعاون مع الجاليات في المناطق ج، خطط بناء للادارة المدنية للمصادقة عليها. وقد قدمت في السنوات الخمسة الاخيرة 67 خطة للمصادقة عليها، وتمت المصادقة على 3 منها فقط تغطي 570 دونم (0.02 بالمئة من المناطق ج). وقد صادقت عليها الادارة المدنية.
معطى آخر يُبين أنه بين 2010 ـ 2014 قدم الفلسطينيون 2030 طلب رخصة للبناء وصودق على 33 منها (1.5 بالمئة). في 2014 أصدرت اسرائيل مناقصات لبناء 2359 وحدة سكنية في المستوطنات. العدد الاكبر للمباني الفلسطينية بدون ترخيص سيفسر المعطى التالي: المنطقة ج هي الاحتياطي الطبيعي للمدن والقرى الفلسطينية في المناطق أ (تحت السيطرة الامنية والمدنية للسلطة الفلسطينية) ومناطق ب (تحت السيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية). وحسب التقرير فان نحوا من 60 بالمئة من أوامر الهدم العالقة تتعلق بالمباني، وبالتحديد الزراعية التي تعود للعائلات التي تسكن في مناطق أ و ب.
ينبع المعطى من حقيقة أن الضفة الغربية تم تقسيمها مؤقتا إلى مناطق أ. وب. وج. الاولى والثانية تشمل المناطق الفلسطينية المأهولة. والمناطق المفتوحة في محيطها صنفت على أنها مناطق ج. ولم يتوقع أحد أنهم بهذا سيكبحون التطور.
التجمعات الفلسطينية التي تعتبر مبانيها معرضة لخطر الهدم توجد في المنطقة قبل عام 1967. في الوقت الذي تمنح فيه اسرائيل اراضي الدولة للمستوطنين، وقد خصصت مناطق قليلة جدا من اراضي الجمهور للتجمعات الفلسطينية: 8.6 كم (0.4 بالمئة) وبالتحديد لاقلاع البدو ونقلهم إلى مناطق ثابتة (في العادة ضد رغبتهم).
من بين 14 ألف أمر هدم بناء تم الغاء 151 أمر بعد نجاح اصحابها في الحصول على رخصة بناء فيما بعد. 570 أمر يصنف كـ «جاهز للتنفيذ».
كاتبو التقرير يستنتجون أن الحديث يدور عن أوامر ذات أولوية ولا توجد أي محاولة قانونية لالغائها. 2454 أمر صنفت كأوامر عالقة بسبب الاجراءات القانونية (تشمل الاستئنافات للادارة المدنية أو دعاوى لمحكمة العدل العليا). 8110 أمر صنفت على أنها قيد العلاج. ورغم أن هذا هو التصنيف الاكبر (57 بالمئة)، إلا أن طابعه ليس واضحا في المعطيات. لكن تزايد اوامر الهدم في كل عام يشير إلى أنها مشمولة في هذا التصنيف.
في منتصف سنوات الالفين فقط بدأت «اوتشا» في توثيق عدد المباني التي هدمت، حيث لاحظت الزيادة. ففي الوقت وثقت فيه في 2009، 190 مبنى، فقد وصل الرقم في 2013 إلى 564 مبنى في السنة. وفي السنة الماضية حصل تراجع ضئيل ـ 496 مبنى تم هدمه ـ ولكن في نصف السنة الاخيرة هدمت الادارة المدنية 384 مبنى.
لا يوجد تداخل كامل بين الاوامر والمباني: حسب الفحص الذي اجرته «اوتشا» فان نحو 90 بالمئة من هذه الاوامر تشمل عدد من المباني. لذا فان التقديرات تبين أن عدد المباني التي ستهدم اكبر من عدد أوامر الهدم بـ 20 بالمئة.
منذ 1988 تم اصدار اوامر للهدم ضد 17 ألف مبنى، نحو 13 ألف منها ما زالت معرضة لخطر الهدم.
ثلث الاوامر التي لم تنفذ صدرت في الخليل، 16 بالمئة في القدس و11 بالمئة في رام الله. ثلث الاوامر العالقة في التجمعات البدوية في الضفة الغربية. 77 بالمئة من الاوامر التي صدرت منذ 1988 تتعلق بمبانٍ اقيمت على اراضي فلسطينية، أما الباقي ـ على اراض عامة.
يقتبس التقرير موقف اسرائيل حول هدم المباني بعد مراسلة الادارة المدنية. هذه وسيلة مشروعة لتطبيق القانون الراسخ في الدستور الاردني والاوامر العسكرية التي اضيفت اليه بعد 1967. وحسب البند 43 من وثيقة لاهاي يُطلب من القوة المحتلة ضمان انتظام الحياة العامة واحترام القوانين في الدولة، والاتفاق المرحلي في 1995 الذي جاء فيه أن التخطيط في مناطق ج يخضع للجان التخطيط الاسرائيلية.
هآرتس