روسيا والغرب: مرحلة جديدة من التوتر حميدي العبدالله
كان كثيرون يتوقعون أن تسوّى الخلافات بين روسيا والغرب، والتي تصاعدت إلى درجة غير مسبوقة على خلفية اندلاع الأزمة الأوكرانية، وثمة اعتقاد ساد بأنّ مصالح الغرب في روسيا، وأيضاً تحوّل روسيا نحو الرأسمالية لن يسمح بتطور الخلاف بين الطرفين ويعود إلى ما يشبه الحرب البادرة.
لكن ما جرى على هامش قمة العشرين لا يوحي بأنّ ثمة أملاً في وقت قريب بوضع حدّ للخلافات، أو على الأقلّ الحدّ منها والحؤول دون تصاعدها، على الرغم من التصريحات التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تحدث فيها عن أنّ الفرصة لا تزال قائمة باتجاه تسوية الأزمة الأوكرانية، وبالتالي زوال السبب الرئيسي للخلافات بين روسيا والغرب.
لكن من خلال الاطّلاع على التصريحات التي أدلت لها المستشارة الألمانية في أستراليا يتضح بشكل قاطع أنّ العلاقات الروسية الغربية مرشحة لمزيد من التصعيد، ولعلّ تبادل طرد الدبلوماسيين بين روسيا وبولندا يمثل أحد حلقات اتساع التوتر بين الطرفين. فالمصالح المشتركة بين الغرب وروسيا على أهميتها، وكذلك انتقال روسيا من الشيوعية إلى الرأسمالية لا يمكنها أن تشكل عوامل تحول دون اندلاع نـزاع بين الطرفين، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقع روسيا الجيو سياسي، والتجارب التاريخية، فروسيا القيصرية كانت دولة رأسمالية وكان لها حلفاء من قلب أوروبا لكن ذلك لم يحُل دون نشوب صراع، بل حروب بينها وبين دول أوروبية أخرى، عندما تعارضت مصالح الطرفين في أكثر من مكان، ولهذا السبب كانت روسيا الرأسمالية طرفاً في الحرب العالمية الأولى قبل وصول البلاشفة إلى السلطة.
روسيا اليوم، ترى أنها خسرت الكثير من مناطق نفوذها في مجالها الحيوي التاريخي الذي يحدّده انتشار الثقافة السلافية، إضافةً إلى الكنيسة الأرثوذوكسية والذي يشمل جزءاً كبيراً من أوروبا المعروفة بأوروبا الشرقية إضافةً إلى محيط بحر البلطيق. وما لم يحترم الغرب مصالح روسيا التقليدية في هذه المناطق، ولا سيما في الفضاء السوفياتي وفضاء حلف وارسو السابق، فإنّ العلاقات بين روسيا والغرب لن تصل إلى مرحلة التعاون وانتفاء عناصر الخلاف والنـزاع.
لكن الغرب لا يزال حتى الآن يتعامل مع روسيا بمنطق آخر، ويسعى إلى محاصرتها في إطار حدودها القومية، متجاهلاً الإرث التاريخي الطويل لروسيا في مناطق واسعة من أوروبا الشرقية، ومتجاهلاً أنّ أمنها القومي مهدّد ما لم يحترم الغرب هذا الإرث التاريخي وما يختزنه من مصالح هامة وكبيرة لن تتخلى عنها أي قيادة روسية كائنة ما كانت هذه القيادة، وأنّ تكرار ظاهرة بوريس يلتسين لن يحدث في روسيا لا الآن ولا في المستقبل. لكن لا يبدو أنّ الغرب مهيّأ للتعامل بواقعية مع مخاوف وتطلعات روسيا المشروعة على هذا الصعيد، وهنا يكمن جذر صراع لن يتوقف ولن ينحسر مهما بذلت من جهود على هذا الصعيد.
(البناء)