هل يملك جنبلاط مصداقية الاتهام؟
ناصر قنديل
– كان النائب وليد جنبلاط أول من خرج متهماً الدولة السورية ورئيسها وأجهزتها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومع توقيف الضباط الأربعة كان أول الشامتين والشهود الذين وجهوا الاتهام، وعندما تشكلت المحكمة الدولية وبدأت أعمالها وكانت باكورة نتائجها تبرئة الضباط والإفراج عنهم وتبرئة سورية وأجهزتها ورئيسها، وصدر قرارها الاتهامي باتهام حزب الله، حافظ جنبلاط على علاقته بحزب الله، واستخدمها لتطبيع علاقته بسورية، وانقلابه الأخير عليها منذ أربعة أعوام لا صلة له بقضية الحريري مهما حاول الدمج عبر شهادته الكوميدية أمام المحكمة، لأنّ القاصي والداني يعلمان أنّ حفلة العداء الجديدة جزء من تموضع سياسي لحلف إقليمي دولي كامل ومتمّماته اللبنانية في خندق الحرب على سورية، من اعتصام بابا عمرو لجنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة إلى الترويج لاعتدال «جبهة النصرة» بشهادة موحدة التعابير مع تصريح في ذات اليوم لوزير حرب «إسرائيل» موشي يعالون.
– جنبلاط لم يخف أمام المحكمة في شهادته أنه ليس ابن مدرسة الشفافية والحقيقة في الموقف من جرائم الاغتيال التي عايشها وتحدث عنها واستعملها أو تغاضى عنها في مسيرته السياسية، فهو من استخدم مصطلح «المصلحة تقتضي» وكانت «المرحلة تستدعي» في توصيف موقفه المتغاضي عما أسماه معرفته الدقيقة بمن اغتال والده في تطبيق معادلة الحقيقة لحساب المصلحة، ما يعني بالتأكيد قبولاً منطقياً لاستخدام مشابه معاكس، أيّ توجيه الاتهام لأنّ المصلحة تقتضي أو لأنّ «المرحلة كانت تستدعي» ومن ثم يصير سهلاً فهم إعلان براءة من طاولته سهام الاتهام «لأنّ المصلحة تقتضي» أو «لأنّ المرحلة كانت تستدعي»، ومثلهما يمكن فهم مصطلحات مرنة للتلاعب مثل جمع كلمتي «نسامح وننسى»، وكيف تصيران «نسامح ولن ننسى»، أو تصيران «لن نسامح ولن ننسى»، وكيف تدور الدورة عكساً ومراراً بحسب ما يصير التقدير «أنّ المصلحة تقتضي» أو «أنّ المرحلة كانت تستدعي» وما يصحّ بالأقرب وهو الوالد يصحّ بالأبعد وهو الصديق، وهو الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم الأبعد وهو الشيخ وحيد بلعوس.
– الممارسة الخاصة للنائب وليد جنبلاط في السياسة وفي الملفات الأمنية والقضائية وبمناسبة الشعارات المعادية للفساد، ممارساته أيضاً تجاه الفساد وملفاته، لها خصوصية قد تلفت الأنظار وتعجب البعض، أو يجعلونها موضع تندّر، لكنها تسقط عن مواقفه أهلية لازمة وضرورية لاعتمادها في التعرّف إلى الحقيقة، طالما أنّ موضوع بحثنا هو الحقيقة، فجنبلاط يقول ببساطة ذات يوم إنه تقاضى رشوة علناً لمنح استثناء في وزارة كان يترأس هرمها الإداري كوزير، ويتحدّث مرة أخرى عن وجود دفترين للمحاسبة في شركاته واحد يدفع الضرائب على أساسه وآخر يحتسب عليه الأرباح، وسهل عليه إذا أراد الانتقام الشخصي أو السياسي أن يقول عن أيّ كان «سأرميه في السجن»، ويثق بقدرته على توظيف مكانته في الضغط على القضاء لتحقيق ما يريد، وفي السياسة يكفي إعادة قراءة مواقفه وتقلباتها بمعايير لا تمنح شهادته بالجيد أنه جيد أو بالسيّئ أنه سيّئ، لأنها مواقف وصفات تمنح وفقاً لحسابات المصلحة كما يقول علناً.
– أوردت «ويكيليكس» مجموعة برقيات تتصل بجنبلاط، وفي إحدى البرقيات أشار السفير السعودي بعد تقدّم جنبلاط بطلب زيارة المملكة «إلى أنّ مخاوف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من موقف سورية تجاهه تدفعه إلى استرعاء انتباهها بشتى السبل، سواء بالتقرّب من المعارضة اللبنانية أو بإظهار قدرته على إرباك رئيس الوزراء، وفي الوقت نفسه فهو يعمل من أجل إعداد ابنه لتولي خلافته في زعامة الدروز بعد أن أخفق مسعاه لكسب رضا دمشق، وقد يؤدّي عدم اطمئنان جنبلاط لنتائج سلبية تؤثر على المسيرة السياسية التي يقودها الحريري»، ثم طلب السفير من الفيصل الموافقة على طلب جنبلاط زيارة المملكة، وفي برقية أخرى تضمنت تقريراً قدّمه رئيس الاستخبارات العامة السعودية، مقرن بن عبد العزيز، إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز، منح لقاء جنبلاط بأمير قطر بعداً مالياً متصلاً بالحرب السورية، وهذا ما جاء في التقرير «يهدف جنبلاط من زيارته لدولة قطر مؤخراً ولقائه مع مسؤولين قطريين، إلى الحصول على دعم مالي قطري لأيّ حراك شعبي يقوم به الدروز في سورية، هناك تنسيق بين جنبلاط والدروز في سورية، مستفيداً من التواصل الجغرافي والبشري بين منطقة راشيا الدرزية في لبنان ومنطقة السويداء في سورية، يعتزم جنبلاط تقديم جزء من الدعم القطري لشراء السلاح للدروز في سورية، وكذلك دعم المنشقين منهم عن الجيش النظامي للالتحاق بالجيش السوري الحر، وبالتالي مواجهة النظام عبر الخروج في تظاهرات مؤيدة للثورة ومن جهة ثانية، بعث وزير الخارجية آنذاك سعود الفيصل ببرقية إلى ملكه في آذار 2012، شرح فيها الوضع في لبنان، ناقلاً معلومة أمنية مفادها الآتي: «قام الشيخ أحمد الأسير باعتصام في بيروت ضدّ النظام السوري، وهناك من يقول إنّ الشيخ الأسير تحرك بتشجيع من السيد وليد جنبلاط وتمويل قطري، مما حدا بمكتب السيد وليد جنبلاط إلى نفي أيّ علاقة له بتنظيم الاعتصام أو الحث عليه»، وأضاف الفيصل: «يبدو أنّ السيد وليد جنبلاط يهدف من ذلك الضغط على السيدة بهية الحريري كون الشيخ الأسير من صيدا معقل عائلة آل الحريري»، وبعد أن تقدّم السفير السعودي في بيروت بطلب إعادة التواصل بين السعوديين وجنبلاط، والذي رفض بادئ الأمر، بعث السفير ببرقية يقول فيها إنّ جنبلاط يرغب في زيارة السعودية، لـ«التشرّف بمقابلة المقام الكريم أو من يراه» وينقل السفير أنّ «جنبلاط لم يعد يتفق مع توجهات النظام السوري، بل له مواقف في صالح المعارضة السورية، وأنه من المناسب إشعاره بتقدير المملكة عن توجهاته الحالية التي تصبّ في مصلحة حلفاء المملكة»، وفي غضون أيام، بعث نائب وزير الخارجية عبد العزيز بن عبد الله ببرقية إلى الفيصل يبلغه فيها أنه تلقى اتصالاً من مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان، يبلغه فيها أنه «تلقى رسالة بالإيميل من السيد وليد جنبلاط عقب لقاء جنبلاط بسموّكم يوم الثلاثاء 24 أبريل نيسان حيث ذكر له السيد جنبلاط أنه قد أبدى لسموّكم اعتذاره عن مواقفه السابقة وأنه على استعداد للتعاون والعمل وفق رؤية المملكة للأوضاع في المنطقة وبخاصة في الساحة اللبنانية. يأمل السيد فيلتمان تأكيد هذه المعلومات ورؤية المملكة لكيفية التعامل مع السيد جنبلاط لرغبة الجانب الأميركي التوافق مع المملكة بهذا الشأن»، فعلّق أحد المسؤولين السعوديين على هذه البرقية بخط يده وكتب: «بالرغم مما عمله وتقلباته، إلا أن فريق 14 آذار كما قال رئيسه محتاجين للدروز، وإلا لخسروا الجبل، وهذا يعني أنّ ذلك سيعزز فرص نجاحهم في الانتخابات».
– يعرف جنبلاط أنّ وضع الشيخ وحيد بلعوس عشية اغتياله كان يشبه وضع الرئيس رفيق الحريري عشية اغتياله، فكليهما كان ينوي النكوث بما سبق ووعد جنبلاط وآخرين به، وبالنسبة لي يكفي ما سمعته من الرئيس الحريري قبيل اغتياله بتسعة أيام عن الفراق بينه وبين جنبلاط، وعزمه على إعادة ترميم حلفه مع حزب الله وسورية، لأصدّق ما بلغني عن عزم الشيخ بلعوس الاتجاه نحو ترتيب تكامل بينه وبين الأجهزة الأمنية والجيش في سورية بعد رفضه التواطؤ مع الجماعات المسلحة لتسلّم مطار الثعلة في حال التعاون لإسقاطه والسيطرة عليه، ويعلم جنبلاط بالتأكيد أنّ من ألقى القبض على وافد أبو ترابة هم مشايخ وشباب السويداء وهم من قاموا بتسليمه لأجهزة الأمن السوري بعدما ضبطوا اعترافاته واستمعوا إليها بحضور كبار مشايخ السويداء، والحظ لم يحالف جنبلاط هذه المرة لأننا لا نتحدّث عن شريط فيديو لشخص غير موجود ويمكن أن يكون ميتاً كما قال في التسجيل أو مختفياً هو أبو عدس، ويمكن لجنبلاط أن يقول عنه ما يشاء.
(البناء)