لبنان الى الفوضى ؟! د. ليلى نقولا الرحباني
وفي الخطوة الثالثة، تحرّكت مجموعات المجتمع المدني صوب وزارة البيئة، لتعتصم سلمياً داخلها، وتطالب وزير البيئة محمد المشنوق بالاستقالة، وتعيد الحراك إلى النقطة الأولى؛ بالتركيز على الموضوع الأساس الذي بدأت الحملة من أجله، وهو “الزبالة” المنتشرة في الطرقات، والتي باتت مشكلة بيئية وصحية وإنسانية تطال كل إنسان في صحته وصحة أولاده، وفي حياته، وتلحقه بروائحها وأمراضها إلى داخل بيته .
بغض النظر عن صوابية التحرك الأخير الذي قامت هذه المجموعات الشبابية، وهل كانت هذه الخطوة مفيدة للحراك كما يصفها البعض، وأن “إنجاز” احتجاز الوزير لساعات يقوي الحراك ولا يضعفه، أو “متهورة” كما يصفها البعض الآخر من مجموعات الحراك، التي وجدت فيها حرفاً للأنظار عن المتهم الرئيسي بهذه الكارثة، أي السلطة السياسية المتعاقبة منذ عام 1992، والتي أفسدت وهدرت الأموال وملأت جيوبها، إلا أن أحداً في الإعلام لا يذكر كيف نشأت “سوكلين وأخواتها”، وكيف أهدرت موارد الدولة اللبنانية على محاصصة النفايات وغيرها، وكيف هُمّشت البلديات وحُجبت عنها أموالها لصالح شركات خاصة، ما منع تطوير النطاق البلدي، وحرم البلديات موارد مالية هي لها بموجب القانون.
وبغض النظر عن صحة ما أوردته صحيفة محلية في عددها الصادر يوم الأربعاء 2 أيلول، والذي يتقاطع بشكل كبير مع ما كان الوزير نهاد المشنوق قد ألمح إليه في إحدى تصريحاته الصحفية، من أن التغطية الإعلامية للحراك مموَّلة من قطر، وأن “رئيس مجلس إدارة المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشيونال (أل بي سي آي) بيار الضاهر وزوجته رندا سافرا إلى قطر قبل يومين وبقيا فيها 24 ساعة قبل أن يعودا إلى بيروت، وقبلهما، زارت الدوحة نائبة رئيس مجلس إدارة محطة «الجديد»، كرمى الخياط، يوم الخميس الماضي، وعادت في اليوم نفسه”، ما يشي بالكثير من الأسئلة والهواجس لما لقطر من دور في ما يُسمى “الربيع العربي“.
بغض النظر عن كل ذلك، يبقى أن هناك بعض الأسئلة – الهواجس التي تثير قلقاً مشروعاً لدى فئة لا يستهان بها من اللبنانيين:
1- غياب الرؤية والخطاب الموحّد للحراكات التي “فرّخت” أسماء لا تُعدّ ولا تحصى؛ فما الذي يجمع حركة الشعب ومجموعات البعث العراقي وبعض مجموعات القوميين السوريين ببقايا حركة اليسار الديمقراطي التي نزلت تحت شعار “عالشارع”، والتي ظهر أن كل هدفها التصويب على العماد عون والسيد حسن نصرالله؟
2- ما الذي يجمع القوميين العرب والوزير شربل نحاس وحنا غريب ومحمد قاسم، بعماد بزّي المعروف بانتماءاته وتاريخه، والذي عبّر يوماً على مدونته – التي لم يسمع بها أحد وبالرغم من ذلك اعتبرها الأميركيون “الأكثر تأثيراً في العالم العربي”، ومنحوه جائزة لأجلها في بداية “الربيع العربي” – عن انتمائه الواضح بالقول: “أنا، وعلى الرغم من أنه لا مرشح لـ14 آذار في منطقتي، إلا أنني أعتبر نفسي من القوة الناخبة، لأنني صوت بورقة بيضاء؛ كدلالة على أن خياري لا يمر برعد ولا خيبر و لا زلزال ولا رضوان ولا حتى تبنين، بل كنت أصوّت وقلبي في البقاع الغربي مع أمين وهبي، وفي زحلة مع عقاب صقر”؟
علماً أن الادّعاء بأن دخول هؤلاء إلى الحراك يمنع تحركه المشبوه واستغلاله من قبل بعض السفارات، تدحضه تجارب “الربيع العربي”، حيث تحالف القوميون العرب مع “الإسلام السياسي”، فكانت النتيجة أن أقصاهم بعد أن اكتسب مشروعية شعبية واطمئناناً شعبياً، “لعدم انحراف المسار عن خدمة إسرائيل”، كما قيل حينها.
3- أما التساؤل المحوري والأهم: كيف يمكن لمجموعة أحقاد متفجرة في ساحة أن تؤسس لبناء وطن؟
فما أن بدأ الحراك، حتى سمعنا بعض الشيوعيين يعبّرون عن ضرورة إسقاط النظام الذي سمح لحزب الله “باحتكار المقاومة في الجنوب بعد التسعينات”.. وبعضهم الآخر فجّر أحقاداً على المجتمع اللبناني، الذي هو في نظرهم “غشيم، وغنم، ولديه مركبات نقص طائفية”، وبعضهم عاب على بعض الأشخاص في الحراك تأييدهم للنظام السوري، في حين أن ولاء هؤلاء للثورة السورية لم يمنع أولئك من المشاركة في التظاهرات ودعم الحراك.
في النتيجة، يبدو مشهد الشاشات والساحة والاعتصامات والهتافات والتغطية الإعلامية للقنوات اللبنانية وكأنه “فيلم حاضرينو”، فقد شاهدناه مرات عدّة؛ في تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية.. وهكذا، يجد اللبناني نفسه أمام مفصل تاريخي خطير، فإما أن يسمح لأصابع خفية بأن تجرّه إلى الفوضى التي تعيش فيها معظم دول “الربيع العربي”، أو يقف وقفة تاريخية أمام ضميره، ويعود إلى العقلانية فيقول إن الحلول للتخلص من هذا النظام ليست سحرية، وليست بالضربة القاضية في الشارع، ولا يمكن أن تكون إلا بالعودة إلى صناديق الاقتراع، وإعطاء الشعب فرصة لإعادة تكوين السلطة من غير الفاسدين الذين “طلعت ريحتهم“.