«داعش» و«سيناء الشام»: هل يقرّب الخطر بين سوريا ومصر؟ عبد الله سليمان علي
يعبِّر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» عن رؤيته الإستراتيجية بوضوح لافت، ويسمي الأشياء بمسمياتها من دون لفٍّ ولا دوران.
وبينما يوحّد «داعش» جهوده، ويحشد قواه لتنفيذ هذه الإستراتيجية، فإن السمة الغالبة على الدول التي تحاربه هي التشرذم وفتح مسارات مختلفة للمواجهة معه، في ظل استهتار من بعض هذه الدول بالخطر الذي يشكله التنظيم وتوهمها إمكانية توظيفه واستثماره لتنفيذ أجندات داخلية وخارجية.
فبعد «كسر الحدود» التي سعى التنظيم من خلالها إلى الربط بين مناطق سيطرته في كلٍّ من العراق وسوريا، ممهداً بذلك لتأسيس «دولة الخلافة» التي أعلنها أواخر حزيران من العام الماضي، ها هو يصرّح بما لا يدع مجالاً للشك أن تمدده إلى سيناء لم يكن عبثياً أو وليد الصدفة، بل جاء في سياق مشابه لعملية «كسر الحدود». فهو يعتبر أن سيناء تشكل جزءاً لا يتجزأ من بلاد الشام التاريخية، التي لا يخفي طموحه في أن تكون السيطرة عليها بمثابة المرحلة الأولى من إستراتيجيته الطويلة الأمد.
وكان من اللافت أن المكتب الإعلامي في «ولاية سيناء» التابع لتنظيم «الدولة الإسلامية» قد استخدم مصطلح «سيناء الشام» أكثر من مرة في الإصدار الذي نشره أمس بعنوان «حصاد الأجناد»، وهو ما جعل الرسالة مزدوجة. فمن جهة، إن الربط بين سيناء والشام يحيل إلى أطماعه في السيطرة على بلاد الشام التاريخية، ومن جهة ثانية، فإن عنوان «حصاد الأجناد» يذكر بالخطة التي أطلقها التنظيم في رمضان العام 2013، وكانت نتيجتها السيطرة على مساحات شاسعة في كل من العراق وسوريا. وبالتالي فإن مصطلح «سيناء الشام» لم يكن مجرد مصطلح عابر في إصدار آخر من إصدارات التنظيم المتقنة على الصعيد الفني والتقني، بل هو تعبير واضح عن حقيقة الإستراتيجية التي يتّبعها.
وتاريخياً تضم بلاد الشام كلاً من «سوريا (بما فيها المدن الواقعة تحت حكم تركيا) ولبنان والأردن وفلسطين والعراق وأجزاء من السعودية (الجوف ومناطق حدودية شمالية) وسيناء». والملاحظ أن نشاط «الدولة الإسلامية» يتركز في بعض هذه الدول مثل العراق وسوريا، بينما يتصاعد في دول أخرى مثل مصر «سيناء» والسعودية. ويعزز من ذلك أن قيادات التنظيم، وعلى رأسها أبو بكر البغدادي وأبو محمد العدناني، خصّا الرياض وسيناء بفقرات من خطب سابقة لهما حضّا فيها على «النفير» إلى هذه الدول وزيادة وتيرة الاستهدافات فيها.
وبناءً على ذلك، ليس من الصعب الاستنتاج أن خطر «داعش» لا يقتصر على دولة من دون أخرى، بل يشمل المنطقة برمّتها، من نهر الفرات شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى الحدود التركية شمالاً وأرض الحجاز التاريخية جنوباً.
غير أن هذا الخطر الداهم والمحدق الذي باتت تتحسّب له معظم دول العالم، وتخشى من وصول ارتداداته إلى دولها، لم يكن كافياً على ما يبدو لدفع دول المنطقة إلى التنسيق في ما بينها، وتوحيد جهودها لمواجهته. بل على العكس هناك العديد من المؤشرات التي تدل على أن بعض هذه الدول ما تزال تقدم الدعم المباشر، وغير المباشر، إلى «الدولة الإسلامية» وغيره من التنظيمات التكفيرية الأخرى، لاعتقادها أن ذلك يخدم أجنداتها السياسية في إطار الصراع بين المحاور الذي تشهده المنطقة. أما الدول التي لا تدعم التنظيم، فإنها لا تحاول تقديم أي مساعدة لجيوش الدول التي تخوض مواجهات كبرى ضده، وخصوصاً في سوريا والعراق، متناسية أن الخطر في وقت من الأوقات، لن يستثنيها. هذا عدا السياسة الأميركية المريبة التي تحاول إدارة اللعبة بأسلوب يتيح إطالة مدتها لغايات تخدم مصالحها.
والسؤال: هل ستستمر بعض الدول في التعاطي مع تنظيم «داعش» على أنه مجرد تهديد داخلي يمكن مواجهته، والسيطرة عليه بجهد من جيشها وأجهزتها الأمنية، أم ستصل إلى القناعة التي لا بد منها وهي أن المواجهة ينبغي أن تكون على مستوى الخطر. وبما أن الخطر جماعي ينبغي أن تكون المواجهة جماعية، وإلا فلن يكتب لها النجاح؟
وهذا يقود إلى تساؤل مشروع، وهو هل ستقرأ السلطات المصرية ما بين أسطر وأحرف رسالة «سيناء الشام» بدقة وتمعّن، وتتعامل معها كما يجب من خلال رفع مستوى التنسيق الأمني والاستخباراتي، وحتى الديبلوماسي، مع السلطات السورية، أم سيبقى هذا التنسيق خاضعاً لشروط اللعبة الأميركية كما هي الحال بين الجيشين السوري والعراقي؟
وبالإضافة إلى هذه الرسالة المزدوجة، اشتمل الإصدار السابق على رسائل أخرى لا تقل عنها أهمية، خاصة أنها تأتي في سياق تدعيم طموح التنظيم في السيطرة على سيناء. ويمكن استشفاف هذه الرسائل من بعض المقاطع التي احتواها الإصدار. ومن هذه الرسائل نوعية الأسلحة التي ظهرت في بعض العمليات، والتي يريد «داعش» من خلالها الإشارة إلى القفزة النوعية التي حدثت على صعيد تسليح فرعه في سيناء، وبالتالي الإمكانات الجديدة التي بات يمتلكها. وعلى رأس هذه الأسلحة صواريخ «كورنيت» المضادة للدروع، وهي المرة الأولى التي يقر فيها التنظيم بامتلاكه هذه الصواريخ في مصر.
وما أثار الانتباه أن التنظيم استخدم هذه الصواريخ في استهداف فرقاطة بحرية مؤخرا، وفي تدمير العديد من دبابات «أم 60» ومدرعات «أم 113». والرسالة الثانية، إثبات أن «ولاية سيناء» تسيطر سيطرة فعلية على بعض مناطق الشيخ زويد ورفح، وبالتالي لا يقتصر نشاطها على تنفيذ عمليات سريعة ثم الانكفاء إلى مخابئ سرية. وهو ما ظهر من خلال سهولة حركة المسلحين، واجتياز أرتالهم، التي هاجمت كمائن الجيش في رمضان الماضي، مسافات طويلة من دون أن يتعرض لها أحد، وكذلك من خلال قدرة عناصرها على قطع خطوط إمداد الجيش المصري. والرسالة الثالثة، تتمثل في وجود حاضنة شعبية للتنظيم، وهو ما حاول الإصدار التركيز عليه من خلال عرض مشاهد لأحد أرتاله العسكرية وهو يعبر الشارع وسط ترحيب من بعض الأهالي.
والرسالة الأخيرة، وهي موجهة إلى التيارات الإسلامية، مفادها أن التنظيم لن يتدرج في التعامل معها كما فعل في سوريا، بل هو مصر على التمايز عنها، وإعلان موقفه منها بغض النظر عن تداعيات ذلك. لذلك كرر مرة جديدة حكمه على جماعة «الإخوان المسلمين» و «السلفيين» بأنهم مرتدون لقبولهم بالديموقراطية «الكفرية» ودخولهم في برلمان الطاغوت.
إلا أن التنظيم ما زال يتحاشى لحد الآن الإشارة إلى بعض التنظيمات «الجهادية» التي ظهرت في الساحة المصرية مثل «المرابطون» بقيادة هشام العشماوي و «أجناد مصر» بقيادة عز الدين المصري، رغم أن الأول لم يخف تأثره بمنهج تنظيم «القاعدة».
(السفير)