ملحوظات على هامش إنتفاضة أخرى! ثريا عاصي
يطول الكلام عن مركّبات السلطة في لبنان، التي لا يُنكِر تشوّهها وغرابتها أحد، ومن ضمنهم الدّاخلين والمشاركين فيها. بمعنى أنّ المُفسد في السلطة اللبنانية يعترف بتماديه في الفساد، والسارق يتباهى بفعلته. بل أكاد أن أقول، إنّ الرشوة والمنافسة غير العادلة والرّبح بأيّة وسيلة ممكنة، أي بالخداع والتزوير وسوء الأمانة أيضاً، والوساطة والمحسوبية والأنانية، هي جميعها ممارسات مُتفشّية في المجتمع ولكن مسكوت عنها. أنا لا أعتقد أنّه يوجد لبناني بالغ واحد في لبنان، لم يضطرّ إلى دفع رشوة لموظف دائرة النفوس للحصول على إخراج قيد، على سبيل المثال، أو إلى أن يتوسّل متنفّذ أن يتوسّط له في إنجاز معاملة، أو في «النجاح» في مباريات اختيار موظفين.
يلاحظ المراقب، في هذا السياق أيضاً، خطاباً لبنانياً مناقضاً للممارسات المُشار إليها، يقتصر على العموميّات، ولا يتناول وقائع محدّدة وتصرفات شخص بعينه. ليس نادراً أن يكون الداعية إلى السلوك الحسن وإلى سموّ الأخلاق، وزير لبناني لص معروف، أو حوت من حيتان إدارات الدولة!
لا أظن أنّ التحقق مما أقول يحتاج إلى البحث والتدقيق. لا حَرَجَ في القول إنّ المرض منتشر في كافة ثنايا المجتمع، فتجد أعراضه في توزيع المياه، وتجارة الكهرباء، وفي الدائرة الرسمية، في التوظيف، في المدرسة والجامعة، وحتى في الامتحانات الرسمية.
في هذا الـ«لبنان» ظهر، كما هو معروف، عملاء كثيرون للمستعمرين الإسرائيليين، وفيه خرج علينا في السنوات الأخيرة مسؤولون سياسيّون وإعلاميّون، يريدون مقايضة دعمهم للجماعات المسلحة في جرود البقاع، بانسحاب رجال المقاومة اللبنانية من سوريا، ولم يتورّعوا أحياناً عن وصم المقاومة بالإرهاب، تعقيباً على العمليات العسكرية ضدّ مواقع المستعمرين الإسرائيليين. لا بُدَّ من التذكير أيضاً بأنّ الأخيرين غزوا لبنان سنة 1982، فلم يلقَ الغزاة أثناء توغّلهم حتى بيروت، مقاومة، لا من الدولة، ولا من الشعب!
في هذه الأجواء، وعلى هذه التربة، نشأ في الواقع لبنانان. لبنان الذي قاوم الاحتلال وما يزال ممسكاً بالبندقية، ولبنان ثان، سعوديّ الهوى يلتزم التبعية للإمبريالية الأميركية الأوروبية، بالتالي توكّل قادته أمرَ التطبيع مع المستعمرين الإسرائيليين. حاولوا ذلك أثناء الاحتلال الإسرائيلي سنة 1983، لم ينجحوا، فكرّروا المحاولة في حرب تموز 2006 وفشلوا مرة ثانية. أغلب الظن أنّهم يعاودون الكرّة مرّة ثالثة من خلال الحرب على سوريا، والتهديد بتوسيع رقعتها لتشمل لبنان. ليس مستبعداً في السياق نفسه، أن تكون المعارك التي اندلعت في الأسبوعين الماضيين، في مخيّم اللاجئين الفلسطينيين، في عين الحلوة، في مدينة صيدا، مؤشّراً على اقتراب موعد الانفجار.
بكلامٍ واضحٍ وصريح، لقد شهد لبنان على خلفية الحرب في سوريا، مواجهاتٍ عنيفةً وأحداثاً مؤلمة، كمثل اختطاف عسكريّين وإعدام اثنين منهم ذبحاً، وكمثل إرسال السيارات الملغّمة إلى ضاحية بيروت الجنوبية، بقصد قتل الناس على أساس مذهبي. تأسيساً عليه، من الطبيعي أن يتوخّى المراقب المنطق والمعرفة والدّقة حيال «الانتفاضات والثورات» التي تولد فجأة، دون فترة حمل علنيّة، وسط المناورات المتنوعة وأصوات طبول الحرب، لا سيّما أنّ «الثورات» في بلاد العرب، هي عادةً، مرادفة للاقتتال الطائفي أو القبلي. فما بالك إذا حدّثك محدِّث، في هذا الزمان، زمان الدولار النفطي، عن ثورة في لبنان، حيث أصيبت الدولة بالتفليس. تذكّر ثورة 1958 وثورة 1975..!
(الديار)