القاهرة تكتفي ذاتيا: تسفي برئيل
لم يكلف أي زعيم اسرائيلي نفسه عناء الاتصال بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتهنئته على اكتشاف حقل الغاز الذي من شأنه انقاذ بلاده من مشكلاتها الاقتصادية. لأن مصر التي تحارب الارهاب، وهي شريكة في الحرب ضد حماس وقطاع غزة و»الضفة الغربية» واسرائيل.مصر اكتشفت شريان حياة في البحر وحطمت حلم اسرائيل بالارباح. فقد انخفضت البورصة واهتزت شركات الغاز الاسرائيلية التي استخدمت حتى الآن كل الألاعيب والحيل من اجل نهب الخزينة.
والاخطر من ذلك هو تدخل مصر بطريقة فظة في الشأن الاسرائيلي الداخلي في أعقاب الاكتشاف الوقح. فقد اضطرت بنيامين نتنياهو إلى خلع بدلة الاكاذيب والنظر إلى شركات الغاز ببياض العيون، وما فشلت في فعله لجنة شيشنسكي وآريه مخلوف درعي والمعارضة الوهمية و»الصحافة المعادية» نجحت مصر في فعله باكتشافها للغاز الذي هو حرب يوم غفران اقتصادية، حينما أدخلت أنبوب القدح ففجرت بالون الاستراتيجية التي عانقت بدفء كاذب صيغة الغاز.
في البداية استند نتنياهو إلى حليفته إيران من اجل بيع استراتيجية الدفاع عن شركات الغاز. واذا لم تكن امكانية لوقف التوقيع على الاتفاق النووي، فيجب على الاقل استغلاله في صالح تسريع الموافقة على صيغة الغاز.
الاتفاق النووي كما قال في خطابه يُدخل لسوق الغاز منافس سيء وفظيع، يخفض اسعار الغاز ومدخولات اسرائيل. لذلك يجب تسريع الموافقة على صيغة الغاز.
هناك حاجة لقدر كبير من الوقاحة والاستخفاف بالجمهور من اجل تقديم هذا التعليل. هل مستهلكي الغاز مثل الدول الاوروبية وتركيا لا تعرف أنه ينتظرها خلف الزاوية غاز إيراني رخيص؟ هل ستوافق احداها على الالتزام بالسعر الاسرائيلي المرتفع، في الوقت الذي فيه بعد عام أو عامين سيتراجع سعر الغاز. وما لم يُقل هو إن مصر تعارض بشكل مبدئي شراء الغاز أو النفط من إيران؛ وإن علاقة الاردن مع إيران باردة إلى درجة التجميد، أما تركيا التي تعتبر في اسرائيل دولة عدو فهي تشتري الغاز من إيران وروسيا.
لكن من قال إن هناك صلة بين الوقائع والقرارات؟ اذا كان يجب بيع الصيغة فيمكن تجنيد الأعداء ايضا، الخداع والتهديد مسموحان. كان يمكن لنتنياهو أن يبني على أن كل شيء يرتبط بإيران، سواء كان نووي أو غاز، يأسر القلب أو يعمي العيون. وماذا لو لم يكن الاتفاق النووي قد وقع، ولم تكن إيران تهدد بمنافسة الغاز الاسرائيلي، هل كانت شركات الغاز في حينه ستتكرم على اسرائيل بسعر أرخص وشروط أفضل؟ حسب منطق نتنياهو فان إيران أفضل بدون اتفاق نووي يهدد ارباح شركات الغاز، من إيران مع اتفاق يؤجل لفترة طويلة التهديد الأمني.
صحيح أن مصر كانت زبونة ممكنة. فقبل سنة هيأ متحدثون مصريون رسميون الرأي العام لاحتمالية توقيع اتفاق الغاز مع اسرائيل. لكن «غاز» و»اسرائيل» لا يُهضمان جيدا في البطن المصرية. بعد محاكمة حسني مبارك بالتحديد بسبب بيع الغاز الرخيص لاسرائيل في الوقت الذي تحتاج فيه مصر لهذا الغاز. قبل اكتشاف الغاز تحدثوا في مصر عن الخطر على الامن القومي الذي يسببه التعلق بالغاز الاسرائيلي، وأنه ستكون لاسرائيل قوة في وجه مصر عن طريق الغاز. الآن يستطيع السيسي تنفس الصعداء. فسيكون له الغاز الخاص به ويمكنه تجنيد المستثمرين وتقليص التضخم في الميزانية وتسديد الديون وايجاد آلاف اماكن العمل. مسموح لنا أن نفرح لفرحه. فالسيسي لم يسرق شيء من اسرائيل وهو يستطيع منحها جارة مع وضع اقتصادي أفضل قليلا. وهذا أمر جيد.
هآرتس