مخيّم عين الحلوة : حروب المخيّمات ! ثريا عاصي
أغلب الظّن أنّ حرب المخيمات التي تدور رحاها في مخيّم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة، في ضاحية مدينة صيدا اللبنانية، الجنوبية، تختلف عن حروب المخيمات الفلسطينية في لبنان، التي سبقتها. يحسن التذكير بالمناسبة لعلّ الذكرى تنفع، أنّ المستعمرين الإسرائيليين بادروا في سنة 1974 إلى إطلاق عملية محو مخيمات اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان، بقصف مخيّم النبطية حتى صار ركاماً. بعد ذلك تناوبت الميليشيات الطائفية على محاربة المخيمات، كل ميليشيا بدورها. مخيم جسر الباشا ومخيم تل الزعتر سنة 1976. مجزرة صبرا وشاتيلا في 15 أيلول 1982، ثم حرب صبرا وشاتيلا في 1986، مخيم نهر البارد 2007.
بموازة اعتصام جموع من اللبنانيين في ساحة رياض الصلح في بيروت احتجاجاً على اهتراء نظام سياسي استهلكه أمراء الطوائف حتى النخاع، اشتعلت حرب مخيم عين الحلوة للّاجئيين الفلسطينيين التي تتميّز عن حروب المخيمات الأخرى في لبنان، بكونها اقتتالاً بين الفصائل الفلسطينية نفسها، ضمن حدود الحصار المضروب مبدئياً، حول المخيم.
وبحسب الأخبار المتداولة، يبدو أنّ ما يجري هو مصادمة بين فصائل الإسلاميين، على اختلاف مُسميّاتها وعباءاتها، من جهة، وبين فصائل السلطة الفلسطينية في رام الله من جهة ثانية. بالتالي، ليس مستبعداً أن نكون في عين الحلوة حيال حرب تشبه حرب قطاع غزة بين حماس وبين حركة فتح، التي تغلّبت فيها حركة حماس وتمكّنت من إنشاء سلطة لها، أو دولة ! فسارع المستعمرون الإسرائيليون إلى الإعلان عن أنّ قطاع غزة «كيان معاد «بالضّد من سلطة رام الله.
من المحتمل إذا صحّت هذه المقاربة، أن تكون الغاية من الحرب في عين الحلوة هي تأسيس سلطة في المخيم يتولاها الطرف المنتصر!
ما هي أهداف هذه السلطة في المخيم وخارجه ؟ يوجد في هذا السياق، فرضية ثانية، مؤدّاها أنّ الهدف هو إلغاء المخــيم وتفــرقة الفلسطينيين، أو دمجهم في المجتمع اللبناني، توطينهم، طمساً نهائياً لهويتهم الفلسطينية.
السؤال الذي ينهض على هامش هذه المسألة هو، إلى متى يبقى الفلسطينيّ فلسطينياً في مخيم للاجئيين. أو بتعبير آخر، ما هي العلاقة التي تربط سكان المخيم من الجيل الثالث أو الرابع، بعد النكبة في سنة 1948، بفلسطين؟ هل يبقى مخيم اللاجئين الفلسطينيين فلســطينياً عــندما يخبو الأمل بالعودة ويصير المخيم مكان إقامة دائمة، في غياب مناضلين من طينة جورج حبش وغسان كنفاني وناجي العلي، على سبيل المثال لا الحصر طبعاً؟
يستتبع ذلك سؤال لا مفرّ من الإجابة عنه. لماذا يقتني سكان المخيم السلاح؟ من هي الجهة التي ترسله ومن أدخله الى المخيم؟ إنّ تجربة العمل الفدائي الفلسطيني في نهاية ستينيّات القرن الماضي أثبتت أنّ الخطورة التي يمثّلها المستعمرون الإسرائيليون تشمل جميع الشعوب المحيطة بفلسطين. هل يعقل أن يعاود الفلسطينيون تجربة العمل المسلح من جنوب لبنان، دون مشاركة اللبنانيين؟ بالطبع لا. ينبني عليه أنّ وجهة استخدام السلاح في المخيمات هي في الواقع الاقتتال، إمّا الفلسطيني ـ الفلسطيني وإمّا الفلسطيني ـ اللبناني. المستفيد هم الذين أرسلوا وأدخلوا السلاح إلى المخيم. هذا السلاح ليس بالقطع سلاحاً من أجل مقاومة المستعمر الإسرائيلي !
يتطلّب النضال ضدَّ المستعمرين الإسرائيليين تحالف الشعوب العربية، كون خطر هذا الاستعمار يتهدّدها جميعاً. وبالتالي فإنّ المرحلة الأولى والأساسية في هذا النضال، هي عقائدية وفكرية وسياسية بقصد رفع مستوى وعي الشعوب المتضررة من الاستعمار، تمهيداً لتجييشها ضدّه بكل أشكاله وضد أتباعه وأعوانه!
(الديار)