إعلان الصفقة المنتظرة لمناقصات النفايات.. والمفاجأة بالأسعار المرتفعة! حبيب معلوف
لم يكن يحتاج وزير البيئة محمد المشنوق الى تلك المقدمة التاريخية عن القرارات الحكومية للإعلان عن نتائج مناقصات النفايات، للتدليل على مسؤولية الحكومة مجتمعة عما وصل اليه هذا الملف من كارثة. فالمتابعون لسير عمل هذا الملف، حكوميا، انتقدوا منذ اللحظة الأولى توجه الحكومة واللجنة الوزارية في طريقة إدارة هذا الملف بخطة عوجاء من دون استراتيجية، استندت إلى مقولة ضمنية تقول: لإنجاح أي خطة تحتاج الى مطمر جديد يجب التنسيق مع «زعماء المناطق»، ولا يهم ما هي المواصفات الفنية والتقنية والشروط البيئية. كما لا يهم ان تكون للعارض أي تجربة في العمل بهذا القطاع (كما تبين من سيرة كل العارضين الفائزين)، المهم ان يحظى برضى القوى السياسية النافذة في المنطقة، مع تأكيد أكثر من خبير بهذا الملف ان إشراك شركات أجنبية يمكن ان يكون شكليا بالكامل. وقد ترجم هذا التوجه بقرارات مجلس الوزراء بتقسيم المناطق الى 6 مناطق حملت اسم «مناطق خدماتية»، ليس من اجل خدمة أهالي المنطقة بمعالجة نفاياتهم، بل من اجل خدمة القيادات السياسية للاستفادة من هذا القطاع. ولذلك ايضا، وتسهيلا لهذا الاستثمار، تم اقتراح ان تكون التقنيات مفتوحة أمام العارضين ليختاروا منها ما يرونه مناسبا! وكذلك الأمر بالنسبة الى مواقع المعالجة التي لا تخضع للشروط الفنية والبيئية بقدر ما يجب ان تخضع لقبول صاحب ارض او رئيس بلدية او مختار، وبالتغطية السياسية المطلوبة.
لم تستغرب أي من المصادر البيئية المتابعة كيفية فوز العارضين بالمناقصات أمس. وقد اكد البعض ان تسويات حصلت وتقاسم للمناطق، اما بين السياسيين او بين العارضين أنفسهم، او بين مختلف الأطراف جميعا. الا ان المفاجأة ان الأسعار التي رست على الفائزين كانت في معظمها (بين 151 و ٢١٥ دولار/ طن) اعلى من أسعار «سوكلين» التي كانت تتراوح بين 140 و 150 $ /طن والتي لم يستطع تفسيرها وزير البيئة!
وعبثا يحاول وزير البيئة إخفاء الخلاف على المواقع المختارة وتأجيل الإعلان عنها لتصدر بقرار عن مجلس الوزراء… فتأخير الإعلان عن المواقع، شبيه بتأخير إعلان الفائزين بالمناقصات بانتظار التسويات، وان أحدا في ظل هذه الأجواء لن يستطيع ان يفرض أي محاصصة مكشوفة على الناس في اية منطقة من لبنان، لاسيما مناطق بيروت وجبل لبنان، مع الإشارة الى ان الفائز في بيروت والضاحية ملزم ان يختار مطمرا ما في جبل لبنان. هذه العقدة التي باتت تاريخية والتي لم تنجح أي حكومة بحلها، عبر اختيار بديل عن مطمر الناعمة، لن تستطيع حكومة مفككة ومشلولة كهذه الحكومة ان تفكها، ولا ان تفرض مطامر، لم تأتِ من ضمن قرار لمجلس الوزراء استراتيجي وفني وعادل ولا ضمن خطة مقنعة.
كما يفتقد الإعلان عن نتائج المناقصات امس، الإشارة إلى كيفية تأمين «البديل المؤقت» بانتظار ان يتم التعاقد مع الشركات الفائزة وإجراء مناقصات الإشراف والبدء بالتنفيذ وكيفية معالجة الأزمة الحالية وعلى فترة 6 أشهر، بحسب تقديرات وزير البيئة؟! مع إشارة الخبراء اكثر من مرة الى ان الوقت الزمني الذي تحتاجه الشركات لإجراء العقود والبدء بالإنشاءات المطلوبة يحتاج الى ما يقارب السنة، هذا اذا نجحت هذه الشركات او الحكومة مجتمعة باقناع الناس بالمواقع المختارة، وهو شبه مستحيل لاسيما في المناطق الحساسة في جبل لبنان!
وعليه، لا يمكن الاستنتاج ان الإعلان عن نتائج المناقصات أمس شكل أي تقدم في معالجة هذا الملف وهذه الكارثة المتمادية يوما بعد يوم. وقد نصح أكثر من خبير محايد بان يتم استغلال جلسة الغد لمجلس الوزراء للبحث في خطة طوارئ تكون مطعمة بقرارات إستراتيجية تقوم على مبادئ التخفيف والفرز من المصدر، افتقدت اليها قرارات الحكومة السابقة ودفاتر شروط المناقصات، واعتبار هذه المناقصات كأنها لم تكن، وربح الوقت الضائع قبل أن ياتي الشتاء فتطوف الشوارع بالنفايات وندخل بكارثة اكبر.
فماذا في نتائج المناقصات التي أعلن عنها رئيس اللجنة وزير البيئة محمد المشنوق؟ وما كانت المواقف من هذه المناقصات لاسيما مواقف حملة «طلعت ريحتكم» والتحالف المدني البيئي الرافضة لهذه المناقصات ؟ بالإضافة إلى بعض أوضاع المناطق التي تم تسجيلها أمس؟
أعلن امس وزير البيئة محمد المشنوق نتائج العروض المالية لمناقصات النفايات الصلبة إثر اجتماع اللجنة الوزارية والفنية المكلفة درس العروض التي انعقدت في مقر مجلس الانماء والاعمار بمشاركة كل من وزير البيئة، وزير المال علي حسن خليل، وزير الداخلية نهاد المشنوق، وزير التنمية الادارية نبيل دو فريج، الامين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل ورئيس مجلس الانماء والاعمار نبيل الجسر.
وقد عرض نتائج فض العروض على الشكل التالي:
أـ بالنسبة للمنطقة الخدماتية الثانية (أي قسم من المتن، وكسروان، وجبيل)، اجتازت المرحلة الإدارية والتقنيّة شركتان من أصل 3 هما: المجموعة اللبنانية ـ الايطالية (BUTEC-INDEVCO-PIZZORNO) والمجموعة اللبنانية ـ البلغارية (ARACO-SORIKO)؛ فيما العروض المالية أتت كالتالي:
ـ السعر الأدنى لمجموع الكنس والجمع والمعالجة والطمر للمجموعة بوتيك إندفكو (نعمة فرام): 171,6 $/الطنّ
ـ السعر الثاني للمجموعة أراكو (جهاد العرب): 178,59 $/الطنّ
ب ـ بالنسبة للمنطقة الخدماتية الثالثة (أي قسم من بعبدا، وعاليه، والشوف)، اجتازت المرحلة الإدارية والتقنيّة شركة من أصل 2 هي: المجموعة اللبنانية ـ الاسبانية (الجنوب للإعمار ـ رياض الاسعد) مع (Hera Holdings ـ Guinea Limpea) وعرضها المالي هو التالي: 153 $/الطنّ.
ت ـ بالنسبة للمنطقة الخدماتية الرابعة (أي الشمال وعكّار)، اجتازت المرحلة الإدارية والتقنيّة الشركتان اللتان تقدّمتا: اللبنانية ـ الايطالية (BATCO-LAVAJET-DANECO والمجموعة اللبنانية ـ البلغارية (الجهاد للبناء وشركة SORIKO)؛ فيما العروض المالية أتت كالتالي:
ـ السعر الأدنى للمجموعة باتكو ـ لافاجيت (انطوان ازعور): 189,3 $/الطنّ
ـ السعر الثاني للمجموعة الجهاد ICC: 199.68 $/الطنّ
ث ـ بالنسبة للمنطقة الخدماتية الخامسة (أي الجنوب والنبطيّة)، اجتازت المرحلة الإدارية والتقنيّة 3 شركات من أصل 4 هي: المجموعة الكويتية ـ اللبنانية (NCC-WARD)، والمجموعة اللبنانية ـ البلغارية (الجهاد للبناء وشركة SORIKO) والمجموعة اللبنانية ـ الايطالية (DANASH-LAVAJET-DANECO)؛ فيما العروض المالية أتت كالتالي:
ـ السعر الأدنى الرابح للمجموعة ورد NCC (شريف وهبة): 151.86 $/الطنّ.
ـ السعر الثاني للمجموعة دنش: 193,72 $/الطنّ.
ـ السعر الثالث للمجموعة الجهاد ICC : 205,07 $/الطنّ.
ج ـ بالنسبة للمنطقة الخدماتية السادسة (أي البقاع وبعلبك ـ هرمل)، اجتازت المرحلة الإدارية التقنيّة الشركات الثلاث التي تقدّمت وهي: المجموعة الكويتية ـ اللبنانية (NCC-WARD)، المجموعة اللبنانية ـ الايطالية (KHOURY Contracting-LAVAJET-DANECO)والمجموعة اللبنانية ـ البلغارية (الجهاد للبناء وشركة حمّود وشركة SORIKO)؛ فيما العروض المالية أتت كالتالي:
ـ السعر الأدنى الرابح للمجموعة الجهاد: $148,95 ICC/الطنّ.
ـ السعر الثاني للمجموعة ورد NCC: 172,15 $/الطنّ.
ـ السعر الثالث للمجموعة لافاجيت : 215 $/الطنّ.
ح ـ بالنسبة للمنطقة الخدماتية الاولى (أي بيروت وضاحيتيها)، اجتازت المرحلة الإدارية والتقنيّة شركة واحدة من أصل 3 هي: المجموعة اللبنانية ـ الايطالية (BATCO-LAVAJET-DANECO) (ازعور) وعرضها المالي هو التالي: 168,63 $/الطنّ.
ماذا في الـ6 أشهر القادمة؟
وقد اشار المشنوق الى الفقرة 4-6 من قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 12/1/2015، الذي يحصر تلزيم المتعهّد في منطقتين خدماتيّتين على الاكثر؛ مشيرا ايضا إلى أنّ النتائج هذه مبدئية حيث يجري حالياً التقييم الروتيني للعروض الماليّة قبل أن ترفع اللجنة تقريرها إلى رئاسة مجلس الوزراء غداً. كما اكد انه ستتم متابعة تسيير مرفق النظافة الحيوي لغاية توقيع عقود المناقصات التي تناولناها واتمام التجهيزات اللازمة من قبل الفائزين؛ وهذه الفترة ستستغرق أقلّه 6 أشهر. بالاضافة الى اتمام مفاوضات التعاقد مع الفائزين، وإطلاق مناقصات الإشراف على التنفيذ. بالإضافة الى استكمال تشييد مراكز المعالجة المموّلة من الاتحاد الأوروبي من خلال مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية.
كما اعتبر ان مراجعة دفاتر التلزيم لمناقصات التفكّك الحراري التي سيسلّمها الاستشاري الدولي في 24 من الشهر الجاري، واتّخاذ القرار المناسب بشأنها لجهة العدد، السعة، المواقع، وصولاً لإطلاق المناقصات والتلزيم لتكون جاهزة للتشغيل قبل انتهاء مدّة العقود التي تحضّر حالياً، والمحدّدة بـ7 سنوات. بالإضافة الى استكمال دراسة تقييم المخاطر الصحيّة المحتملة لمطمر الناعمة ومكبّ طرابلس، وتطبيق برنامج المراقبة البيئية الخاصّ بهما والذي يعدّ حالياً واستكمال توليد الطاقة من مطمر الناعمة لتوزيعها على القرى المجاورة، بالإضافة إلى متابعة صرف الحوافز المالية التي تمّ تخصيصها بموجب القانون 280/2014. وإعادة تأهيل المكبّات العشوائية المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، والتي يفوق عددها الـ 760؛ والربط بينها وبين تأهيل مواقع المقالع المهجورة.
أسعار اعلى من «سوكلين»!
وردا على سؤال حول كيفية اختيار المطامر قال وزير البيئة «ستُعرَض هذه المشكلة على مجلس الوزراء»، مستدركا «في العروض توجد مطامر ولكن لن أكشف عنها اليوم كي نتفادى مشاعر النــاس رغم أن عدداً من المطامر يحوز على موافقات، وسيتخذ مجلس الوزراء قراراً في موضوع المطامر يوم غد (اليوم)».
وعن صحة المعلومات عن تقديم ملحق لعرض في البقاع قال «لم يتم تقديم ملحق بل هذا الملحق كان موجوداً مع العرض وتم تثبيته من حين تقديم العروض وفيه حسم 20 % عن الرقم الذي كان مقدماً وهذا طبيعي».
وعما سيجري من الآن، ولغاية ستة أشهر قال «كان دولة الرئيس سلام واضحاً عندما تحدث عن أن لا حلول سحرية ونحن كلنا مسؤولون كقوى سياسية عن قصة المطامر ولا يجوز لأحد أن يتلكأ وهذا مطلبنا في مجلس الوزراء غداً (اليوم)، ومن المعيب على بلد بحجمنا ألا نجد مطامر (من 3 الى 5 ) في وقت يوجد 760 مكباً وربما أصبح العدد ألفا وأنتم تعرفون الفارق بين المطمر وبين المكب ومخاطر المكب الصحية».
وعن إمكان إعادة فتح مطمر الناعمة قال المشنوق: «لا يمكن العمل من دون مطامر وسنردم فيها العوادم وستكون مجهزة لسحب الغاز وتوليد الكهرباء إضافة الى إعطاء حوافز». وأضاف «ناشدت النائب وليد جنبلاط وكل شخص موجود في كل المناطق يستطيع تقديم مطمر صحي لهذا البلد وهذا ليس معناه مكباً عشوائياً»، معتبرا أن «سوكلين» و«سوكومي» قاما بعمل جيد جداً في مطمر الناعمة، «ولولا دفع نفايات عضوية في اتجاههم لكان مطمر الناعمة يُعتبر مطمراً مثالياً في العالم ولست أنا من يقول هذا الكلام بل منظمة الصحة العالمية والمستشارون الذين قاموا بالكشف، واذا وافق أهالي الناعمة على فتح المطمر لمدة 6 اشهر فيكونون بصدد تقديم شيء كبير للوطن واذا لم يوافقوا فسنبحث عن مطامر أخرى».
وعن الأسعار المقدمة والتي تبدو مرتفعة عن أسعار «سوكلين» قال «طرحنا مناقصة من 5 الى 7 سنوات والشركات على أساسها تقوم بحساباتها وترى الاكلاف والجدوى الاقتصادية وتقترح».
التحالف المدني البيئي ينتقد المهزلة
أصدر التحالف المدني البيئي الذي تأسس الأسبوع الماضي لمواكبة أزمة النفايات والذي يضم مجموعة كبيرة من المنظمات البيئية والمدنية والخبراء، بيانا امس اعتبر فيه ان اللاسياسات المتبعة من قبل الحكومات المتعاقبة منذ العام 1994 هي التي أوقعتنا بكارثة النفايات وانعكاساتها المأساوية على الشعب اللبناني وبيئته. وجاء البيان اثر اجتماع عقده التحالف للنقاش ودرس الحلول السليمة وللخروج برؤية مشتركة لحل هذه المشكلة ووضع السلطة أمام مسؤولياتها، وذلك اثر الاعلان عن نتيجة المناقصات التي وصفها التحالف بـ «الصورية – المهزلة» وأصدر البيان التالي:
1. يعتبر التحالف ان الحكومات المتعاقبة والحالية تتحمل كامل المسؤولية الاساسية عن الكارثة المأساوية التي دخلنا فيها وان محاسبتها هي أمر واجب ولا ينقضي بمرور الزمن.
2. يطالب التحالف الحكومة بالعودة عن قرار مجلس الوزراء الرقم واحد كما يطالب أيضاً بإلغاء المناقصات الحالية ونتائجها كون ما بني على باطل فهو باطل، ومن ثم إعادة طرح مناقصات جديدة على أسس الاستراتيجية الجديدة التي اقترحها التحالف.
3. يطالب التحالف الحكومة بتبني استراتيجية متكاملة تقوم على مبادئ التخفيف والفرز من المصدر، وإعادة التصنيع والتخمير ومعالجة المتبقيات حسب تكوينها بطريقة سليمة بيئياً، بالإضافة إلى تدابير أخرى تخفف من الإنتاج الملوِّث والاستهلاك. وترجمة الاستراتيجية في قوانين ومراسيم تنظيمية.
أما بالنسبة لنتائج المناقصات التي أعلنت امس فقد اعتبرها التحالف بمثابة «توزيع للحصص على جهات معروفة بالاسم» وطرح الأسئلة التالية:
1. ما هي مبررات قبول عروض شركة قدمت عرضين بفارق سعر يتجاوز الثلاثين في المئة؟
2. ما هي مبررات قبول شركة كانت متورطة في قضية محرقة برج حمود في نهاية تسعينيات القرن الماضي؟
3. ما هي مبررات قبول أسعار أعلى من الأسعار التي كانت تتقاضاها «سوكلين» والتي هي من الأغلى عالمياً إن لم تكن الأغلى!
(السفير)