في الاندساس عامر نعيم الياس
أعلنت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان عن وجود مندسّين وسط صفوف المحتجّين في وسط بيروت رموا بزجاجاتٍ حارقة على القوى الأمنية ما استدعى ردّاً باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي في اليوم الثاني من احتجاجات «طلعت ريحتكم».
المندسّون والاندساس وما يأتي على قافيتهما من مشتقّات فعل «اندسّ»، كلّ ذلك حرّض الإعلاميين اللبنانيين والسوريين على تناول ظاهرة الاندساس في أيّ حراك شعبي في شوارع العواصم العربية، والذي بدأ منذ عام 2010 تحت ما يسمّى مصطلحاً أميركياً «الربيع العربي». فهل من علاقة تربط بين ربيع واشنطن وما يجري في لبنان، وهل الاندساس يوحّد بين ساحات لبنان وسورية؟
الاندساس في سورية لمن يحاول تمييع الأمور وسَوْقها باتجاهات مختلفة بدأ مع إطلاق النار على المتظاهرين في وقت كان يسقط شهداء في صفوف القوى الأمنية نتيجة ذبح متظاهري الجوامع لهم هذا أولاً، وثانياً رفعت التظاهرات في عموم سوية شعارات تناهض الدولة وكيانها فهي تبنّت على الفور «إسقاط الدولة» ورفعت علماً بديلاً ودعت إلى التدخل العسكري الغربي المباشر في سورية. أما ثالثاً بالتظاهر في سورية لم يجري على قاعدة مطلبية واضحة توحّد عموم الشعب حولها.
في لبنان نحن أمام حالة احتجاجية راقية تثبت أن الشعب الحي موجود في لبنان على عكس غالبية الدول العربية، فالتحرك الذي يجب أن يدفع الشارع أي شارع إلى المطالبة بحقوقه يجب أن يبدأ من الجانب الخدمي الاجتماعي وينطلق من الأحياء وأزقة المدن وليس من جوامعها، ويستند على البعد الاجتماعي قبل أن يتطور ويصل إلى مرحلة من المراحل التي تدعى «الثورة»، هنا حتى الثورة تستند في الأساس إلى همٍّ حياتي واقتصادي وخدمي قبل أي سياسي آخر، وهذا ما كان ينقص كل ما جرى في الساحات العربية منذ عام 2010.
إن محاولات سحب مفهوم «الاندساس» على الحراك المنظّم الرافع للعلم اللبناني لا غيره من الرايات في ساحات بيروت ما هو إلا محاولة لخلط الأمور وسحب أي صفة لتمييز ما هو لبناني عما جرى في الساحات العربية الأخرى وذلك بهدف تسهيل عملية قمعه تحت عناوين أن ما جرى في لبنان لا يختلف عن غيره من الدول العربية وتحديداً سورية التي بدأت مرحلة تدميرها الممنهج منذ عام 2011 ولم تنتهِ حتى اللحظة.
ساحات بيروت شهدت تظاهرة للبنانيين حقيقيين عبروا الطوائف والطائف وأرادوا مطالبة حكومة بلادهم بأن تستخدم صلاحياتها الدستورية والقانونية التي منحت لها بحكم الطائف لحلحلة ملف النفايات التي أغرقت لبنان ومدنه، لكن المحاصصة والفساد وتداخل الخصخصة مع الطائفية وتقاسم المناصب وقوت الشعب، كلّ ذلك عطّل الدستور الطائفي الذي قبل به اللبنانيون.
بين احتجاجٍ ومطلب واضح وعَلمٍ جامع وانتفاضة على محتكري السلطة، وبين قتلٍ وذبحٍ وتدمير بنىً تحتية ورفع علمٍ بديل وإلغاء للتاريخ، فرقٌ كبير يستدعي الحذر في الحديث عن «المندسين»، التعميم مرفوض بجميع الأحوال والحذر واجب في التعامل مع ما يجري في المنطقة التي باتت جامعةَ الدول الفاشلة بامتياز، فلا فرق بين دولةٍ مستقرة وأخرى تغرق في الحروب، وحده الفساد يجمع الساحات ويوحّد مطالب الشعوب الحية، فتحيةً إلى كل لبناني انتفض وحمل رايةً مطلبية اجتماعية متمرداً ولو لساعات على سلطة وأوامر ملوك الطوائف.
(البناء)