علان والأسرى..صمود وتحدٍّ د. فايز رشيد
أنهى الأسير الفلسطيني محمد علان الخميس (20 أغسطس/آب الحالي) إضراباً عن الطعام استمر شهرين وأثار جدلاً واسعاً حول الاعتقال الإداري المجرم في كيان الاحتلال الصهيوني. كان ذلك بعد قرار المحكمة العليا «الإسرائيلية» في يوم سابق (الأربعاء) تعليق اعتقاله الإداري بسبب حالته الصحية الخطيرة. وحتى قبل سقوطه في الغيبوبة، قال الأطباء إن علان لا يعرف ما يدور حوله. وأضافوا أن الإضراب عن الطعام أثّر على دماغه! أي أن الإفراج عن علان جاء بعد التأكد من قبل جهاز مخابرات العدو والقضاء المرتبط به (والذي يُسمى زوراً وبهتاناً ب«القضاء العادل»، وتسمى دولته ب«الدولة الديمقراطية»)!.
بالطبع كطبيب أقول: إن الخلايا الدماغية التالفة لا يمكنها التجدد، والأمر سيعتمد على أي خلايا دُمّرت وأي من المراكز العصبية المسؤولة تلفت، وبناء على التلف… (وهذا لم تُعلنه مصادر العدو النازي «الإنساني») ستحدد مدى الإعاقة وأماكن ظهورها! هذه القضية الغاية في الأهمية يتوجب التركيز عليها إعلامياً، وتحميل العدو مسؤولية إعاقته!، والتي سيجري التأكد منها بعد تحريره بشكل نهائي.
بدأ علان (18 يونيو/حزيران الماضي) إضرابه عن الطعام احتجاجاً على اعتقاله الإداري الظالم… وبحسب قانون الاحتلال الصهيوني الموروث من الانتداب البريطاني، يمكن اعتقال أي شخص من دون توجيه تهمة إليه، بموجب قرار إداري قابل للتجديد لفترة غير محددة زمنياً من جانب السلطات العسكرية الصهيونية، وهو ما يُعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان. للعلم «إسرائيل» تتخوف في الوقت نفسه من تصعيد جديد لمقاومة الأسرى يمكن أن تسببها وفاته، وهذا احتمال وارد.
الجلادون الصهاينة يمارسون كل الجرائم والموبقات ضد الأسرى الفلسطينيين، ويذيقونهم شتى صنوف العذاب والقهر، التي شملت معاقبتهم جماعياً، ورشهم بالغاز، والتكسير، والتعرية، وإخضاعهم لكل صنوف الإهانة والتحقير، وتقييد أيديهم، وشبحهم لأيام عديدة في زنازين ضيقة مغمورة أرضياتها بالمياه النتنة، أو حتى في المراحيض، وتدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض والحشرات، ورداءة الطعام، وقلته، وحرمانهم من تلقي العلاج، خاصة مصابي وجرحى الانتفاضة، والحرمان من النوم، وحرمانهم من زيارة ذويهم منذ بداية انتفاضة الأقصى، والازدحام الشديد واستمرار العزل في زنازين انفرادية، وتجربة الأدوية الخطيرة عليهم في عملية قتل للأسير الفلسطيني قتلاً بطيئاً منظماً ومدروساً بعناية فائقة، وإحالة الأطفال الأسرى إلى محاكمات صورية جائرة، واستصدار عقوبات بالسجن لسنوات طويلة ضدهم، ووضعهم مع السجناء الجنائيين «الإسرائيليين».
فخلال انتفاضة الأقصى، توجه الفعل الانتقامي «الإسرائيلي» العاجز، نحو قمع واضطهاد الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية؛ في محاولة يائسة لكسر شوكتهم وإذلالهم، بالتزامن مع حملة شرسة لسحب إنجازاتهم التاريخية، والتي تحققت عبر عقود من الزمن، من خلال دماء العشرات من الشهداء وتضحيات عشرات الآلاف من الأسرى ومعاناة مئات الآلاف، وأخذت أخبار مقاومتهم تخترق جدران السجون وأسلاكها الشائكة، وتجاوزت حدود السجون، لكنها فشلت في الوصول إلى آذان العالم؛ الأمر الذي دفع بالأسرى، ومنذ بداية انتفاضة الأقصى، إلى ترتيب أوضاعهم الداخلية من جديد، وفق ما تقتضيه المرحلة من إعداد ومواجهة، واستقبال لآلاف المعتقلين الجدد.
وقد بدأ الشعب الفلسطيني بإحياء يوم الأسير منذ عام 1974، وهو العام الذي تمت فيه وبتاريخ 17-4-1974 أول عملية تبادل للأسرى، حيث استبدل الأسير الفلسطيني الأول محمود بكر حجازي بأحد المستوطنين، والذي تم اختطافه خصيصاً لإجراء عملية التبادل، وقد اعتمد المجلس الوطني الفلسطيني في دورته في نفس العام يوم 17 أبريل/نيسان يوماً من أجل حرية الأسير الفلسطيني، وما فتئ العدو الصهيوني ومؤسساته الأمنية والعسكرية توسّع سياسة اعتقالات الفلسطينيين، حتى الأطفال والشيوخ والنساء، ليتجاوز عدد المعتقلين الفلسطينيين منذ عام 1967 (حتى 2015 بداية أبريل/نيسان الماضي) مليون معتقل فلسطيني من مختلف الشرائح.
إن عدد المعتقلين الفلسطينيين حاليا يتجاوز (5600) أسير وأسيرة. من بينهم (480) حكموا بالمؤبد مرة أو عدة مرات. ومن بينهم (200) طفل و(24) أسيرة من بينهن قاصرتان، و(480) معتقلاً إدارياً، و(13) نائباً. (1500) أسير يعانون أمراضاً مزمنة، بينهم قرابة (80) أسيراً في حالة صحية خطيرة. يتوزع الأسرى على (22) سجناً صهيونياً.
ووفقاً لنادي الأسير الفلسطيني في رام الله فإن 95% من الأسرى الفلسطينيين يتعرضون لصنوف التعذيب، منذ لحظة اعتقالهم حتى نقلهم إلى مراكز التوقيف والتحقيق «الإسرائيلية».
كثيرون من الأسرى يعانون مرض السرطان، ومنهم (مثلما قلنا) من يُمارس بحقهم الاعتقال الإداري. الكيان ما زال يحتجز (30) أسيراً من الأسرى القدامى (ما قبل اتفاقية أوسلو المشؤومة) بعد أن تم إطلاق سراح ثلاث دفعات من الأسرى وفقاً لاتفاق بين الكيان وبين السلطة الفلسطينية. كما أن الكيان يرفض إطلاق سراح أسرى الدفعة الرابعة.
معركة الأسرى الفلسطينيين تنصبّ أساساً على تحسين ظروف اعتقالهم القاسية، وهي من أجل الحريات، وتحسين التغذية، والعلاج، وإدخال الكتب وسماع البرامج في الإذاعات، ورؤيتها في الفضائيات، وعدم تجريب الأدوية عليهم، والاحتجاج على إصابة بعضهم بالأمراض المزمنة الخطيرة والعاهات الدائمة نتيجة التعذيب وظروف السجن النازية، وصعوبة زياراتهم من قبل ذويهم، فسلطات السجون الصهيونية تضع حاجزين من الأسلاك المشبكة، بينهما مسافة مترين وما يزيد، الأمر الذي لا يسمح للطرفين بالتحقق السليم من وجه الآخرين.
الأسرى الفلسطينيون هم أسرى الحرية والضمير الإنساني، لم يقترفوا ذنباً سوى الدفاع عن شعبهم وقضيتهم الوطنية العادلة. إنهم يجابهون الاحتلال وهو حق مشروع وفقاً للدساتير والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. يتوجب أن تصبح قضية الأسرى الفلسطينيين قضية الشعب الفلسطيني والأمة العربية بأسرها، وأن تقوم المنظمات المعنية الفلسطينية والعربية، بطرح قضيتهم عالياً على الساحة الدولية وفضح همجية ونازية العدو الصهيوني، وهذه أبسط حقوقهم علينا، وواجبنا جميعاً أن نعطي قضيتهم ما تستحقه من الاهتمام. التحية كل التحية لأسرانا الأبطال.
(الخليج)