دولة ونفايات د. عدنان منصور
أن تُسقط النفايات النقاب عن فضائح نظام ودولة ومؤسسات بالشكل الذي كشفته في الأيام الأخيرة… وأن تبث النفايات الروائح الكريهة التي اختزنها النظام على مدى سنوات طويلة من استقلاله، ليجعلنا نصرخ بصوت عالٍ ونقول:
أيُّ دولة هي هذه الدولة التي كانت تعلم مسبقاً ما كان ينتظرها من نفايات ولم تفعل شيئاً؟!
وأيُّ دولة هي هذه الدولة التي أفرزت هكذا نظام تبدو فيه عاجزة، مشلولة لا إرادة ولا نيّة ولا حياء ولا قوة لها لإيجاد الحلول لقضايا الناس ومعيشتهم، وهي التي تجسّد بكلّ المقاييس سياسات الفساد والإفساد والاستغلال والصفقات والسرقات غير آبهة بدستور أو بقوانين، وهي التي تطوّع الدستور وتخرق القانون وتتجاوزه وتلوي ذراعه؟!
أيُّ دولة هي هذه الدولة التي تعجز عن لملمة نفاياتها إلاّ إذا كانت تعلم مسبقاً أنّ روائح النفايات الكريهة المرمية في الشوارع والساحات أقلّ تأثيراً من روائح ممارساتها وسياساتها؟!
أيُّ دولة هي هذه الدولة بعد أربعين عاماً من تقنين الكهرباء وإنفاق المليارات من الدولارات عليها، يبقى التقنين مستمراً والعجز في الكهرباء مستداماً على رغم الوعود الكاذبة التي صدرت عن الوزراء المعنيين في الطاقة خلال السنوات الأخيرة، وتبدو غير قادرة على مواجهة الحيتان الذين يمسكون بصفقات واحتكارات المولدات والمازوت والبنزين، ويملأون بطونهم على حساب المسحوقين والفقراء والكادحين؟!
أيُّ دولة هي هذه الدولة، وأيُّ نظام هو هذا النظام المهترئ العفن الذي تعمّ رائحته مساحة الوطن كله، عندما يعجز عن توفير المياه لمدنه وقراه في الوقت الذي تسيل فيه مئات الملايين من الأمتار المكعّبة من مياه الأمطار إلى البحر أمام رؤوس العطاشى؟!
أيُّ دولة هي هذه الدولة وأيُّ نظام هو هذا النظام الذي يقف أمام مصائب شعبه وكأنّ على رأسه الطير، وهو يغضّ الطرف عن الضالعين المنغمسين في الاحتكارات والسمسرات والصفقات والإثراء غير المشروع على حساب الجائعين ودماء البائسين الذين لا تفصل أكواخهم عن قصور هؤلاء ويخوتهم ونواديهم سوى مئات الأمتار أو كيلومترات قليلة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد؟!
أيُّ دولة هي هذه الدولة، وأيُّ نظام هو هذا النظام الذي تتدخل الطائفية والمذهبية في كلّ صغيرة وكبيرة، يحرّكها باستمرار من لا يريد وطناً ولا أرضاً ولا دولة ولا نظاماً ولا دستوراً ولا قانوناً؟!
هكذا نرى الطائفية والمذهبية تنتفض على يد هؤلاء لمواجهة تحركات العمال ومطالب المعلمين المحقّة، وحقوق الموظفين، وتتصدّى للمطالبين بقانون انتخابي عصري، وبالإنماء المتوازن والتخطيط السليم.
فكلّ طائفي ومذهبي يريد قانوناً مفصّلاً على هواه وعلى قياسه وإنْ جاء ضدّ مصلحة وطن وشعب، ولا يتورّع عن إعاقة استغلال الثروات في باطن أرض الوطن إنْ كان لا يجد فيها منفعة أو مكاسب مباشرة له!
أيُّ دولة هي هذه الدولة وأيُّ نظام هو هذا النظام الذي يعجز عن سنّ قانون جديد للانتخابات، ويفشل في إجراء انتخابات نيابية، وانتخاب رئيس للجمهورية، والقيام بتعيينات إدارية مدنية وعسكرية؟!
وأيُّ نظام هو هذا النظام الذي أدمن على سياسة خلق الفراغ والأزمات السياسية، وجلب لنفسه المشاكل المستعصية ليلجأ بعد ذلك إلى الخارج يبحث معه عن الحلول.
نفايات الشوارع التي شهدناها في الأيام الماضية هي جزء لا يتجزأ من نفايات سياسات نظام فشِل وترنّح وتحلّل وكشف عن روائحه الكريهة التي فاقت روائح نفايات عمّت شوارع عاصمة بلدٍ نصِفُهُ بسذاجة من آنٍ إلى آن إلى آخر أنه بلد الإشعاع والنور ونصِفُهُ بكلّ غرور وصلف بـ»سويسرا الشرق»!
هل سألت الدولة يوماً نفسها وتساءلت عمّا تفعله الدول التي تحترم نفسها وتحترم شعبها والتي فيها مدن تتجاوز الواحدة منها تعداد سكان لبنان بأكمله ثلاثة وأربعة أضعاف، وليس لديها مشكلة نفايات كالتي نعيشها اليوم؟! الجواب بكلّ تأكيد أنّ نفايات هذه الدول لا تدخل في بازار السياسة والسياسيين والطائفيين والمنتفعين والمرتشين، ولا حساب جيوب المحسوبين والفاسدين والمفسدين والمقاولين المستفيدين من النفقات والصفقات.
إنها روائح تجّار الطائفية والمذهبية وسماسرة السياسة وصفقاتها التي عبثت بوطن وأذلّت بشعب منذ 1943 حتى وصلت إلى ذروتها اليوم.
فلتكن روائح النفايات الكريهة التي استنشقها اللبنانيون مُكرَهين، بداية لانتفاضة عارمة تطيح بكلّ الموبقات التي جثمت على صدور اللبنانيين، علّهم يستبدلونها بعطور زكية نقية تعفّ عليهم خالية من روائح الطائفية البغيضة ومن روائح الفاسدين والمفسدين الكريهة.
آن لهذا النظام أن ينجلي… وآن لهذه الطبقة الفاسدة والمفسدة أن تنتهي… فهل يعي اللبنانيون حقيقتهم اليوم قبل فوات الأوان؟!
(البناء)