الجيش السوري يُفشل المرحلة الثانية من الهجوم عبد الله سليمان علي
أفشل الجيش السوري المرحلة الثانية من مراحل هجوم «جيش الفتح»، الذي تقوده «جبهة النصرة»، على سهل الغاب بريف حماه الغربي، في الوقت الذي تتزايد فيه المعطيات على أن المعركة في هذه المنطقة لها تشعبات إقليمية واسعة. وثمة إشارات إلى أن حالة الكر والفر، التي تكاد تتحول إلى ظاهرة لافتة في المعارك الجارية، قد تكون مقصودة بذاتها لإبقاء جبهة القتال المشتعلة بمثابة السيف ذي الحدين.
وتمكن الجيش السوري، أمس، عبر عملية خاطفة ونظيفة من استعادة السيطرة على غالبية القرى التي وقعت تحت سيطرة المسلحين الأسبوع الماضي. وأهم هذه القرى خربة الناقوس والمنصورة والزيارة وتل واسط والتنمية والمشيك، مبعداً المسلحين بذلك عن معسكر جورين الذي كانت السيطرة عليه ستشكل نهاية المرحلة الثانية من الهجوم على سهل الغاب.
وانقسم هجوم الجيش السوري إلى محورَين: الأول باتجاه قرية قرقور والثاني باتجاه قرية القاهرة ذات الموقع المهم. ومن المتوقع ألا تهدأ عجلة الجيش السوري قبل الوصول إلى قرية فريكة التي تمثل عقدة مواصلات مهمة بين إدلب وحماه واللاذقية.
وبحسب معلومات حصلت عليها «السفير» من مصدر في «جيش الفتح» فإن خطة الهجوم على سهل الغاب كانت تتألف من ثلاث مراحل: أُنجزت المرحلة الأولى بسيطرة المسلحين على تل خطاب قبل حوالي أسبوعين، فيما كان مفترضاً أن يشكل الاستيلاء على قرية جورين، التي تعتبر خط دفاع أساسيا للجيش السوري وتحوي معسكراً ضخماً لقواته وآلياته، نهاية المرحلة الثانية، لتبدأ بعدها المرحلة الثالثة التي لم يتم الكشف عن هدفها، لكن بعض المعلومات أشارت إلى أن مدينة مصياف كانت إحدى المدن المرشحة لتكون خط نهاية الهجوم في هذه المرحلة.
واستهل الجيش السوري هجومه المعاكس بقصف تمهيدي كثيف، شاركت فيه الطائرات الحربية التي نفذت ما يفوق 50 غارة جوية خلال ساعات ليل الاثنين ـ الثلاثاء. كما كان للمدفعية والدبابات دور في هذا القصف، فيما برزت مشاركة راجمة الصواريخ المدمرة «أورغان» التي تعتبر من الأسلحة الفعالة، وهي روسية الصنع وسبق للجيش الروسي استخدامها في أفغانستان والشيشان، وقد أطلق عليها الأفغان لقب «الشيطان» نتيجة تأثيرها الناري الكبير. وعقب القصف التمهيدي بدأ الهجوم البري الذي اتسم بالسرعة والمباغتة، فتوالى سقوط القرى بين يدي الجيش تباعاً، وسط انهيارات أصابت صفوف «جيش الفتح» جراء فعالية الجرعة المركّزة من القصف التمهيدي.
وقد أطلق على عملية الجيش السوري إعلامياً اسم «زلزال الغاب»، فيما كان الاسم الذي يجري تداوله بين عناصر الوحدات المشاركة في الهجوم هو «الثأر لدماء الشهداء»، وعلى رأس هؤلاء الشهيد علي الحجي الذي استشهد في المعارك الأخيرة في سهل الغاب، وكان من المقربين من قائد الهجوم العقيد سهيل الحسن.
وقد لعب التمويه الذي اعتمده الجيش السوري دوراً أساسياً في إنجاح الهجوم وتحقيق الأهداف الموضوعة له دون خسارة أي جندي طوال الساعات الأولى من المعارك ما جعله نظيفاً بكل امتياز، إذ إن الجيش اتخذ إجراءات عدة جعلت توقعات المسلحين تتجه نحو تل جب الأحمر في ريف اللاذقية الشمالي، باعتباره سيكون الهدف الأول لأي هجوم مقبل، لا سيما أن المسلحين يدركون أن جب الأحمر بارتفاعه وإطلالته كان حاسماً في تحقيق تقدمهم الأخير نحو قرى الزيارة وتل الواسط والمنصورة، كون مواقع الجيش السوري كانت تحت أنظارهم وفي مرمى أسلحتهم المختلفة. لكن الجيش السوري فاجأهم بتجاهل تل جب الأحمر، وببدء الهجوم من القرى التي اضطر إلى الانسحاب منها قبل أيام نتيجة قوة الرمايات التي كانت تمطره بها المدفعية المتمركزة على ذلك التل. ولم يفعل الجيش السوري ذلك إلا بعد أن تأكد أن الكثافة النارية التي يمكنه تأمينها في الهجوم من شأنها إفقاد جب الأحمر أي ميزة عسكرية.
أما في أوساط المسلحين فقد ساد اعتقاد بأن هزيمتهم السريعة أمام هجوم الجيش السوري تعود إلى سببين: الأول، قيام بعض الفصائل، وعلى رأسها «أحرار الشام» و«فيلق الشام»، بسحب عدد من مقاتليهم من ريف إدلب باتجاه ريف حلب الشمالي لاستكمال التحضيرات والاستعدادات بشأن إقامة المنطقة الآمنة. وفي هذا السياق، أكدت المعطيات المتوافرة أن «فيلق الشام» أرسل رتلاً مؤلفاً من حوالي 60 آلية عسكرية كتعزيزات نحو مدينة مارع، بعد أن تزايد خطر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» عليها خلال الأيام الماضية، في أعقاب سيطرته على بعض المناطق المحيطة بها مثل أم حوش وتلالين.
والثاني، ادّعاء بعض الناشطين بأنهم لاحظوا غياب صواريخ «التاو» الأميركية المضادة للدروع، عن ميادين القتال في سهل الغاب منذ أيام عدة. وبحسب بعض هؤلاء الناشطين، لم تستجب الفصائل التي تملك صواريخ «تاو» لكل نداءات الاستنجاد التي انطلقت مع اللحظات الأولى لتقدم الجيش السوري. ولكنهم لم يتمكنوا من معرفة السبب وراء عدم استجابتها، هل هو نفاد مخزون «تاو» من مستودعاتها أم وصول تعليمات خارجية بعدم استخدام هذه الصواريخ.
ويخشى هؤلاء الناشطون أن يكون ما جرى في سهل الغاب مجرد انعكاس لبعض التطورات الإقليمية الأخيرة، وأهمها عزم الولايات المتحدة وألمانيا سحب منظومة صواريخ «باتريوت» من تركيا، مشيرين إلى أن الربط الألماني بين سحب هذه الصواريخ وبين الحديث عن حل لأزمات المنطقة، لا سيما الأزمة السورية، يثير الكثير من الشكوك حول تداعيات مثل هذا القرار. كما يشير الناشطون إلى أن الغارة الأميركية، الأسبوع الماضي، على معاقل تابعة لـ «جيش الفتح» في مدينة أطمة الحدودية جاء بمثابة رسالة موجهة إلى السلطات التركية بالدرجة الأولى، مفادها أنه ينبغي عدم السماح لـ «الجيش» المدعوم من قبلهم أن يتجاوز الخطوط الحمر المرسومة له. وبناء على ذلك، استنتج هؤلاء أن أنقرة قد استجابت للرسائل السابقة، وهو ما يفسر غياب صواريخ «تاو» التي كانت تدخل إلى المسلحين عبر أراضيها قبل البدء بأي عملية متفق عليها.
وبكل الأحوال، تشير بعض المعطيات المتوافرة، إلى انه يراد لسهل الغاب، في هذه المرحلة، أن يكون جبهة استنزاف مستمرة، سواء للجيش السوري أو «جيش الفتح»، الأمر الذي يتطلب أن يبقى الحد الأدنى من توازن القوى موجوداً وعدم السماح لأي طرف بكسره. وهو ما يفسر حالة الكر والفر التي تشهدها المعارك على بعض القرى الصغيرة في سهل الغاب، بينما لم تشهد الساحة مثلها بخصوص مناطق أكثر أهمية، سواء لمساحتها الجغرافية أو لتعداد سكانها، مثل مدينة إدلب التي تمت السيطرة عليها خلال أقل من 48 ساعة. والغاية من وراء ذلك هي الاستمرار في الضغط على الجيش السوري عبر تهديد مناطق تعتبر موالية له، بهدف إشغاله وإضعاف فعاليته في مناطق أخرى يجري ترتيب مخططات معينة لها مثل «المنطقة الآمنة». كذلك يتوخى من وراء ذلك إبقاء تنظيمات «القاعدة»، وعلى رأسها «جبهة النصرة»، مشغولة بالدفاع عن رقعة الأرض التي تعتبر بمثابة «إمارة» لها، لمنعها من التمرد على «الأوامر الإقليمية» وخوض أي مغامرة من شأنها إفشال بعض المخططات التي يراد تمريرها لمصلحة فصائل منافسة لها.
(السفير)