مقالات مختارة

التسوية: على حساب المسيحيين أو لصالحهم؟ د. ليلى نقولا الرحباني

 

وهكذا يقترب موعد الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وينتظر العالم نتيجة التفاوض بين إيران والدول الست، أو ما تحوّل واقعياً بعد الحرب السورية ومتفرعاتها الشرق أوسطية وخروج المحافظين من السلطة في إيران ودخول “الاعتدال الروحاني” إلى مفاوضات بين محور غربي (أميركي – أوروبي) ومحور شرقي (روسي – آسيوي ).

ومهما كانت نتيجة هذه الجولة “التشرينية”، فإن مسار المفاوضات بات أمام سيناريوهات ثلاثة هي:

–         أولاً: أن تنهار المفاوضات كلياً، ويكون موعد الرابع والعشرين من تشرين موعداً لتصعيد خطير في المنطقة، وهذا سيناريو كارثي يبدو غير واقعي على الإطلاق، فبالرغم من كل التشنُّج الذي طبع العلاقات الإيرانية – الأميركية في السابق، استمرّت الأطراف في المفاوضات ولو من منطلق مبدأ “المفاوضات من أجل المفاوضات”. واليوم، لا يبدو أحد من الأطراف مستعداً لسيناريو كارثي كهذا يعيد الأمور إلى نقطة الصفر بعد كل ما تحقق، علماً أن هذا السيناريو سينسحب بتداعياته الخطيرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وسيؤثر على عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب في العراق ولبنان وسورية وغيرها، وسيكون مصير لبنان في هذا السيناريو عودة التشنُّج المذهبي، وإطلاق الخطابات عالية النبرة ضد حزب الله، والعودة إلى إدانة تدخُّله في سورية، ولا نستبعد المسّ بالاستقرار الأمني الداخلي كنتيجة لذلك، أو أن يفسح التشنج المجال لبعض المجموعات بأن تستغلّ الوضع السياسي المتوتر لهزّ الاستقرار الأمني.

–         السناريو الثاني: أن لا تنتهي المفاوضات إلى نتائج نهائية إيجابية في هذه الدورة وتؤجَّل إلى موعد لاحق، وهو سيناريو مقبول وواقعي، وقد أقرّت الأطراف في وقت سابق أن مهلة الرابع والعشرين من تشرين ليست مقدَّسة، وقد تكون هناك جولات أخرى.

في هذا السيناريو الواقعي، ستستمر المفاوضات بين المحاور الدولية، وتستكمل إقليمياً من خلال شدّ وجذب في الميادين العراقية والسورية واليمنية واللبنانية وغيرها.. وهنا يكون على الحلول التسووية في المنطقة، خصوصاً في الأماكن التي نضج فيها نوع من التفاهمات الموضعية، أن تنتظر، لأن أياً من الأطراف لن يقبل بتقديم التنازلات قبل أوانها، وهنا سيكون على لبنان الانتظار لمواعيد أخرى لتحقيق التسوية المنتظَرة، وستسمرّ مرحلة تقطيع الوقت المضبوط سياسياً وأمنياً بانتظار نضوج التسويات الإقليمية والدولية.

–         السيناريو الثالث: أن تُسفر هذه الجولة عن توقيع اتفاق نهائي بين الطرفين، وفي هذا السيناريو تدخل إيران في مرحلة انفراج اقتصادي؛ بالتحرر من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وستبدأ مرحلة التنافس على توقيع الاتفاقيات التجارية مع الإيرانيين بين الغربيين أنفسهم، وبينهم وبين الروس والصينيين. أما بالنسبة إلى الأميركيين فيكون لأوباما ما يريده من هذا الحل الإيراني الذي طال انتظاره، أي أن يترك وراءه إرثاً يسجَّل له في تاريخه؛ عندما يذكره التاريخ مع رؤساء الولايات المتحدة الأميركية الآخرين، ويسمح لـ”الحزب الديمقراطي” باستثماره في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعدما مُني بخسارة انتخابية في الكونغرس بمجلسيْه.

وسواء تحقّق أي من السناريوهات الواقعية (الثاني والثالث)، فإن التسوية في لبنان لن تكون إلا لحساب الأقوى، وما طُرح حول وضع السعوديين “فيتو” على وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة، لن يكون له تأثير على مسار الأمور في الداخل، فلقد قطع السيد حسن نصرالله – من خلال خطابه في عاشوراء – الطريق على أي إمكانية طرح تسوية على حساب العماد عون، وقد تكون الرسالة التي أرسلها موجَّهة إلى الخصوم والحلفاء على حد سواء، وذلك من خلال رسم السقف الذي يمكن للحزب التفاوض عليه، وليقول للجميع إن أي تسوية على حساب الحليف المسيحي القوي لن تمرّ في لبنان، وأيّ طرح من قبَل الخصوم لتسوية لبنانية شبيهة بالتسوية العراقية لن يكون لها آذاناً صاغية في لبنان، ولن تمرّ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى