عين واشنطن وتل أبيب على «البالستي الإيراني» جعفر سليمان
ما زالت القدرات الصاروخية الإيرانية لغزاً تبحث عنه أجهزة الاستخبارات الإقليمية والعالمية كافة. فما هو معلن، يشكِّل خطراً على القواعد الأجنبية في المنطقة، فضلاً عن أنه يعدّ تهديداً وجودياً لإسرائيل.
قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1929 الصادر في العام 2010، منع إيران من تطوير قدراتها العسكرية، وخصوصاً الصاروخية، لكنَّ الجمهورية الإسلامية لم تلتزم به، واستمر الحرس الثوري، عبر قيادة الوحدات الصاروخية، بتطوير المنظومات الصاروخية البالستية واختبارها بشكل علني في سلسلة مناورات «الرسول الأعظم»، هذا بالإضافة إلى المساهمة في تطوير صواريخ حملت أقماراً اصطناعيَّة إلى الفضاء عبر المسبار «سيمرغ». وخلال هذه الفترة، جرى تطوير المنظومة الصاروخية حتى باتت معظم الصواريخ بعيدة المدى تعمل على الوقود الصلب.
في نهاية العام 2011، هزَّ انفجار ضخم مركزاً للصناعات الصاروخية غرب العاصمة طهران، نتج عنه وفاة العميد حسن طهراني مقدم، الاسم الذي كان مجهولاً في إيران والعالم، ومعروفاً جداً لدى القيادات العسكرية وقيادات المقاومة وأجهزة الاستخبارات الدولية. هو «أب البرنامج الصاروخي الإيراني» الذي قام بتطوير هذه المنظومة انطلاقاً من صواريخ «سكود بي»، وصولاً إلى التجربة الأخيرة التي شهدت عطلاً تقنياً أودى بحياته. ولكن ما كان طهراني مقدم يعمل على تطويره، ما زال طي الكتمان، وهو يأتي في إطار «المفاجآت» التي تتوعَّد الجمهورية الإسلامية أعداءها بها، في حال تعرضت لعملية عسكرية، تنفيذاً لتوصيات القائد الأعلى للقوات المسلحة آية الله السيد علي خامنئي.
رفعت الجمهورية الإسلامية من ميزانيتها العسكرية بنسبة خمسة في المئة، وعملت على إخراج البرنامج الصاروخي من وصاية العقوبات الدولية، علماً أنَّ العقوبات التي فُرضت عليها زادت من وتيرة التطوّر الصاروخي ولم تعرقله، ما يعني أنَّ القرار 2231 الصادر مؤخراً عن مجلس الأمن ببنده المتعلق بعدم تطوير إيران أيّ تجربة صواريخ بالستية، لا يؤثِّر على المنظومة الصاروخية، لأنَّ طهران استطاعت التعديل في مفاد القرار عبر إدراج عبارة «الصواريخ المصممة لحمل رؤوس نووية»، وهو ما لا تمتلكه إيران حالياً، خصوصاً أنَّ الاتفاق النووي يؤكِّد عدم إمكانية الجمهورية الإسلامية حيازة سلاح نووي، وهذا ما تعهد به الجميع.
الحنكة الإيرانية برزت في اللعب على كلمات الاتفاق، وأخرجت منظومتها الصاروخية ذات الرؤوس التقليدية من معادلة العقوبات، الأمر الذي أيقنته الولايات المتحدة متأخرة، فحاولت إثارة موضوع المنشآت العسكرية علَّها تلصق تهمة جديدة بالبالستي الإيراني لإيقاف تطوره الكبير على صعيد الدقة والإصابة والمدى.
فما يخيف الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة وبعض الدول الإقليمية، ليس القدرة الصاروخية في الداخل الإيراني مع ما تمتلكه من كميات كبيرة باستطاعتها تنفيذ إمطار صاروخي ابتداءً من شعاع 100 كيلومتر وصولاً إلى 2000 كيلومتر. المخاوف تكمن في انتقال هذه الصواريخ إلى محور الممانعة وقوى المقاومة في لبنان وسوريا وفلسطين. وبالفعل، فإنَّ صاروخ «فاتح 110» بجيله الرابع، يُعدّ نقلة نوعية للصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب، ما يسهِّل عمليات نقلها وتخزينها وإطلاقها من منصات ثابتة ومتحركة، وهي صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر برأس حربي يزن نصف طن من المتفجرات، وبهامش خطأ أقل من عشرة أمتار، في حال كانت الإحداثيات والظروف المناخية وحركة الرياح مناسبة للإطلاق.
انتشار هذه الصواريخ ونقل خبرات تصنيعها إلى سوريا والمقاومة، سيسمح برفع منسوب التهديد الردعي باتجاه الكيان الإسرائيلي، ما يُعدّ كسراً للمحظور في توازن الردع المفروض حالياً، خصوصاً أنَّ هناك نسخة جديدة لصواريخ «زلزال» متوسطة المدى تحمل رأساً حربياً يحتوي على ثلاثين قذيفة زنة الواحدة منها 17 كيلوغراماً، وتنفصل عن الرأس على ارتفاع مئات الأمتار لتدمِّر أهدافاً على شعاع أكبر، وهي مخصَّصة لاستهداف المطارات، والانتشار العسكري للقوات المدرعة، ومرابط المدفعية والمشاة، وحاملات الطائرات، والبوارج العسكرية.
من هنا، ينبع القلق الأميركي والإسرائيلي من البالستي الإيراني، والذي ما زال يخفي الكثير للحظة المواجهة.. في حال اقتضى الأمر.
(السفير)