رواية الدخيل والتراجعات السعودية
غالب قنديل
في مقالته الأخيرة ” لماذا حصل لقاء جدة ؟” التي نشرتها صحيفة الحياة يوم الأحد الماضي استكمل الدكتور خالد الدخيل تقديم الرواية السعودية عن لقاء جدة بين اللواء علي المملوك وولي ولي العهد السعودي الذي أكدت التسريبات الصحافية السابقة حصوله نتيجة مبادرة روسية وقد أورد الدخيل في المقالة عبارات تكرس التمهيد لتسويق التراجعات السياسية للمملكة السعودية التي اتخذت طيلة السنوات الأخيرة موقعا متقدما في العدوان الاستعماري على سوريا ومع تأكيد الدخيل على استمرار الصراع والتجاذب بشأن مضمون المبادرة التي يتردد حولها كلام كثير ومتناقض.
أولا : تحدث الدخيل في مقالته عن ما وصفه بمبادرة سعودية حول سوريا لخصها بعبارة ” تقول السعودية إن الفكرة الرئيسة للمبادرة تمحورت حول ترك تقرير مصير الرئيس السوري للشعب السوري من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة”.
إذن فكرة الحل السياسي التي نقلها الدكتور الدخيل تقوم على الاحتكام لصناديق الاقتراع وقد دس إشراف الأمم المتحدة بشكل مقصود وهو على الأرجح بند تفاوضي فهناك فرق بين رقابة دولية خاضعة للسيادة الوطنية السورية ورقابة الأمم المتحدة اما عبارة “ترك المصير” فهي للتحايل على حقيقة التسليم السعودي بحق الرئيس بشار الأسد في الترشح إلى أي انتخابات رئاسية تشكل بندا في صيغة الحل السياسي سواء أجريت في موعد انتهاء الولاية الرئاسية الحالية ام كانت انتخابات مبكرة ويعلم القاصي والداني ان هذا ما كان مرفوضا اميركيا وأطلسيا وسعوديا وقطريا وتركيا ونذكر جيدا عنتريات مسؤولين من جميع هذه الدول تتقدمها فرنسا بفجور استثنائي حول هذا الموضوع تحت عنوان : “لا مكان له في مستقبل سوريا ” والمبادرة السعودية التي يخبرنا عنها الدخيل تنص على ان الرئيس بشار الأسد له مكان أكيد كمرشح حكمي في أي انتخابات سورية مقبلة وفي حال فوزه المرجح في الانتخابات ينقل الدخيل : “قال السعوديون للروس أثناء التحضير للقاء جدة إنهم يقبلون بالنتيجة التي سيسفر عنها هذا الحل مهما تكن، شريطة أن يقبل الإيرانيون بها أيضاً” !..
ثانيا من أين جاءت الفكرة ؟ لا وجود أصلا للانتخابات في القاموس السعودي، لا في ثقافة المسؤولين السعوديين ولا في الحياة السياسية للنظام الملكي السعودي المطلق ووصفة الانتخابات هي على الأرجح فكرة سورية نقلها الروس وفي نص الدخيل بدت العبارة منسوخة في لبها عن صيغة كرسها الرئيس بشار الأسد منذ اليوم الأول للعدوان على سوريا أولما سمي بالأزمة السورية وهي ان الاحتكام إلى الشعب العربي السوري وإرادته عبر صناديق الاقتراع هو السبيل لاتخاذ أي قرار يتعلق بمستقبل سوريا وأن الشعب العربي السوري هو الذي يختار رئيسه وممثليه ويقرر بالاستفتاء الشعبي دستور البلاد وهذه الفكرة التي انتحلها النص السعودي وتلاعب الدخيل بصياغتها لخدمة موقفه السياسي العدائي اتجاه الرئيس الأسد الذي يعرف أي متابع للشأن السوري سواء من بلدان المنطقة أومن خارجها كما تعرف السعودية قبل غيرها أنه الزعيم الذي يحظى بمساندة غالبية شعبية ساحقة في الجمهورية العربية السورية وهذه المساندة توسعت وزادت في ضوء اختبار السوريين للتدمير والتخريب الذي أطلقه حلف العدوان ومن خلال اكتشافهم لحقيقة الزمر العميلة التي حشدتها السعودية ودعمتها في واجهات المعارضة ولاكتواء السوريين بإجرام التوحش الإرهابي للعصابات اللصوصية والتكفيرية التي دعمها حلف العدوان وبالشراكة مع العدو الصهيوني وقد مولتها المملكة وسلحتها بمئات اطنان السلاح التي اشترتها من كرواتيا وغيرها وشحنتها جوا إلى تركيا والأردن.
ثالثا : في رواية الدخيل :“ولضمان هذه الصيغة اقترحت السعودية خروج كل الأطراف الأجنبية من المشهد السوري، بما فيها الميليشيات التي تتبناها وتسلحها إيران، لجعل الحل السياسي المنشود سورياً خالصاً.”طبعا لم تأت هذه الرواية السعودية وفي هذه الفقرة على ذكر من يضمن سحب عشرات آلاف التكفيريين الأجانب الذين يقاتلون في صفوف داعش وجبهة النصرة وغيرها من العصابات التكفيرية والأخوانية على أرض سوريا “لجعل الحل السياسي سوريا خالصا” بل لجعله ممكنا بالأصل وفي عداد تلك الجماعات وفق بعض التقارير الدولية آلاف السعوديين وقد تردد بعد لقاء جدة في بعض وسائل الإعلام أن معلومات سورية منقولة عبر حلقة التنسيق الروسية إلى الرياض سمحت للسلطات السعودية باستباق ضربات إرهابية موجعة.
مشكلة السعودية العويصة التي تطمس بالمكابرة حتى اليوم هي ان القوى التي مولتها وسلحتها لتدمير سوريا شرعت ترتد عليها وتخرج عن السيطرة وهي باتت مضطرة للاعتراف بأولوية التصدي لها ورواية الدخيل تضعها مقابل القوى الداعمة للدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة بصورة لا تستقيم ومنطق الحرب على الإرهاب الذي تهكم عليه وتنصل منه كأولوية سورية بات مسلما بها وقد انزلق الدكتور الدخيل في روايته إلى الاعتراف بأن من يسمونهم معارضة ليسوا غير جماعات الإرهاب في سوريا متنكرا لحقيقة ان المبادرة الروسية تنطلق من “أولوية مكافحة الإرهاب ” وهو عنوان طرحه الرئيس فلاديمير بوتين أساسا لمشروعه عن الحلف الإقليمي وبالتالي لدعوته إلى الحوار السوري مع السعودية وتركيا والأردن كما صرح علنا في لقائه مع الوفد السوري الذي زاره برئاسة الوزير وليد المعلم كما أن هذه الأولوية هي الحلقة المركزية في تفاهمات موسكو التي أنتجها منتدى الحوار السوري وهي الأولوية التي رفعتها الدولة الوطنية السورية قاعدة للحوار ولمستقبل الشراكة السياسية مع المعارضة منذ مؤتمر جنيف وهي دون شك عنوان محسوم كأولوية في المبادرة الروسية التي أفضت إلى لقاء جدة وليست كذلك في المبادرة السعودية التي تحدث عنها الدخيل !.