حتى تكون معركة العماد عون مجدية.. جميل السيد
● منذ عودته إلى لبنان في أواسط العام 2005، يحاول العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر الحصول على حجم مناسب في تركيبة الدولة ومؤسساتها بما يوازي حجم تمثيله المسيحي وبما يؤدي بالتالي إلى تحقيق بعض شعاراته وأهدافه في الإصلاح والتغيير وفي استعادة الدور المسيحي داخل التركيبة اللبنانية، ووصولاً ربما إلى تولي سدة الرئاسة الأولى.
● عاد العماد عون من الخارج في ذلك العام واكتشف فور وصوله بأن الحصة المسيحية في الدولة من نواب ووزراء ومواقع وظيفية عليا كانت في معظمها مصادرة من قبل القيادات الإسلامية السنية والدرزية بشكل عام والشيعية بدرجة أقل، وحيث كانت تلك القيادات والزعامات تتناتش تلك الحصة في الزمن السوري بما يجعل حجمها في السلطة أكبر بكثير من حجمها الفعلي في ما لو اكتفت بتمثيل مذاهبها وطوائفها.
● بالطبع كان هنالك أيضاً لبعض المسؤولين السوريين في ذلك الزمن حصة مسيحية مباشرة وحلفاء مسيحيون رفضوا الانضواء في أحضان القيادات الإسلامية التي لم تستطع ابتلاعهم، وكان من أبرزهم على سبيل المثال لا الحصر الرئيس اميل لحود والرئيس عصام فارس والنائب سليمان فرنجية وقليلون غيرهم، بالإضافة إلى قيادة الجيش وأجهزة الأمن ومعظم القضاء وحاكمية مصرف لبنان، وهي مؤسسات كانت طيلة الزمن السوري تنتمي إلى الدولة وتحظى باستقلالية شبه تامة عن نفوذ الثلاثي الإسلامي المسيطر على المؤسسات والإدارات والصناديق والمشاريع.
● ما إن خرج السوري من لبنان في ربيع العام 2005 إثر الظروف التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، حتى انقض الثلاثي الإسلامي على ما كان من الدولة خارج نفوذه، فوضع يده على القضاء ومعظم أجهزة الأمن، في حين أن المصرف المركزي والجيش اللبناني اللذين يصعب على أي طائفة ابتلاعهما بمفردها، فقد تحوّلت فيها التعيينات والترقيات وغيرها، ولا سيما المواقع الحساسة فيها، إلى ما يشبه المحاصصة في ما بين القيادات الإسلامية، من دون أن يؤثر ذلك في السلوك العسكري والأمني الوطني والحيادي للجيش اللبناني ولا في السياسة النقدية العامة للمصرف المركزي والقائمة بالدرجة الأولى على استقرار الليرة اللبنانية وإدارة القطاع المصرفي.
● إذن عاد العماد عون إلى لبنان في العام 2005، وكان من الطبيعي أن يرى فيه الثلاثي الإسلامي منافساً قوياً وشريكاً مضارباً على الحصة المسيحية وعلى مقدرات الدولة ومفاصلها، وكان النائب جنبلاط كعادته، الأكثر صراحة في التعبير عن هذه الخشية من خلال وصف عودة العماد عون إلى الساحة المسيحية “بالتسونامي” الذي سيحصد من أمامهم الحصة المسيحية التي اعتادوا ابتلاعها في السنوات الماضية، فكان الخيار الأول والفوري لذلك الثلاثي أن ينصب في وجه العماد عون “رابوقاً” مسيحياً للتوازن ولمنعه من ادعاء التفرد بالتمثيل المسيحي، فوجدوا ضالتهم في رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الموقوف والمحكوم من قبل المجلس العدلي بجرائم ليس أقلها اغتيال الرئيس رشيد كرامي وداني شمعون وزوجته وولديه، فكانت تلك المسارعة الإسلامية إلى الإفراج عنه بقانون عفو “خاص” اشتمل أيضاً على العفو عن موقوفين إسلاميين في أحداث الضنية كانوا قد قتلوا في العام 2000 العديد من ضباط الجيش وجنوده.
● التسونامي العوني الذي حذّر منه النائب جنبلاط استلزم أيضاً قيام الثلاثي الإسلامي تشكيل تحالف انتخابي عريض ضد العماد عون في العام 2005 مع انضمام جعجع إليه كغطاء مسيحي مضاد، وعلى أساس قانون انتخابات العام 2000 الذي كانوا يشتمونه وينسبونه خطأ إلى غازي كنعان، وما كان بقانون غازي كنعان بقدر ما كان ثمرة تشاور كلف به مدير الأمن العام حينذاك اللواء الركن جميل السيد من قبل الرئيس لحود ووزير الداخلية ميشال المر، وحظي على موافقة نسبية من الرئيس نبيه بري الذي كان يرغب بقانون النسبية وإلا على أساس المحافظات، فيما كان الرئيس الحريري يريد تقسيم المحافظات إلى دائرتين لكل منها فيما تبقى بيروت دائرة واحدة، في حين كان النائب جنبلاط يريد للشوف وعاليه وبعبدا ان تكون دائرة واحدة، بينما كانت بكركي وبعض القيادات المسيحية تطالب بالدائرة على أساس القضاء، فجاء قانون الـ2000 على أساس التوفيق قدر الإمكان بين كل تلك التناقضات من خلال اعتماد 14 دائرة انتخابية، مما أزعج كل تلك القيادات وارضاها في الوقت نفسه كونه كرّس حقوقها قدر الإمكان من جهة وحرمها من أطماعها قدر الإمكان من جهة أخرى.
● لم يكن صعباً في ذلك الحين على ذلك التحالف الانتخابي المشكل أصلاً من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل بالإضافة إلى القوات اللبنانية، لم يكن صعباً إقناع حزب الله بالانضمام إلى ذلك التحالف، أولاً من باب المسايرة لسعد الحريري المكلوم بوالده حديثاً، والذي ارتمى بحزنه وثقله بين أيدي سماحة السيد حسن نصر الله طالباً التحالف تحت عنوان الوفاء لرفيق الحريري، في الوقت الذي طرح الثلاثي الإسلامي نفسه بديلاً ضامناً وحامياً ومدافعاً عن المقاومة بعد الخروج السوري من لبنان في مواجهة الخطر والتهديد الذي كان يمكن ان تشكله عودة العماد عون، لا سيما بعد مواقفه المعلنة والمعروفة التي كان يطلقها عندما كان في المنفى.
● أعداء العماد ميشال عون وخصومه هم كثيرون ومتنوّعون كما سبق وذكرنا، فمنهم من لم ينسَ دوره في حرب السنتين، ومنهم من لم ينس موقفه من اتفاق الطائف، ومنهم من يخشى خسارة موقعه ومكتسباته، ومنهم من يخشى خسارة حجمه ومصالحه، ومنهم من أصيب بجروحات انتخابية بسببه في جزين والمتن وبعبدا وكسروان وجبيل وغيرها، ومنهم من استساغ ابتلاع الحصة المسيحية، ومنهم من يراه من خارج حلقة النظام ومن خارج البرنامج اللبناني للمحاصصة، ومنهم ومنهم…
● كل ذلك صحيح وفوقه أن اعداء العماد عون وخصومه ليسوا فقط أولئك المتضررين والخائفين على أحجامهم وأدوارهم ومصالحهم في التركيبة اللبنانية، لا بل ان بعض هؤلاء ازدادوا ضده شراسة وضراوة مع بروز الاستحقاقات والتطورات المداهمة في لبنان والمنطقة لا سيما بعد اصطفاف العماد عون استراتيجياً مع المقاومة منذ العام 2006، وبعد مواقفه العلنية ضد المتحالفين لإطاحة سوريا ودولتها منذ العام 2010 لصالح الأصوليين والاخوان المسلمين وغيرهم.
● سببان استراتيجيان كانا كافيين لانضمام الخارج إلى الداخل لمحاصرة العماد عون ومعاقبته على ارتكابه هاتين “المعصيتين”، فوصوله للرئاسة بات يعني بالنسبة إليهم وصول حزب الله وسوريا، وحيازته على تمثيل أكبر ودور أكبر في الدولة اللبنانية بات يعني بنظرهم ترجيحاً للمحور الإيراني ـ السوري ـ اللبناني المقاوم على حساب المحور الآخر الممتد من أميركا إلى فرنسا فالسعودية وتركيا إلى صغار اللاعبين المحليين في فريق 14 آذار.
● من حسن حظ لبنان حتى الآن، ان كبار اللاعبين الدوليين والإقليميين، المتصارعين دموياً تحت مسمّيات محلية في العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس واليمن، قد اتفقوا، كل لأسبابه، على تحييد تلك الكأس الدموية عن لبنان، فجاءت حكومة الرئيس تمام سلام الحالية ثمرة لهذا التوافق الضمني الذي يقول لمختلف الأطراف اللبنانية المتنازعة: حافظوا على الأمن واختلفوا في السياسة. وحيثما اتفقتم في السياسة فهو خير لكم، وحيثما اختلفتم في السياسة فأبقوه عالقاً بينكم ولا تردوه إلى الأرض ولا تحتكموا فيه إلى الشارع.
● على هذه القاعدة تشكلت الحكومة الحالية واستقرت نسبياً إلى اليوم وجرى احتواء العماد عون وفريقه وساهم تيار المستقبل برئيسه واركانه في هذا الاحتواء المضطرب تحت عنوان: سايروا العماد عون وأبقوه هادئاً. خذوا منه ما استطعتم ولا تعطوه شيئاً دسماً في المقابل. وليبقَ حالماً إلى ما شاء الله برئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وقانون الانتخاب وغيرها من المواقع والمطالب الحساسة والشعبية. هو ارتضى تقييد نفسه في الحكومة الراهنة بالحجم الذي يريد، وهو ارتضى تقييد نفسه بالتغاضي عن التمديد للمجلس النيابي من دون قلب الطاولة أو الاعتراض الجدّي، فيما كان الشعب اللبناني في معظمه ينادي بحصول الانتخابات النيابية وبرحيل المجلس النيابي الحالي، فخسر العماد عون بذلك الفرصة التاريخية لاستفتاء الشعب اللبناني حول الطبقة السياسية…
● ان لم تكن مشاركة العماد عون في حكومة تمام سلام خطأ بحد ذاته، وهي ليست خطأ، فإنه بالمقابل وبالتأكيد قد ارتكب خطأ جسيماً بحق نفسه وعموم اللبنانيين عندما انقاد وراء مناورة الثلاثي الإسلامي المستميتة عبر تيار المستقبل وحركة أمل والحزب الاشتراكي، في التمديد للمجلس النيابي. هو وحده كان يستطيع نسف تلك المؤامرة فلم يفعل، وما ان حصلوا على تغطيته لها حتى بات يستغنى عنه مهما علا سخطه وصراخه وتهديده.
● هو، العماد عون، لو عاند في رفض التمديد للمجلس النيابي لسار معه حليفه حزب الله الذي أعلن صراحة بلسان أمينه العام “إن اجمعتم على التمديد فنحن معه وإلا فنحن مع الانتخابات…”، هو، العماد عون اليوم، وفي إزاء كل تعطيل لأي موضوع يهمه داخل الحكومة، يهدد ويتوعد بالموقف وبالرد وصولاً اليوم إلى استنفار الشارع في قضية التمديد لقائد الجيش وغيره من المواقع العسكرية والأمنية. لكن كل شيء سيبقى على حاله بعدما أيقن خصوم العماد عون واعداؤه ان صراخه وتهويله هما كقصة جحا الذي دخل المسجد يوماً بعدما خلع حذاءه على الباب. ثم عاد لينتعله عند خروجه فلم يجده، فأقام الدنيا واقعدها حتى استهاب الحاضرون الموقف واستطاعوا بطريقة ما أن يسترجعوا له الحذاء. ثم سأله سائل: ماذا كنت ستفعل لو لم نستطع إعادته لك؟ أجاب جحا: كنت سأعود حافياً إلى البيت…
في المرة الثانية، وحين فقد جحا حذاءه امام باب المسجد، لم ينفع صراخه، ذهب حافياً إلى البيت، ولا يزال حذاؤه مفقوداً إلى اليوم…
● العماد عون له على الوطن، كل الوطن، في مسيحيه ومسلميه على حدّ سواء. هو أنقذ الكثير في استراتيجيته الواضحة والثابتة حيال مقاومة إسرائيل وفي مواجهة المدّ الاصولي المدمر للمنطقة بمسيحييها ومسلميها. هو لم يلجأ كما غيره إلى حسابات الربح والخسارة الشخصية ولا إلى السمسرات والعمولات والصفقات من دماء الشعوب العربية ولا سيما الشعبين اللبناني والسوري. هو نظر إلى التاريخ والجغرافيا والمبادئ والقيم في موقفه من المقاومة وسوريا، فقال كلمته ومشى، تبعه من تبع وتخلف من أراد. موقفه المجاني هذا أدى إلى رفع سعر أخصامه وأعدائه من مسيحيي 14 آذار خصوصاً لدى أسيادهم في الدول العربية والغربية فانهمرت عليهم الأموال والمدائح.
● العماد عون في مواقفه اللبنانية والإقليمية حيال المقاومة وسوريا وغيرها يمثّل قيمة وطنية واستراتيجية نادرة سواء بحجمها التمثيلي أو بطابعها الماروني المسيحي، وهي استراتيجية تقع أيضاً في صلب استراتيجية الفاتيكان وبكركي الهادفة إلى حماية الوجود المسيحي التاريخي في الشرق في مواجهة ما يتعرضون له في البلدان المجاورة للبنان، وبالأخص سوريا، التي لولا صمودها إلى اليوم لكان الوجود المسيحي كله على المحك…
● لذلك يخطئ كثيراً من يعتقد، ولا سيما من يعتبر نفسه في خط المقاومة، ان الحرب على العماد عون ودوره وحجمه في الداخل اللبناني شيء، وأن التحالف الاستراتيجي معه في مسألة المقاومة وسوريا وغيرها شيء آخر. من يضرب عون ودوره وحجمه في الداخل إنما يضربه في حجمه ودوره الاستراتيجي كحليف للمقاومة وكأحد حماة المسيحيين في هذا الشرق المهدّد بالأصولية الوهابية من سوريا والعراق إلى اليمن.
● وفي هذا المجال، ربّما آن الأوان لمن يعتبرون انهم لا يزالون يقودون السياسة الداخلية في لبنان وكأننا لا نزال في الزمن السوري الذي كانت فيه سوريا ضامنة للاستراتيجيات، ربما آن الأوان لهم ان يدركوا ان تلك الاستراتيجيات، وخاصة حيال المقاومة، باتت مسؤولية لبنانية محضة، وان العماد عون هو إحدى ركائزها، وانه لا قيمة استراتيجية محلية وإقليمية للعماد عون من دون قيمته وحجمه ودوره اللبناني والمسيحي، وأن من يضرب هذه عن غفلة أو يقظة إنما يضرب تلك عن قصد.
● بين الحرب الداخلية التي يشنها عليه أعداؤه وخصومه منذ أن عاد إلى لبنان في العام 2005، وبين خطيئته القبول أو التغاضي عن التمديد للمجلس النيابي الحالي من بين أخطاء أخرى أقل أهمية ومتعارف عليها في الممارسة السياسية، يجد العماد عون نفسه اليوم في مأزق جدي حتى ولو كان حليفه حزب الله جاهزاً على الدوام لمؤازرته في السراء والضراء في كل موضوع وتفصيل، صغيراً كان أم كبيراً. فحجم الحليفين معاً في الحكومة والمجلس النيابي قادر في كثير من الأحيان على منع الكثير من الأمور لكنه بالمقابل عاجز في الكثير من الأحيان عن تحقيق إنجاز واحد بفعل تكتل الآخرين ضده، بمن فيهم حليف الحليف، حركة أمل. ولذلك كان مستحيلاً انتخاب رئيس للجمهورية أو التوصل إلى صيغة توافقية لعمل الحكومة، كما هو مستحيل تعيين قائد أصيل للجيش ومدراء أصيلين للأجهزة الأمنية عند شغور بعضها كما هي أيضاً حال المناصب العليا في القضاء والإدارة، أو حتى في مشاريع النفط والكهرباء والخليوي والنفايات وغيرها.
● العماد عون، وحتى إشعار آخر، سيبقى في مأزق، أو من مأزق إلى آخر، طالما ان الوضع السياسي والحكومي مستمر على حاله، وطالما ان الحل السياسي الشامل في لبنان لن يكون جاهزاً إلا بعد وضع الاتفاق النووي الإيراني موضع التنفيذ بعد شهرين، والذي يؤمل بعده ان تنطلق مبادرات الحلول الإقليمية في العراق واليمن وسوريا بما قد يسفر لاحقاً عن صيغة تسوية للحل اللبناني تؤدي إلى إيجاد توازنات جديدة على صورة الحلول الإقليمية حولنا على ما درجت عليه الحلول والتسويات في لبنان.
● في هذه الأثناء، يصعّد العماد عون مواقفه حيال التمديد لقائد الجيش وغيره من القيادات العسكرية والأمنية ويدعو أنصاره للنفير العام استعداداً للنزول إلى الشارع.
خطأ العماد عون في هذا التصعيد وفي موضوع قيادة الجيش تحديداً، وبصرف النظر عن موقفه المحق والقانوني في تعيين قائد جديد للجيش وعدم التمديد لأحد، خطأ العماد عون الذي تغاضى في السابق عمّا هو أهم بكثير، أي التمديد للمجلس النيابي، هو انه يخوض هذه المعركة في ظروف معنوية وعسكرية وأمنية بالغة الدقة والحساسية بما يجعل التداول والتصعيد العلني والإعلامي مسيئاً للجيش وضباطه وعناصره بكل المعاني وبصرف النظر عمن يتولى قيادته اليوم وعن عدم قانونية استمراره في القيادة.
وخطأ العماد عون الثاني في هذه القضية بالذات، ان العماد عون في حملته لصالح تعيين العميد شامل روكز في منصب قائد الجيش، إنما يسيء بالعمق إلى سمعة وكفاءة ومناقبية هذا الضابط الكبير الذي يبدو أبعد الناس اهتماماً وسعياً لهذا التعيين، والذي هو من القلائل الذين خدموا في الجيش وله على الجيش بأكثر مما للجيش عليه، والذي يستحق قيادة هذا الجيش بأكثر مما يرى فيه العماد عون نفسه، وحيث حريُّ ان يقال عن روكز ان عون هو والد زوجته ولا يصح فيه القول إنه “صهر الجنرال”.
● الناس جميعاً، وأيا كانت انتماءاتهم، يقدّرون العميد شامل روكز، لكنهم في هذه الظروف بالذات وللأسباب التي مرّت، لن يكونوا مستعدين للنزول إلى الشارع في سبيل اية قضية تتعلق بالجيش اللبناني إلا دعماً مطلقاً له في هذه الظروف. لكن الشارع نفسه، اللبناني وليس المسيحي فقط، سيكون مستعداً للنزول مع العماد عون إلى الشارع لقضايا أخرى تقض مضجعه وتنهش يومياته وتقضي على مستقبله وتعميه في عتمة الكهرباء وتخنقه في جبال النفايات وترهقه في صفقات الفساد وتنهكه في سجالات التحريض الطائفي والمذهبي والعنصري بين أهل الدولة في وسائل الاعلام وخارجها.
● اليوم، أكثر من أي وقت مضى، طفح كيل اللبنانيين، كل اللبنانيين، من الطبقة السياسية برمّتها. كرهوا حديثها ووجوهها ووعودها ومهاتراتها وعجزها وفسادها وادعاءاتها وصفقاتها وسمسراتها وجشعها، وكلّما ظن اللبنانيون ان تلك الطبقة قد أوصلتهم إلى القعر تبيّن لهم انها اوصلتهم إلى قعر آخر ليس له قعر.
● لا يمكن لشخص في موقع العماد عون أن يتجاهل بأن مشكلة التمديد لقائد الجيش وغيره في القيادات والمناصب ليست إلا نتيجة حتمية لعجز الدولة وفشل الطبقة السياسية وفسادها وحروبها، ولذلك كان الفراغ الرئاسي والتمديد للمجلس النيابي وصولاً إلى كل ما نراه اليوم من مظاهر الانحلال والاهتراء في مختلف قطاعات الدولة وخدماتها، وليس آخرها تراكم النفايات وانقطاع الكهرباء بانتظار التدهور في قطاعات أخرى.
● العماد عون عندما يختار التصعيد في موضوع قيادة الجيش إنما يتصدى لمشكلة فرعية وللنتيجة فيما السبب الواجب التصدي له هو في مكان آخر، في الدولة والحكومة والمجلس النيابي، وبالأخص لدى الطبقة السياسية المهيمنة على البلد والتي أوجدت فيه حالة قرف يتوّحد فيها اللبنانيون جميعاً، وهي حالة باتت عابرة للطوائف والمذاهب والسياسات على اختلاف مشاربها وأهدافها. والعماد عون، المتحرر من الحسابات السياسية الضيقة ومن القيود الداخلية والخارجية، ربما يكون وحده المؤهل لقلب الطاولة ولجم التدهور بدلاً من خوض المعارك الفرعية التي لا تقدّم ولا تؤخر في الوضع الراهن.
● قلب الطاولة لا يقتضي من العماد عون انقلاباً ولا استنفاراً للشارع ولا تهديداً للأمن ولا استهدافاً لفئة ولا استجلاباً لزعامة. قلب الطاولة يستلزم من العماد وبكل بساطة ان يدعو الطبقة السياسية للاحتكام فوراً لدى اللبنانيين عبر صندوق الاقتراع.
ولكي تكون تلك الدعوة صادقة وناجعة يصبح لزاماً على العماد عون وكتلته النيابية ومن يرغب من حلفائه، الاستقالة بصورة فورية من المجلس النيابي الممدّد لنفسه، وأن يستنهض كل ما ومن يلزم من اللبنانيين للضغط في سبيل إجراء انتخابات نيابية فورية بالقانون الحالي، على ان تستمر الحكومة الحالية بأعمالها حتى انتخاب ذلك المجلس النيابي الجديد الذي تكون أولى مهماته انتخاب رئيس للجمهورية أيّا يكن وبالحضور الإلزامي لجميع النواب المنتخبين، ليصار بعدها إلى تكوين السلطة التنفيذية بحكومة جديدة تتولى إدارة البلاد والعباد.
● في كل النظم الديموقراطية عندما تبلغ الأزمات في بلد ما حدود الانقسام العام والانهيار العام يتم اللجوء إلى الشعب لتحديد خياراته من خلال الانتخابات، فإن تعنّتت الطبقة السياسية الحالية في رفض الانتخابات وأصرت على استمرار سرقة الوكالة الشعبية بالتمديد لنفسها، كان للعماد عون وللمجتمع المدني وغيرهم حق النزول إلى الشارع وإسقاط تلك الطبقة بالقوة وفقاً لما ينص عليه الدستور اللبناني من حقوق طبيعية للشعب اللبناني.
تلك هي المعركة المجدية وذاك هو ميدانها، وما عدا ذلك من معارك فرعية وحملات إعلامية وتسويات ظرفية، ما هو إلا مضيعة للوقت وهدر للطاقات وإمعان في انهيار الدولة واهترائها وفسادها. وقد تكون هذه المعركة بالذات قدر العماد عون في إنقاذ البلد بدلاً من السعي إلى رئاسة تجعله رهينة تلك الطبقة السياسية نفسها. ومن أجل هذه المعركة قد يكون من مصلحة العماد عون التفرغ لها كرسالة وطنية فيصبح من المفيد عندها إسناد قيادة التيار الوطني الحر إلى العميد شامل روكز بعد تقاعده لما له من رمزية قيادية وشعبية، فيما تسند القيادة السياسية للكتلة الوزارية والنيابية إلى الوزير جبران باسيل، وكفى الله المؤمنين شر القتال…
(*) المدير العام السابق للأمن العام
(السفير)