مقالات مختارة

هل أينعت ثمار التسوية النووية.. سورياً؟ محمد بلوط

 

حمّى مبادرات ديبلوماسية على المسار السوري. الانتعاش المباغت في طرح المبادرات، تحول إلى شبه سباق بين الايرانيين، الذين طرحوا مبادرة «معدلة» من أربعة بنود، والروس، الذين باتوا يملكون تفويضاً أميركياً واضحاً في اختبار العودة إلى عملية سياسية، بدءًا من «موسكو 3».

وتحاول المبادرة الايرانية، في سياق اختبار مفاعيل الاتفاق النووي، إعادة إيران لاعباً إقليمياً قوياً، في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وخلال الساعات الماضية تحولت طهران إلى موعد سوري، حضر إليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم، للقاء نظيره الايراني محمد جواد ظريف، فيما كان المشرف على الملف السوري في الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، يلتقي مساعد وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان.

ووصلت حمى المبادرات إلى سلطنة عُمان. فسجل العُمانيون خرقاً في الاتجاه السوري، بدعوتهم وزير الخارجية وليد المعلم إلى لقاء في مسقط، إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يقاطع سوريا. ولم يرشح عن الدعوة ما يؤكد حتى الآن أنها قد جاءت، بحسب مصادر سورية، في إطار قناة اتصال سوري سعودي، تحاول الديبلوماسية العُمانية النشطة تفعيلها واستقبالها في عاصمتها من أجل تحويل اللقاء بين رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك، وولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى منصة حوار في الظل.

ويعزو مسؤول سوري التفويض الاميركي لروسيا، إلى مكالمة قال إن الرئيس بوتين أجراها مع الرئيس الاميركي باراك أوباما. وكان بوتين قد قال لوفد سوري التقاه في حزيران الماضي، وسأله عن المفاوضات مع الاميركيين بشأن سوريا، إن أوباما بعد عرض للأوضاع في سوريا طالبه ببديل من الرئيس السوري بشار الاسد للذهاب معاً نحو تسوية، فسأله بوتين عما إذا كان الاميركيون يملكون بديلا من الرئيس السوري، ولم يأت أي جواب، وهو ما يعتبره الروس تسليماً بوجهة نظرهم.

وفي لعبة الأمم، كان الروس أنفسهم قد فوّضوا الاميركيين قبل عام ونصف أمر مؤتمري «جنيف 1» و«جنيف 2»، وتنظيم وفد المعارضة، إلى أن باءت هذه الجهود بالفشل. وكان ديبلوماسي أميركي قريب من الملف السوري قد قال لـ«السفير»: «اننا نتفق مع الروس على محاولة إحياء عملية جنيف، وتحت إدارتهم».

أما المبادرة الايرانية فتبدو مفاجئة نسبيا، خصوصا أنها تلي محاولة التواصل السعودية – السورية عبر القناة الروسية من أجل تشكيل تحالف ضد الارهاب. وتتضمن المبادرة أربعة بنود هي وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة كتابة الدستور السوري وإجراء انتخابات تشريعية، وقد تتضمن بنوداً جديدة يمكن أن تفتح أبواب موسكو أمام اجتماع ثالث بين الحكومة السورية والمعارضة، لكن هذه المرة بحضور وفد أميركي، إذا تأمن الحد الأدنى من التوافق المسبق على المبادرة، التي يطالب الأميركيون بتضمينها بنداً يتعلق بالانتخابات الرئاسية في مرحلة انتقالية تلي مرحلة الانتخابات التشريعية.

وأرفق الايرانيون الإعلان عن المبادرة بالقول إنها تأتي بعد مشاورات مع تركيا وقطر ومصر، وأعضاء في مجلس الامن، يرجح أنها الولايات المتحدة. وجلي أن الايرانيين يتجاهلون أية إشارة إلى السعودية حتى الآن. وتلت الإعلان عن المبادرة المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب أردوغان لترسيخ الانطباع بوجود تقارب تركي ايراني حول المبادرة.

وإذا ما تأكد أن المبادرة تحوي فعلا بنداً عن تعديل دستوري يأخذ في الاعتبار العوامل الاثنية والطائفية، بعدما وصف عبد اللهيان ما تسرب عنها بأنه مجرد توقعات، فإن ذلك يعد تحولاً ايرانياً نحو النظرة إلى التسوية، والاستجابة ربما، لمطلب الاكراد في الادارة الذاتية، ومغازلة الاتراك والاجنحة الاسلامية في المعارضة السورية. أما التركيز على حكومة موسعة بدلا من حكومة بيان جنيف الانتقالية، فيطوي عمليا الحديث عن أي تغيير في النظام.

وفيما تذهب موسكو بسرعة إلى دعوة المعارضة لملاقاتها في المشاورات حول استئناف مسار موسكو، باستقبال وفد ائتلافي ووفود من أجنحة المعارضة الاخرى، يستكمل الايرانيون تحريك المسار والترويج للمبادرة في قيام وزير خارجية ايران بجولة جديدة تقوده الى انقرة وموسكو، وقد تشمل ايضاً بيروت ودمشق وعمان. غير أن نقطة ضعف طهران إزاء موسكو هي التساؤل عن قدرتها على التواصل مع المعارضة، وفتح أبواب الحوار معها لتشجيعها على الجلوس الى طاولة المفاوضات.

وتشارك عواصم أخرى في تشجيع المسعى الايراني ـ الروسي، إلى جانب الأميركيين، وخصوصا سلطنة عمان، ومصر التي تطمح لدفع مجموعة مؤتمر القاهرة التي يقودها المعارض هيثم مناع إلى لعب دور أساسي فيها، في مواجهة الائتلاف الذي يسيطر عليه الاتراك، والذي أعاد انتخاب «الاخواني» خالد خوجة على رأسه لتأمين ورقة إعادة استخدام المعارضة الخارجية في أي استحقاق سياسي أو تفاوضي.

إلا أن تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد اجتماعه للمرة الثانية خلال أيام مع نظيره الأميركي جون كيري، في ماليزيا أمس، أن روسيا والولايات المتحدة لم تتمكنا حتى الآن من التوصل لنهج مشترك للتصدي لتنظيم «داعش»، يوحي أن مسار حلحلة النقاط العالقة بات يقدم مسألة «محاربة داعش» على ما عداها من النقاط الأخرى. ولكن لافروف أكد أنه اتفق مع كيري على أن يستمر المسؤولون الروس والأميركيون في العمل على إيجاد استراتيجية مشتركة لمقاتلة التنظيم المتشدد.

وفي دعوة إلى تعاون دولي أوسع للتصدي لتنظيم «داعش» تقول روسيا إن المكاسب التي حققها التنظيم على الأرض تحتم حتى على مجموعات المعارضة المسلحة السورية التعاون مع دمشق في قتال العدو المشترك. وقال لافروف في تصريحات نقلها التلفزيون الروسي «جميعنا متفقون على أن الدولة الإسلامية تشكل تهديدا مشتركا وشرا مشتركا. ومتفقون على أننا بحاجة لتضافر الجهود لمحاربة هذه الظاهرة بأسرع ما يمكن وبأنجع وسيلة ممكنة».

ولفت لافروف إلى أنه «في الوقت الراهن لا يوجد نهج مشترك حول كيفية القيام بذلك تحديدا في ظل المواجهة بين مختلف الأطراف على الأرض، بما في ذلك وحدات المعارضة السورية المسلحة».

وقال مسؤول كبير في الخارجية الأميركية لوكالة «رويترز» إن كيري أكد أيضا التزام الولايات المتحدة بتهيئة الأجواء لتسوية تعقب المفاوضات التي تهدف الى إنهاء الصراع في سوريا، خلال اجتماع مع نظيره التركي في ماليزيا.

وفي بداية الاجتماع سأل صحافي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: متى ستكون هناك قوة سورية معارضة فعالة في منطقة عازلة بشمال سوريا تهدف تركيا والولايات المتحدة إلى إقامتها؟ فأجاب «الآن نقوم بتدريب وتجهيز المعارضة المعتدلة مع الولايات المتحدة وسوف نبدأ في قتال داعش بفاعلية قريبا».

وأكد المسؤول الأميركي أن كيري ولافروف ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير «اعترفوا (في اجتماع الدوحة الأخير) بالحاجة إلى حل سياسي للصراع والدور المهم الذي يجب أن تلعبه جماعات المعارضة للتوصل إلى هذا الحل».

وخلال لقائه المعلم في طهران، أکد روحاني أن مكافحة الارهاب ودعم الشعوب المظلومة والحكومات الصدیقة وکذلك العمل لإرساء الامن والاستقرار في المنطقة تعد من مبادئ إيران وأهدافها الثابتة التي لا تتغیر.

وأکد الرئيس الإيراني أن «طریق الحل لمشكلة سوریا هو الحل السیاسي فقط لا العمل العسكري». وأضاف، بحسب ما ذكرت وكالة الانباء الايرانية الرسمية، «اننا في المجال السیاسي سنستخدم کل طاقاتنا وإمكانیاتنا السیاسیة لمعالجة المشاکل وإرساء الامن والاستقرار وتحقیق مطالب الشعب السوري».

إلى ذلك، شدد عبد اللهيان على أن إيران سترفع مبادرتها الرباعية النقاط قريبا إلى الأمم المتحدة، «بعد استكمال مناقشات مفصلة بين طهران ودمشق»، في وقت نقل التلفزيون السوري عن المعلم قوله «نحن قلنا إننا مع أي جهد لمحاربة داعش وذلك بالتنسيق والتشاور مع الحكومة السورية، وإلا فإنه خرق للسيادة السورية»، فيما ذكرت قناة «الميادين» أن اتصالات أميركية – سورية حصلت أمس، بين مندوب سوريا في الامم المتحدة بشار الجعفري ونظيرته الأميركية سامنثا باور.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى