بري ـ عون: تحالف «الخيط القطني» كلير شكر
هذه ليست المرة الأولى التي يفصل فيها ميشال عون خيط دستورية مجلس النواب عن خيط لا شرعيته. لكنها المرة الأولى التي ينتظره الرئيس نبيه بري على كوع هذا التمايز، ليمسكه من اليد التي تؤلمه.
منذ أن تسلل مخدّر التمديد الى عروق البرلمان، خلافاً لرغبة الجنرال الطامح الى كسر ميزان قوى السلطة التشريعية، كمدخل لتعبيد الطريق أمامه الى القصر الجمهوري، راح الرجل يرجم مجلس «الممددين لأنفسهم» بتهمة «غير شرعية شعبية»، من دون أن يقرب من دستوريته.
يعرف الرجل الفارق بين الصفتين، وتقصّد في أكثر من مناسبة شرح المقاربتين وبُعديهما القانوني، وآخرها كان عبر أثير «صوت الغد» في مقابلته يوم السبت الماضي، حين تطرق للمسألة وأعاد ضرب لا شرعية المجلس بحجر التمديد.
ولمزيد من السواتر الدفاعية، يحاول الجنرال «التحايل» على هذا المنطق، وهو المدرك أنّ هناك من يلومه حين يصرّ على تفريغ المجلس من شرعيته، في حين أنّ هذا البرلمان الفاقد لهذه الأهلية هو الذي سينتخبه رئيساً في ما لو رسا يانصيب التوافق على أرقام حظه.. من خلال تغليف مقاربته بخطة إنقاذ شاملة تشمل الرئاسة والانتخابات النيابية ضمن سلّة واحدة، للهروب من الحفرة التي يحفرها بيديه.
لكن الغريب، هو خروج الرئيس بري فجأة عن صمته عن هذه المقاربة كل هذه المدة، كي يقول في العلن ما يردده دوماً في مجالسه الضيقة، فيتصدى لـ «حليف الحليف» بالمنطق ذاته: «ما دمت أنت لا تعترف بشرعية المجلس فهذا يعني أنّ اللا شرعيين لن يصوتوا لك».
طبعاً، لن يكون هذا الموقف الاستفزازي استثنائياً على طريق عين التينة ـ الرابية، وهي المزروعة بالألغام المستورة والمرئية، وتدفع حليف الطرفين، الى القيام بمجهود مضاعف للتخفيف من حدّة الخلافات القائمة بينهما.
هكذا لم يعد السؤال حول القطبة التي دفعت برئيس المجلس الى الخروج عن مساعي التهدئة التي كان يحاول «حزب الله» تكريسها بين حليفيه، ما دامت الأسباب كثيرة ومتفرعة على أكثر من مستوى، ويمكن لأي منها أن يطل برأسه ليعيد رفع منسوب التوتر في «لحظة تخلّ».
ورغم ذلك، لا تزال الرابية تتحصن بالسكون. يحاول المقربون منها التعليق على ما جاء على لسان بري وفقاً للقاعدة المعمول بها منذ مدة والقاضية بهضم «النيران الصديقة» الآتية من صوب عين التينة.
وما لم يبح به هؤلاء، تكفلت المحطة البرتقالية «OTV» بالتلميح الى بعض عناصره، خلال نشرة ليل الأحد، حين تحدثت عن «مساعي حلول لا تزال تراوح مكانها. آخر أسرار عطلة نهاية الأسبوع، أن محاولة أولية كانت قد انطلقت خجولة، لبلورة مقايضة ما، بين تسهيل حل قضية النفايات، مقابل تسهيل ما في موضوع التعيينات العسكرية. لكن المحاولة وئدت في مهدها ولم تر النور».
ويقول بعض المطلعين إنّ «حزب الله» حاول خلال الأيام الماضية إنعاش بعض القنوات الحوارية المقطوعة بين حليفيه، وذلك استباقاً لجلسة يوم الأربعاء التي ستكون مفصلية، وتحصيناً لعمل الحكومة كي لا تصاب بالترهل المبكر.
كل ما يمكن للحزب أن يقوم به خلال هذه الفترة هو «ترقيع» هذا التواصل بواسطة «حجارة» ملف التعيينات العسكرية، ليكون رئيس المجلس من صفّ العماد عون في مطلبه الرافض لمنطق «تقطيع الوقت» عبر مخدر التمديد.
لكن مقايضة كهذه لن تمر من دون رفد المجلس بجرعة تشريع يطالب بها بري حلفاءه قبل خصومه، وتحديداً «تكتل التغيير والاصلاح»، فتعيد بعض الروح الى البرلمان المعطّل بفعل رفض القوى المسيحية لمبدأ التشريع في غياب رئيس للجمهورية.
إلا أن هذه المحاولة بدت صعبة جداً وغير قابلة للتحقيق، مع أنّ الحلفاء الثلاثة، أي «حزب الله» والرئيس بري والعماد عون، متفقون على أنّ هذه الأزمة المستجدة والتي تضاف الى كومة الأزمات بين عين التينة والرابية، لن تحرف مسار التوافق بينهم عن خطّ التمسك بالحكومة، الأحمر.
حتى رئيس الحكومة تمام سلام يدرك جيداً أنّ فرط حكومته ليس من مصلحته، وبأنّ تجميد عملها يبقى أقل ضرراً من تحويلها الى حكومة تصريف أعمال. ولهذا هناك من يتساءل: لماذا يصر بري على تقديم هذا الدعم المجاني للرئيس سلام، ما دام مطلعاً على «البير وغطاه» ويعرف جيداً أنّ كل هذا التهديد لن يقرّش بلغة الاستقالة أبداً.
جبهة «8 آذار»، وفق ناسها، متماسكة حول هذه المسألة، ولن يصب نار «التأفف» الذي أطلقه الرئيس بري، الزيت على النار، وما دامت الرابية ترفض الانجرار الى منطق الرد والرد على الرد، مع العلم أنّ «حزب الله» كان يحاول الحفاظ على السكينة والهدوء على هذا الخط، الذي تحول الى وقود تحت الرماد، قد يشتعل في أي لحظة.
ومع ذلك، يقول هؤلاء إنّ تصدي بري للجنرال في وصفه المجلس بغير الشرعي ليس أكثر من فشة خلق مقابلة لفشة خلق سبقتها، لا معنى لها بالسياسة الا تجميد الحراك المكتوم الذي كان يقوم به «حزب الله».
(السفير)