هل من تحوّل تركي ضد «داعش»؟ محمد نورالدين
تغير المشهد السياسي والعسكري والأمني في تركيا رأساً على عقب، وما كان في رأس قائمة السجالات والنقاشات تراجع لمصلحة ما سميت بالحرب ضد «داعش» وضد حزب العمال الكردستاني التي أعلنتها الحكومة التركية.
انعطاف حاد، كما يبدو في الظاهر، في الأولويات الحكومية وجّهت الأنظار إلى مكان آخر غير مكانه الحقيقي.
تركز تركيا هذه الأيام على ما تسميه خطر تنظيم «داعش». لكنها تعطف عليه دائماً خطر حزب العمال الكردستاني، ومعه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني. إذا كان حزب العمال الكردستاني مصنفاً في تركيا على أنه حزب أو منظمة إرهابية فهذا عمره ثلاثون عاماً. لكن أن تنتقل أنقرة إلى فتح جبهة ضد «داعش» فهذا أمر جديد ومستغرب.
وضعت تركيا «داعش» في قائمة الإرهاب منذ خريف 2013. لكن هذا لم يمنع أن تكون تركيا هي الحاضنة الأكبر لهذا التنظيم. اجتماعياً هناك أكثر من ثلاثة ملايين ناخب لحزب العدالة والتنمية لا يرون هذا التنظيم إرهابياً. وإذا أضفنا البيئة المحيطة بهؤلاء لكنا أمام أعداد أكبر من البيئة الحاضنة. هناك من 3 إلى 5 آلاف مقاتل تركي يقاتلون مع «داعش». هناك مكاتب معروفة في اسطنبول وغيرها مفتوحة لتجنيد شبان من تركيا ومن خارج تركيا ليقاتلوا مع «داعش». مهرجانات دعم هذا التنظيم والمبايعات له في تركيا تنظم علناً ولا سيما في اسطنبول. كيفية تجنيد هؤلاء في المناطق الجنوبية من تركيا باتت معروفة بالأسماء والأماكن. والصلة الوثيقة لتركيا بالتنظيم مالياً، عبر شراء النفط المسروق في سوريا والعراق، تنشرها الصحف الغربية، وآخرها قبل أيام في صحيفة النيويورك تايمز.صورة تركيا العالقة لدى الرأي العام الخارجي، ولا سيما الأمريكي والإنجليزي، هي صورة الدولة الداعمة لهذا التنظيم.
ما الذي تغير من سلوك هذا التنظيم حتى تغير تركيا موقفها منه؟ ليس هناك من وضع دراماتيكي حصل لنكون أمام موقف تركي مختلف عن السابق. حتى مجزرة سوروتش التي ذهب ضحيتها 32 كردياً وتركياً وأكثر من مئة جريح، كان ضحاياها من الشبان المعادين ل«داعش»، بل كانوا في طريقهم إلى عين العرب/ كوباني ليساهموا في إعادة إعمارها. في هذه العملية مصلحة أكيدة ل«داعش»، ومن مصلحته تبنيها لكي يحرز نصراً إعلامياً. ومع ذلك لم يتبنّ هذا التنظيم العملية وهو الذي يسارع إلى تبني عمليات أكبر وأصغر من ذلك، ليقول إنه موجود في كل مكان. في المقابل، كانت أنقرة تشير منذ اللحظات الأولى للانفجار، وقبل أي تحقيق جنائي للأشلاء، إلى أن هناك شكوكاً قوية في أن يكون «داعش» وراء التفجير. وبعد ذلك بيومين أكدت أنقرة ذلك.
أنقرة هي التي فتحت جبهة «حرب» على «داعش». لكنها لم تكن حرباً عسكرية ولا أمنية، ولا حتى سياسية. كانت حرباً وهمية بكل معنى الكلمة. المعتقلون بالمئات معظمهم تابعون لحزب العمال الكردستاني. أنقرة التي كانت تصر على أن الضربات الجوية ضد «داعش» لا تنهيه، وانه يجب شن حملة برية عليه من قبل قوات التحالف وحينها هي مستعدة للمشاركة فيها، تناقض الآن نفسها بنفسها عندما تعلن أنها وجهت ضربات جوية لبعض المواقع وقتلت مقاتلاً أطلق النار على ضابط تركي من وراء الحدود. محصلة مخجلة لعمل عنوانه «الحرب». ثم تقول أنقرة إنها لن تدخل سوريا بقوات برية. ولن تكون جزءاً من أي حرب أو عملية. يعني أن إنقرة إما أنها كانت تكذب في السابق، وإما أنها تكذب الآن. نحن هنا أمام تناقض كبير يخفي الهدف الحقيقي وراء كل هذا التضليل الإعلامي.
الهدف الأساسي هو تشديد الحملة على حزب العمال الكردستاني وتشويه صورته في الخارج من خلال ذكر اسمه دائماً مع «داعش» لتصيب أنقرة عصفورين بحجر واحد: كسب دعم الغرب وتحسين صورة تركيا بالنسبة إلى الموقف من «داعش»، وكسب، بالالتفاف، دعم الغرب ضد حزب العمال الكردستاني، ثم وضع أكراد تركيا تحت الضغط والقول لهم إنهم ماداموا يعطون أصواتهم لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي فلن يعرفوا السلم، بل الموت، كما حصل في تفجير سوروتش، حيث تتوجه الأصابع لوضعه ضمن عمل استخباراتي تركي.
لكن ما الذي يخدم كل هذا؟ الجواب بسيط للغاية ولا يكاد اثنان يختلفان عليه داخل تركيا: ترهيب الناخبين الذين يؤيدون الحزب الكردي واستعادة بعض الأصوات منهم التي كانت تؤيد أردوغان، بحيث يستعيد حزب العدالة والتنمية بعض الأصوات تكون كافية ليعود منفرداً إلى السلطة في انتخابات مبكرة خلال الخريف المقبل، ليتمكن أردوغان من الحكم مجدداً من دون شريك حزبي من المعارضة. سيناريو لن تنجو تركيا من مفاعيله الدموية في الداخل كرمى لشهوة السلطة والاستئثار.
(الخليج)