الصيف الذي سُحقت فيه الديمقراطية: نداف سرجيه
في صيف 2005 سُحقت الديمقراطية الاسرائيلية بشكل علني. كنت هناك كمراسل صحافي، وقد رأيت الشرطة وهي تضرب المتظاهرين بعنف، ورأيت رجال الامن يوقفون الحافلات في شوارع البلاد ويعتقلون سائقيها وينزلون الركاب منها بتهمة النية بالتظاهر ضد الانفصال. وقد جلست في جلسات تم فيها تمديد اعتقال متظاهرين ضد الطرد، كردع وليس كعقاب. وشاهدت تمديدات اعتقال جماعية وقاصرين تم اعتقالهم دون تقدير معمق. واغلاق الشوارع ايضا الذي هو معروف في البلاد كأداة احتجاج شرعية عندما يناضل الناس من اجل أجرهم ومعيشتهم. وقد قيل إن الاحتجاج يشكل «خطر على سلامة الجمهور» في الوقت الذي كان فيه احتجاج على اخلاء منطقة استيطانية كاملة وطرد الناس من بيوتهم.
لقد أخجلت الكنيست الاسرائيلية مفهوم الديمقراطية عندما خضعت لاخطاء اريئيل شارون وسنت قوانين غير معيارية ـ السجن ثلاث سنوات ـ للاسرائيليين الذين يعودون إلى المناطق المُخلاة ويرفضون الخروج منها أو يقتحمون أحد المنازل. النيابة العامة والشرطة والمحاكم ايضا تصرفت مثل قطيع، وفقط المحامون العامون هم الذين تجرأوا على انتقاد سياسة الاعتقالات والتطبيق الانتقائي للقانون حسب الانتماء السياسي وسن قوانين جديدة للانفصال والمحاكمات الجنائية وغيرها.
السلطة أضرت ليس فقط بنفسية وعالم من تم اخلاءهم من غوش قطيف بل ايضا بحرية التظاهر والاحتجاج والتعبير والانتظام. وقد ساعدتها وسائل الاعلام في ذلك. وفيما بعد استيقظت بعد فوات الأوان وبعد أن هدأ الغبار في خرائب غوش قطيف. الاحتجاج كان غير عنيف لكن السلطة تعاملت معه على أنه تمرد مسلح. الهدف ـ تدمير غوش قطيف واخلاء سكانه ـ برر كل الوسائل. والمُخلون أنفسهم الذين حذرت وسائل الاعلام من عنفهم، طلبوا الانتصار «بالحب» لأنهم فهموا أن الهدف ليس فوق كل شيء.
إن شارون هو الذي بادر، وفي الجيش والشرطة كانت الاجواء ضد المتظاهرين حيث التوافق مع القائد. وقد قام شارون باقالة عدد من الوزراء لأنه خشي من تصويتهم ضده. وقد كذب حينما وعد باحترام قرار مركز الليكود الذي رفض خطته، وتملص من اجراء الاستفتاء الشعبي لأنه خشي الخسارة. التمهيد الذهني للقوات المسؤولة عن الاخلاء ذكرنا بغسل الدماغ وحول البعض إلى روبوتات مطيعة. القادة تحدثوا عن الديمقراطية بينما كانوا يهزأون منها. وحينما تم الاشتباه بشارون جنائيا قال صحافيون مثل ابراهام ابراموفيتش إنه يجب الحفاظ عليه، ويوئيل ماركوس ساهم في حينه عندما نشر مقالة تحت عنوان «الفساد يمكنه الانتظار».
الصحافية أورلي غولدكلان كتبت في يوم الجمعة الماضي في مقالتها «غوش في الحلق» أن الادعاء حول الخطوة الديمقراطية وتنفيذ رغبة الشعب كانت أكبر الاكاذيب في خطة الانفصال. والحقيقة كانت أخطر: ترافق الكذب مع الخداع وسرقة المواقف وتقديم عروض وهمية من رئيس الحكومة شارون والوزراء الذين بدلوا مواقفهم، دون الحصول على تفويض من الجمهور الواسع. «الديمقراطية تدافع عن نفسها»، قال معارضو الانفصال في حينه. ولكن من يقرأ مقال البروفيسور بوعز سنغارو، المختص في قانون العقوبات، سيفهم أن هذا كان مبررا فقط. فرسان حرية التعبير والديمقراطية ومنهم المعهد الاسرائيلي للديمقراطية، فشلوا في لحظة الحقيقة في الدفاع عن الديمقراطية، لأن انتصار على معارضي الانفصال كان أهم بالنسبة اليهم.
قبل النظر إلى قائمة الفشل في خطة الانفصال، يجب على الدولة ترسيخ قانون الاستفتاء الشعبي لكي يحسم المواضيع المصيرية. فقط قانون كهذا سيمنع خطوات سياسية مفاجئة في المستقبل، تسحق لديمقراطية كما حدث هنا قبل عشر سنوات.
اسرائيل اليوم