مقالات مختارة

انتهازية الغرب حميدي العبدالله

 

في نهاية عام 2014 ومطلع 2015، عندما كان الجيش السوري يحقق المزيد من المكاسب على الأراضي السورية ضدّ المجموعات المسلحة، بكلّ تشكيلاها المصنفة إرهابية والمصنفة معتدلة من قبل الغرب، تعالت الأصوات الغربية التي تؤكد أن لا حلّ للأزمة في سورية ولا أفق لمواجهة الإرهاب، إلا بالتعاون مع الحكومة السورية. وفي ظلّ هذا المناخ تقاطرت الوفود الغربية إلى سورية من الدول الأكثر تشدّداً والأكثر تورطاً في الحرب عليها، ولا سيما وفود من فرنسا وحتى من الولايات المتحدة. وفي هذا المناخ، أطلق وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية تصريحه الشهير الذي أعلن فيه أنّ الحلّ في سورية يتطلب مشاركة الرئيس بشار الأسد وتعرض بعد ذلك لسلسلة من الضغوط بهدف التراجع عن هذا التصريح، لكنّ وسائل الإعلام الغربية والأميركية ومراكز الأبحاث، باستثناء تلك المرتبطة بمعسكر المحافظين الجدد أو المموَّلة من الحكومات الخليجية، دأبت على النصح بالتعاون مع الحكومة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد لمحاصرة الإرهاب ووقف تمدّده.

لكن منذ أن حققت التنظيمات الإرهابية تقدماً في إدلب وتدمر، بدأت الحكومات الغربية ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث بالتراجع عن مواقفها السابقة، وتراجعت، إن لم نقل اختفت، الدعوات إلى التعاون مع الدولة السورية لمكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من أنّ التقدم الذي حصل على جبهات إدلب وتدمر حققته التنظيمات الإرهابية الموصوفة، أي «داعش» على جبهة تدمر، و»النصرة» على جبهة إدلب، إلا أنّ ذلك لم يحُل دون استغلال الحكومات الغربية لتقدم الإرهابيين والتراجع عن دعواتها السابقة، علماً أنّ من يحارب الإرهاب فعلاً ويخشى تعاظم قدرات الإرهابيين، كان ينبغي أن يقلق أكثر من هذا التقدم الحاصل على حساب الجيش السوري، وكان ينبغي عليه أن يسرع أكثر إلى ملاقاة الحكومة السورية، بل وحتى تقديم الدعم لها لجبه خطر الإرهاب المتمدّد، لكنّ الذي حصل هو العكس تماماً، فالإعلام الغربي ومراكز الأبحاث الغربية، وحتى الحكومات الغربية، احتفلت بتقدم الإرهابيين وكأنه نصر لها، وليس خطراً داهماً لا يهدّد السوريين وحدهم، بل المنطقة والعالم.

سلوك الغرب هذا لا يمكن تفسيره إلا بأنه انتهازية سياسية، انتهازية تفتقر إلى أبسط القيم والمبادئ، فالتنظيمات المتطرفة، سواء كانت مصنفة إرهابية أو معتدلة، جميعها تتبنى قيماً ومفاهيم غير تلك التي ينادي بها الغرب وتسود مجتمعاته، وبالتالي فإنّ الغرب لو كان صاحب مبادئ ولا يعتمد الانتهازية السياسية، لكان رفض من حيث المبدأ أي تعاون وعلى أي نحو كان مع هذه الجماعات المتشدّدة، لكنه ضرب عرض الحائط بتلك القيم والمبادئ التي ينادي بها وقرّر أن يتعاون مع الشيطان للنيل من الدول والحكومات التي ترفض الإذعان للسياسات الغربية القائمة على الهيمنة والعودة إلى سياسة الاستعمار.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى