الزبالة في لبنان أنواع ثريا عاصي
هل تدل الزُبالة المُكومة في شوارع العاصمة بيروت وفي أزقة أحيائها على إضراب عمّالي غايته إيصال مطالب الزبالين إلى المسؤولين ؟ هذا يحدث مثله في البلاد الأوروبية. مرد هذا التساؤل في الواقع إلى عدم إقتناعي بوجود حركة نقابية عمالية مستقلة لها فرع في قطاع الخدمات البلدية. وإنما أميل شخصياً إلى الظن بأن وراء توقف شركة « سوكلين» عن جمع الزبالة توجد إرادة سياسية لدى بعض الأطراف في استخدام الزبالة في الراهن سلاحاً في المنازعة ضد خصومهم.. كما لو أنه تعذر على من بيدهم هذا السلاح اللجوء إلى سلاح من نوع آخر. هذه فرضية تحتاج طبعاً إلى إثبات وتوكيد.
ما لفت نظري في هذه المسألة هو وزير الصحة الذي لزم الصمت أمام كوم الزبالة المنتشرة في بيروت. علماً أننا في شهر تموز حيث تصل درجات الحرارة إلى معدلات عالية ! لا سيما أن حملات البحث عن الزُبالة في الأطعمة والحلويات، التي يبادر إلى إطلاقها الوزير المذكور مشكوراً، بين الزيارة والزيارة إلى بلاط آل سعود أثارت الإندهاش وأوهمت الناس بأن الدولة ساهرة على سلامتهم صحياً.
إذا صحت فرضيتي أعلاه تكون الدولة في لبنان متوقفة عن أداء واجبها ومتنصلة من مسؤولياتها. يستتبع ذلك أنه يحق لنا أن نستفهم عن علّة وجودها وعن الامور التي تهمها. إذ من المحتمل أن تكون هذه الدولة مرتبطة بعلاقات أو بإلتزامات خارجية تشغلها عن إدارة شؤون البلاد بمستوى الحد الأدنى. فمن المعروف أن الحكومة في لبنان هي حكومة توافقية. أي أنه ليس لديها برنامج سياسي تطبقه. بمعنى آخر هي لا شيء لا تقدمية ولا محافظة. وإنما تضم حكام طوائف ومذاهب يعقدون جلسات مباحثات فيما بينهما علـّهم يتوصلون إلى إتفاق على اقتسام واردات الدولة. جل المكرمات لا تدخل في قيد ميزانية الدولة. يتسلمها أصحابها، «غير المغضوب عليهم»، مباشرة في البلاط الملكي. كل حاكم طائفي لبناني يفرض على طائفته السياسة التي يريد!
يحضرني في إطار هذه المقاربة « تصنيف الزبالة» بحسب الفنان الموهوب، زياد الرحباني. فهو يدعو إلى ملاحظة الزبالة الي تعشش في المكاتب والزبالة التي يقرها من لهم حق التصويت بالإضافة الى الزبالة التي يحرسها «القبضايات».
تناقلت وسائل الإعلام في المدة الأخيرة أخباراً عن محاولات تسوية أو مقايضة، مقابل غض النظر وقبول إصدار براءة ذمة في موضوع أحد عشر ملياراً من الدولارات تبخرت من ميزانية الدولة، تمثل قروضاً يتوجب على اللبناني تحمل أعباء تسديد فوائدها وأقساطها. أنا لا أقول أنه لو صرف هذا المبلغ على إنشاء مصانع لمعالجة النفايات، لما تعرض اللبنانيون للإبتزاز أو لمزاجية أمراء الطوائف، في منح موافقتهم على طمر الزبالة في أرض تابعة لإمارتهم، لا أقول هذا لأني أعتقد أنه رُصدَتْ مبالغ مماثلة، ربما أكبر، من أجل تطوير شبكات توزيع الكهرباء والمياه. أستنفذ المال العام، لم يتحقق التطور، زادت نسبة الزبالة التي تزفرها موالدات الكهرباء الخاصة، زادت الزبالة في المياه الجوفية التي يشتريها اللبناني. أغلب الظن أنه لا يوجد في لبنان أمير طائفي لا يتربع على ثروة كبيرة. خلاصة القول وقصاراه، أنه لو كان اللبنانيون وطنيين فعلاً لما ارتضوا العيش محاطين بالزبالة من كل جهة.
(الديار)