رحلات بوجي الأول: ناحوم برنياع
لا يوجد كالطائرات. رئيس المعارضة يترك في منتصف الليل سهل اللد الرطب وبعد 12 ساعة ينزل في نيويورك الرطبة. احد ما لا يعرفه يحرص على أن ينقله على عجل في رقابة الجوازات، دون ان يقف في الطابور الطويل، دون اسئلة مزعجة، دون أخذ البصمات. طيران لساعة اخرى، فاذا به ينزل، محشورا ضمن عصبة من الحراس في مطار ريغان في واشنطن. احد ما يصر على ان يجر الحقيبة بدلا منه. وها هو السفير: فقد استيقظ من نومه مع الفجر، ويا له من لطيف، كي ينتظر رئيس المعارضة في المطار. سيارة فاخرة وسوداء غسلت ولمعت قبل يوم، من أجله فقط. وهو يشعر بانه هو وحده، منقذ الوطن؛ يشعر بانه نتنياهو.
بعد أربعة ايام من ذلك، في مطار بن غوريون، احد لا ينتظره. يخرج إلى يوم حار في تل أبيب. يفتح هاتفه الخلوي، يقرأ ما كتبوه عنه في الشبكات الاجتماعية. اليمينيون يكتبون انه خائن، واليسارون يكتبون انه مخوزق. فترشح عنه شتيمة هامسة: والعجة من الطيارة تعلق في حلقه. ليته كان عندي قرصا لتخفيف وجع الرأس، يقول لنفسه، المعارضة مقابل قرص وجع الرأس.
لقد اصبح اتفاق النووي مع إيران في غضون يوم واحد ورقة الفحص لولاء الاسرائيليين للوطن. من يجد نقطة ايجابية ما في الاتفاق هو خائن؛ من ينتقد الاتفاق ولكنه يتهم حكومتنا بالفشل خائن ووقح؛ من ينتقد الاتفاق ولكنه قلق من المواجهة الحادة مع ادارة اوباما هو خائن، وقح وجبان.
رئيس المعارضة بوجي هرتسوغ كان أول من امتثل للاختبار، واجتازه بنجاح. في غضون وقت قصير اتصل به رجال ايباك، اللوبي اليهودي، وعرضوا عليه المجيء إلى واشنطن كي يلتقي مع سناتوريين واعضاء كونغرس وليشرح لهم لماذا هو الاتفاق سيء. وسارع هرتسوغ إلى الرد عليهم بالايجاب: فهو رجل ايجابي بطبعه. يمكنه ان يقول احيانا ربما او لعل، ولكن لم يولد بعد الرجل الذي سمعه يقول لا.
رجال الضغط من ايباك سيعقدون له لقاءات مع اعضاء الكونغرس الديمقراطيين، اولئك الذين يترددون اليوم بين ولائهم للرئيس وبين تعلقهم بناخبيهم ومتبرعيهم لليهود. وسيسألونه اسئلة صعبة. وهو سيتورط. وقد سبق ان تورط. جيفري غولدبرغ، صحافي أمريكي بارز، أجرى معه مقابلة هاتفية نشرت في نهاية الاسبوع في موقع مجلة «أطلنطك». وقال هرتسوغ لغولدبرغ ان «الاتفاق سيحرر أسدا من قفصه. سيخرق ميزان القوى في الشرق الاوسط ويعرض امن اولادي للخطر».
هرتسوغ، كتب غولدبرغ، ذهب بعيدا في امتداح نتنياهو. وسأله غولدبرغ هل تعتزم اقناع اعضاء الكونغرس بالتصويت ضد الاتفاق. فاجاب هرتسوغ: «اعتقد ان هذا اتفاق سيء. ولكني لن اتوجه لتجنيد المصوتين. أنا لا اقول للسناتورات كيف عليهم ان يصوتوا. وسأشرح لهم فقط مساويء الاتفاق وأدفعهم لان يفهموا مصادر قلقنا».
اليس هذا هو من يقوم باعمال التجنيد للتصويت؟ تساءل غولدبرغ. «لا اعتزم الدخول في مشادة مع ادارة اوباما»، اجاب هرتسوغ. ولكن غولدبرغ لم يقتنع. وذكر القراء بما قاله له هرتسوغ في المقابلة التي منحها له في واشنطن، في كانون الاول الماضي عندما سأله عن المفاوضات مع إيران: «انا اؤمن بان ادارة اوباما ستحقق اتفاقا جيدا»، قال. اوباما هو ذات اوباما، اما هرتسوغ فلم يعد هو ذات هرتسوغ.
في الوضع الناشيء بعد تحقق الاتفاق، من الصعب أن يسير المرء وهو يرتدي شيئا ويشعر بانه لا يرتديه، ان يكافح ضد الاتفاق وان يؤيد ادارة اوباما، ان يكافح ضد نتنياهو ويؤيد حملته ضد الادارة. هرتسوغ سيتفوه بشيء ما ضد الجمود السياسي، واليمين في البلاد سيعيده على الفور إلى خانة الخائن، مثلما في عشية الانتخابات؛ سيحاول الدفاع عن نتنياهو، واعضاء حزبه سيشتبهون به بانه رغم ما يقوله علنا، الا انه يشق طريقه إلى الحكومة من خلف ظهره.
ايتان كابل، حليفه، اشار اليه في نهاية الاسبوع الا يسافر. كابل محق: احيانا يكون الافضل هو البقاء في البيت. قبل ان يتجند هرتسوغ للحملة عليه أن يسأل نفسه: هل اريد حقا للكونغرس ان يكسر فيتو الرئيس؟ هل الفوضى التي ستنشأ افضل لاسرائيل؟ ألن يكون انتصاره اشبه بالهزيمة؟
هل حزمت امتعتك وحدك، ستسأله الموظفة في مطار بن غوريون. لا، سيقول لها بحرج. نتنياهو حزمها لي. وبلا مفر، ستبعث به إلى ماكينة الفحص.
يديعوت