تفاوض الأنداد: تسفي برئيل
انتهت مهمة صياغة الاتفاق، وحان الوقت للتحليلات والتفسيرات. يتكون الاتفاق من حوالي 100 صفحة ويشمل ايضا مئات البنود فيه وفي ملاحقه، بما في ذلك بنود «ضبابية» حيث تترك مثل أي اتفاق مساحة معينة لـ «الفهم اللين» سواء من قبل القوى العظمى الغربية أو من قبل إيران.
حسب مصادر دبلوماسية مقربة من المفاوضات «بدون مساحة معينة من التفسيرات لم يكن بالامكان التوصل إلى اتفاق. وكان الجهد لتقليص هذه المساحة والدقة في وضع حدود المسموح والممنوع». هنا يكمن اللغم الاول في اتفاق يمكن تسميته وبدون مبالغة تاريخي. لأنه اضافة إلى حملة التسويق المتعبة التي سيحتاجها هذا الاتفاق في إيران والغرب، لا سيما واشنطن، واضافة إلى سؤال «من انتصر ومن خسر» الذي سيتحول في الايام القريبة إلى صراع حول الرواية، فان لموضوع التفسيرات تأثيرات عملية على المدى القريب وفي سياق التطبيق، بالذات لأن هذا انجاز تاريخي لا يريد أحد تحطيمه.
يمكن تعريف صيغة الاتفاق على أنها نظرية تحتوي في داخلها ليس فقط الاتفاقات بل ايضا الطموحات، الاحلام والتوقعات لكل طرف. هل هذا الاتفاق هو مقدمة لعلاقات جديدة بين إيران والغرب، أم أنه ليس أكثر من مجرد اتفاق تقني، وأوامر استخدام لا يرافقها حلم مستقبلي؟ هل تتحول إيران من الآن إلى شريكة شرعية في ادارة الصراعات الاقليمية والدولية، أم أنها ستستمر كعدو يحاول السيطرة على الشرق الاوسط؟ هل يمنح الاتفاق دفعة للاصلاحيين والليبراليين في إيران الذين سيعتبرونه انجازا لممثلهم الرئيس حسن روحاني، أم أنه سيعزز تصميم النظام على رؤية الاتفاق برهانا على صمود وقوة روح الثورة؟.
لكن قبل أن نحاول تقدير نتائج الاتفاق يمكن من الآن اعداد دفتر حسابات تسجل فيه الخروقات بين الاطراف في مرحلة التنفيذ. وحسب المصادر الدبلوماسية فان الاتفاق يوضح جيدا ما هو الخرق الجوهري، الذي من شأنه الغاء الاتفاق واعادة العقوبات بشكل تلقائي (ايضا حول الاجراء التلقائي هناك اختلاف في التفسير).
ايضا مجموعة من الخروقات الصغيرة قد يكون لها وزن لخرق جوهري. بكلمات اخرى: هل سيكون حبل التنزيلات الذي ستحظى به إيران مرن مثل المطاط، وفي المقابل ما الذي ستعتبره إيران اخلالا من قبل الغرب؟ هل سيرفع الحصار العسكري كليا؟ هل تستطيع استيراد مواد ثنائية الاستخدام مثل تلك التي تستخدم في الصناعة النووية؟.
لا جدل حول أن الاتفاق، حسب كلمات الرئيس السابق علي رفسنجاني، «كسر التابو»، حيث أإنه لاول مرة منذ الثورة أجرت الولايات المتحدة وإيران مفاوضات مباشرة يعتبرونها في إيران مفاوضات بين متساوين وليس من موقع ضعف أو فرض. يمكن الاختلاف مع وجهة النظر الإيرانية والاشارة إلى التهديد باستخدام القوة ضد إيران أو نظام العقوبات الفظ كروافع أبقت إيران بالقرب من الطاولة.
لكن يجب علينا أن نتذكر أن إيران شكلت تهديدا حتى في ظل العقوبات، والخيار العسكري لم يكن واقعي، بالذات بسبب التأثيرات الدولية والاقليمية المقرونة بهذا الخيار ـ بما في ذلك امكانية دخول روسيا إلى حرب كهذه.
من هنا فان نسب المفاوضات ونجاحها فقط للضغط الدولي دون الاشارة إلى القرار الاستراتيجي الذي اتخذته إيران، سيكون خاطيء وغير مفيد.
مجرد وجود مفاوضات معها والتوقيع على الاتفاق، فقد حققت إيران اكثر مما ستحققه قدرتها النووية. لقد تحولت إلى قوة عظمى اقليمية متساوية مع الدول العربية التي هي مرفأ الغرب في الشرق الاوسط. منذ بداية المفاوضات قبل سنتين، فان إيران تضع حدود تأثير جديدة غير مقيدة ليس فقط للدول المتصارعة مثل سوريا والعراق واليمن، بل ايضا في الساحة الدولية.
أحد الانجازات الاضافية التي نجحت في الحصول عليها هي الصدام، أو بشكل أدق الشرخ بين إسرائيل وبين الادارة الأمريكية فيما يتعلق بالسلاح النووي وابعاد التهديد العسكري الإسرائيلي عنها. وقد خلص الاتفاق إيران من صورتها كدولة غير عقلانية تقاد من قبل رجال دين مهمين، وبالتالي لا حاجة إلى اجراء مفاوضات أو توقيع اتفاق مع دولة كهذه.
ومن يبحث عن العقلانية الايديولوجية في دوافع إيران للتوقيع على الاتفاق يستطيع أن يجد ذلك في كون الاتفاق سيثبت حسب وجهة نظر إيران أن الثورة الإسلامية، تهديد الإسلام السني والغرب، حظيت بالشرعية والاعتراف الدولي، وايضا بالبقاء، حيث أنه منذ الآن فصاعدا فان مصير الاتفاق يرتبط بالنظام الثوري. إن هذا ليس شيئا قليلا بالنسبة لنظام يعيش حتى الآن في مخبأ تحت ارضي.
هآرتس